وضع المرأة السعودية كان ومازال موضوعًا مثيرًا للجدل حول العالم، البعض ينظر إلى السعودية على أنها الدولة الأكثر اضطهادًا للنساء نظرًا للقوانين الشديدة التي تفرضها عليهن، هذه القوانين ليس لها تبريرات منطقية، مجرد تطبيق للعادات والتقاليد التي حافظ عليها المجتمع على مر السنين وتم إعطائها صبغة دينية مشوهين صورة الدين بذلك، وقد كُتبت العديد من المقالات في شتى أنحاء العالم تنتقد وضع المرأة في السعودية، ولكن السعودية مازالت متشبثة بطريقة الحياة التي فرضتها على النساء دون أثر لأي قابلية لتغيير ذلك.
في السعودية تشترك الدولة والمؤسسة الدينية في عملية فرض هذه القوانين والتضييق على النساء باسم الدين وبحجة درء المفسدة والفتنة، والمؤسسة الدينية هي التي تسن القوانين فيما يتعلق بالنساء وفيما يتعلق بالحياة العامة بشكل عام، وهذا في الأساس ناشئ من الطريقة التي تفسر بها المؤسسة الدينية الدين، والمقصود بالمؤسسة الدينية هو السلفية الوهابية، التي كانت ومازالت عماد الدولة السعودية ووسيلتها في تثبيت الحكم، فمنذ قيام الدولة السعودية نشأ تحالف بين الطرفين؛ بحيث تقوم المؤسسة الدينية الوهابية بتشريع حكم العائلة المالكة وإصدار الفتاوى حسب الطلب (وأكبر مثال على ذلك فتوى تحريم المظاهرات)، بينما تقوم الدولة بالسماح للمؤسسة الدينية بتطبيق منهجها المتشدد والرجعي دون اعتراض.
هذا النظام أعاد المرأة إلى حالها الذي كانت عليه في عصر الجاهلية، جاء الإسلام وحرر المرأة من عُقد المجتمع ومن سلطة الرجال عليها وأعطاها حقوقها كاملة في جميع مجالات الحياة، إلا أن المؤسسة الدينية في السعودية تريد إرجاع ما كان في عصر الجاهلية من قمع واضطهاد للنساء، ولو علمت النساء في السعودية عن حقوقهن في الإسلام التي قام النظام بظلمهن فيها لوجدنا مقاومة ومعارضة أكبر من التي نشهدها اليوم.
نظام الوصاية يجعل المرأة مرتبطة برجل طيلة حياتها، فيكون الوصي أبوها أو زوجها أو أحد من أقاربها في حال عدم وجود أب أو زوج، وهذا الوصي وظيفته أن يوافق على ما تفعله المرأة، حتى تتأكد السلطات أن هناك رجل قد وافق على ما تريد فعله المرأة، الأمر الذي يدل على أن النظام السعودي ينظر للمرأة على أنها غير أهل للثقة، حتى عندما تصبح المرأة بالغة لها بطاقة هوية خاصة بها لايزال ينبغي عليها أن يكون معها “معرف” إذا ذهبت إلى المحكمة، وأن تحصل على موافقة ولي أمرها إذا أرادت السفر للخارج، أو إذا أرادت أن تدرس، أو تعمل، وفي بعض الأحيان يتطلب الحصول على إذن الوصي في العمليات الجراحية.
والمشكلة في هذا النظام، فضلاً عن كونه لا يمت للدين بصلة، هو أنه مجحف في حق النساء، فليس كل النساء متزوجات أو لديهن أبناء بالغين أو لديهن أب بصحة جيدة، الكثير من النساء لم يتزوجن وليس لديهن إخوان ذكور وأباءهن قد يكونوا متوفين أو طاعنين في السن، هل فكر النظام في هؤلاء النساء؟ ما الحل الذي أوجده للتعامل معهن بطريقة منصفة؟ لا شيء.
كثيرًا ما تتردد قصص النساء اللاتي يتعرضن للظلم والاضطهاد من أولياء أمورهن، ولا يجدن طريقة للخروج من هذا الظلم بسبب القوانين التي تفرض وصاية الرجال على النساء وتنحاز مع الرجل ضد المرأة.
في العام الماضي، أصدر المجلس الأعلى للقضاء قرارًا يقضي باعتماد الهوية الوطنية كمعرف للمرأة في المحاكم وعدم مطالبتها بإحضار ولي الأمر للتعريف بها، إلا أنه مازال غير واضحًا إذا اعتمدت جميع المحاكم في السعودية هذا القرار أم لا.
ولايزال هناك الكثير من القوانين التي لا يمكن أن تكون قد وُضعت من شخص عاقل لديه أدنى قدرة على التفكير، في الجامعات هناك وقت محدد لخروج الطالبات لا يُسمح لهن بالخروج قبله، ولذلك فعلى الطالبات اللاتي ينتهي جدولهن قبل وقت الخروج أن يكون لديهن ورقة موقعة ومختومة من ولي الأمر أنه لا يمانع لابنته أن تخرج مع السائق قبل الوقت المحدد للخروج.
بل إن النساء في السعودية لا يحق لهن اختيار شكل ولون حجابهن أو زيهن، فجميع النساء يجب أن يرتدين العباءة السوداء حتى تحت الشمس الحارقة، وأنا لست ضد العباءة مطلقًا، ولكني ضد أن يتم فرضها على جميع النساء، وفرض العباءة إنما يأتي من العقلية المتخلفة التي تنظر للمرأة على أنها مصدر للفتنة ولذلك يجب أن تغطي بالكامل بحيث لا يظهر منها أي شيء قد يثير الرجال.
ولا بد إذا ما ذكرنا النساء في السعودية أن نذكر قضية قيادة المرأة للسيارة، فلدينا هنا نظام جعل شعبًا كاملاً يعتمد اعتمادًا تامًا على السائقين الخاصين، الأمر الذي يُعتبر دليلاً على الرفاهية في البلاد الأخرى وليس لأي أحد القدرة المادية أن يكون له سائق خاص، إلا أن الشعب السعودي بجميع طبقاته مجبور على أن يكون لكل عائلة سائق خاص أو أكثر من سائق في بعض العوائل، وبدون السائق الخاص لا يمكن لأي امرأة أن تمارس حياتها بشكل طبيعي، ودائماً أقول: المرأة في السعودية تعتمد قراراتها على إذا ما كان هناك أحد يوصلها.
وعندما يُفتح موضوع المرأة، فإن اللوم دائمًا يُلقى على المجتمع الذي لن يتقبل التغييرات، وعلى النساء اللاتي يمكن أن يتحولن إلى فاجرات إذا حصلت هذه التغييرات (قيادة المرأة للسيارة على سبيل المثال)، إلا أن هذه مجرد أعذار واهية، وقد تكون هناك شريحة من المجتمع توافق النظام فيما يفعله، إلا أن المؤسسة الدينية هي التي صنعت هذا المجتمع “الموسوس” الذي ينظر إلى المرأة بدونية.
فهذا ما قاله صالح الفوزان عندما سُئل عن قيادة المرأة للسيارة استدلالاً بركوب المرأة للدابة في الماضي: “ركوب الراحلة ما فيها خطر، ما فيها مفاسد خلاف قيادة المرأة للسيارة فيها مفاسد وفيها خطر، وفيها محاذير كثيرة، فلذلك تُمنع منها، والمرأة إذا ملكت سيارة وصار معها مفتاح سيارة صارت تذهب لما شاءت في أي ليل ونهار، معها مفتاح سيارتها، ولا أحد يمنعها، وليس للرجل عليها سلطة، وقد يتصل بها فاجر أو فاسق ويواعدها، ما الذي يمنعها أن تأخذ مفتاح السيارة وتروح، لأنها أخذت حريتها، هذا فيه مفاسد خطيرة”.
وهذا هو نمط الأحاديث التي تُدار عن المرأة، أن المرأة لا يمكن الوثوق بها، وإذا أُعطيت حريتها فإنها سوف تخلع الحجاب وتخرج من بيتها بكثرة، ولن يصبح للرجل سلطة عليها (الطامة الكبرى)، وستتجه إلى الحرام، وهذه ليست إلا وساوس ليس لها أساس من الصحة، ولا يمكن إثباتها أصلاً، إلا إذا كان قائلوها يعلمون الغيب، وبالطبع فإن هذا الفكر لا ينطبق على الرجال مطلقًا.
ثم يتم خداع أو إسكات المرأة ببعض الإجراءات التي لا تغير شيئًا مثل السماح للنساء بالانضمام لمجلس الشورى، فأولاً الجميع يعلم أن مجلس الشورى ليس له دور يُذكر، وثانيًا انضمام نساء لمجلس الشورى لا يغير وضع النساء في السعودية.
وبالرغم من أن هناك بوادر للتغيير، من قِبل النساء أنفسهن وليس من الدولة، إلا أنها ماتزال طفيفة وليس لها أثر فعال، وقد كان يُدار كثيرًا أن عهد الملك عبدالله شهد تغييرات كثيرة فيما يتعلق بالمرأة، إلا أن هذ التغييرات ليس جذرية ولم تغير من الواقع الذي تعيشه النساء في السعودية، نعم تغيرت حياة 30 امراة بتعيينهن في مجلس الشورى، وتغيرت حياة سيدات الأعمال اللاتي أصبح لا يلزمهن شرط الوكالة لإنشاء أعمالهن ومشاريعهن الخاصة، ولكن ماذا عن بقية النساء؟