ترجمة أروى طلعت
كتب مايكل ويس، وحسن حسن
في أواخر العام 2011، طلب عبدالعزيز كوان من عمه السوري أن يوصله برياض الأسعد، وهو عقيد في سلاح الجو السوري، ومن أوائل المنشقين العسكريين عن دكتاتورية بشار الأسد.
عبدالعزيز، مراهق في السادس عشر من عمره، قادم من دولة البحرين، أراد أن ينضم إلى التمرد المسلح في سوريا، إلا أن والداه نهاه عن الذهاب، فعصاهما.
في بداية العام 2012، طار إلى إسطنبول، ثم فعل ما يفعله الكثيرون من المقاتلين الأجانب، فركب الحافلة في رحلة استغرقت 13 ساعة الى بلدة “ريحانلي” الواقعة على الحدود الجنوبية التركية، ومن هناك، عبر إلى الريف الشمالي من المحافظة السورية “حلب”، والتي كانت قد وقعت بالكامل في أيدي المتمردين المسلحين المناهضين للأسد، حارب عبدالعزيز لعدة أسابيع مع الفصائل المتمردة المعتدلة، حتى رأى أنهم فاسدون وغير مؤثرون، ثم تنقل داخل عدة لواءات إسلامية، فانضم أولاً إلى أحرار الشام، ثم إلى جبهة النصرة، والتي ظهر بعد ذلك أنها وكيل عن القاعدة في سوريا، وبرغم أنه كان قد اكتسب سمعة كمحارب إسلامي ورع، لا يعرف الخوف، إلا أن أمل عبدالعزيز قد خاب في رفقائه الإسلاميين، كما واجه ضغوطًا من عائلته للعودة إلى البحرين.
وفي أواخر العام 2012، عاد عبدالعزيز إلى بيته، لتقوم والدته بمصادرة جواز سفره فورًا.
“أنا أسير في الشوارع وأشعر بأني مسجون، مقيد، ولا يعني لي هذا العالم شيئًا، أريد أن أكون حرًا، أريد أن أعود، فالناس يضحون بحياتهم، وهذه هي الحياة الشريفة”، هكذا تحدث عبدالعزيز إلى الكاتبين بعد عام، فكان لازال يحن إلى أيامه كمحارب “مقدس”.
مقولة عبدالعزيز تشابهت بشكل غريب ومفزع مع رجل آخر من النصف الآخر من الكرة الأرضية، والذي وجد طريقه أيضًا إلى الجهاد في سوريا، “محمد اموازي”، الذي ولد بالكويت وأقام في لندن، ويعرفه العالم بـ “الجهادي جون”، وكان قد لحقه العار حول العالم لخطبه العنيفة، والتي كان يوجهها بلكنته البريطانية للحكومات الغربية، وذلك قبل أن يقوم بإعدام رهائن الدولة الإسلامية مثل جيمس فولي، ستيفن سوتلوف، ديفيد هاينز، ألان هيننغ، وبيتر كاسيج.
وقد سبق في العام 2010 أن تم احتجازه ومنعه من مغادرة البلاد من قِبل المسؤولين البريطانيين عن مكافحة الإرهاب، فكتب حينها رسالة عبر بريده الإلكتروني قال فيها: “أشعر كأنني سجين في لندن، إلا أنني لست في قفص”.
إن رجال من أمثال عبدالعزيز واموازي، هم من استطاعوا احتلال أراض شاسعة في الشرق الأوسط تقارب مساحة بريطانيا، وبقرابة الألف منهم احتُلت “الموصل”، ثاني أكبر مدينة في العراق، والتي كان يحرسها ما يصل إلى ثلاثون ألفًا من الجنود العراقيين والشرطة المدربين من قبل الولايات المتحدة، والذين اختفوا في مواجهة تقدم الدولة الإسلامية والتي بدورها صادرت من بعدهم عربات الـ “همفيز”، ودبابات “أبرامز” التي يصل قيمتها إلى عشرات الملايين من الدولارات، فإذا كنا نأمل أن نفهم الدولة الاسلامية، فلابد أن نبدأ بفهم الرجال الذين يكوّنون الرتب العسكرية من مقاتليها.
عائلة عبدالعزيز كانت قد انتقلت في العام 1980 من شرق سوريا إلى البحرين، وقد وفّر له والداه وسائل الحياة الكريمة، فيقول أحد أقربائه: “رباه والده جيدًا، لم يكن ليدعه يحتاج لأحد، وأراد له أن يكون من مستوى اجتماعي عال”، وأضاف أن عبدالعزيز كان هادئًا، مهذبًا، وكان دائمًا يتصرف كرجل.
ظل عبدالعزيز في البحرين لثلاثة أشهر، حتى تمكّن من إقناع والدته بأن ترد إليه جواز سفره، وبعدها بثلاثة أيام، رحل إلى سوريا، وما إن وصل عبدالعزيز، انضم إلى المنظمة التي كانت تعرف حينها بالدولة الاسلامية في العراق والشام، والتي كانت قد بدأت تبرز كواحدة من أكثر المجموعات الجهادية التزامًا وتنظيمًا في سوريا، ذكر عبدالعزيز لاحقًا أنه كان قد قرر الانضمام بعد محادثة عبر سكايب مع بعض “الإخوة” في سوريا.
خبرته السابقة مع الفصائل الإسلامية الأخرى المشابهة لأيدولوجيا الدولة الإسلامية كانت ميزة للانضمام لفصيل يهيمن عليه المقاتلون الأجانب.
صعد عبدالعزيز في الرتب داخل المنظمة، فبدأ كمنسق ما بين الأمراء المحليين والمجموعات المتمردة الأخرى، ثم كرسول لقائده يوصل الرسائل والاتفاقات الشفهية، وبعد أن استحوذت الدولة على رقع شاسعة من الأراضي السورية والعراقية في صيف 2014، وأعادت تصنيف نفسها بلقب “الدولة الإسلامية”، متحررة من الحدود العراقية أو السورية، تم ترقية عبدالعزيز كمسؤول أمني يُشرف على ثلاث بلدات قرب بلدة “البوكمال” الواقعة على الحدود السورية – العراقية، وهي منفذ بين البلدين، لرجال مثله.
في الدولة الإسلامية، اكتشف عبدالعزيز أشياء جديدة عن نفسه، أنه عنيف، وحشي، وذو عزم وحزم، كان يقطع رؤوس الأعداء، كما أبقى فتاة أزيدية في بيته لتكون من السبايا مكافأة له عن مشاركته في المعارك ضد الأكراد العراقيين البشمركة ومليشيات الأكراد الآخرين في سنجار العراقية قرب الحدود السورية، فبحسب المجلة الدعائية “دابق”، الخاصة بالدولة الإسلامية، فإن خُمس السبايا من سنجار تم توزيعهن على القيادة المركزية للدولة، ليفعلوا بهن ما يشاؤون، أما البقية، فتم تقسيمهن كغنائم حرب، بين الرتب والمجموعات، مثل عبدالعزيز.
عرض علينا عبدالعزيز صورًا للفتاة التي سباها، كانت في أواخر سنوات المراهقة، وكانت “ملكًا” لعبدالعزيز لمدة شهر، ثم سلّمها إلى قادة آخرين من قادات الدولة الإسلامية.
لم تصطدم حقيقة عبدالعزيز كمغتصب بما كان يعتبره التزامات أخلاقية كمسلم تقي ورع، أحد زملائه المحاربين قال إن عبدالعزيز كان يغطي شاشة التلفاز عند إذاعة نشرات الأخبار حتى لا يشاهد وجه المذيعات، كان يقرأ القرآن والأحاديث بحماس، وكان يتكلم عن “الدولة” بتباه.
عندما سُئل عما سيفعله لو كان والده عضوًا في جبهة النصرة وتقابلا في معركة، أجاب عبدالعزيز سريعًا: “سأقتله، أبو عبيدة – أحد صحابة رسول الله – قتل والده في معركة، من تمتد يده بضرر إلى الدولة ستُقطع يده”.
قبل انضمامه للجهاد في سوريا، كان عبدالعزيز مبتدئ فيما يتعلق بمسائل العقيدة، فهو بالكاد قد أنهى عامه الأول في أكاديمية للدراسات الإسلامية بالسعودية، حيث كان قد ترك مدرسته الثانوية في البحرين ليذهب إلى المدينة المنورة لدراسة الشريعة الإسلامية، ووفقًا لأحد أفراد أسرته، كان عبدالعزيز يتجنب مرافقة أقرانه في المدرسة ممن لا يرى فيهم تدينًا، وكان يختلط في المقام الأول بالطلبة المتعصبين، وسريعًا، أصبح يلجأ إلى “أحاديث الجهاديين”، مستدعيًا باستمرار الأحوال الكئيبة التي يعيش فيها المسلمون في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق أسيا.
في سوريا، استمرت تحولاته على أرض المعركة، فقام بتسمية نفسه بـ “أبي المعتصم”، كناية عن الخليفة العباسي الثامن الذي عرف بقيادة جيش ليثأر لامرأة أهانها الجنود البيزنطيون، قال عبدالعزيز إنه يريد أن يقلد الخليفة العباسي في مساندته للمسلمين الضعفاء في سوريا والعراق، وبرغم تعيينه كمسؤول أمني، كان دائمًا ما يبحث عن أية فرصة للقتال في الصفوف الأمامية، قال لنا :”لا أستطيع أن أجلس، أنا جئت هنا لأنال الشهادة وأنا أجري خلفها في كل مكان”.
لقد أخذ العالم وقتًا طويلاً لاستيعاب هذه الطاقة المتوحشة التي تثور دون أن تهدأ لدى جنود الدولة الإسلامية، قبل سقوط الموصل بخمسة أشهر، تحدث الرئيس باراك أوباما بعدم اكتراث عن الدولة الإسلامية في مقابلة مع ديفيد ريمنك من مجلة “النيويوركر” واصفًا إياهم بفريق الاحتياط للإرهابيين، وبأسر الموصل الصيف الماضي، قامت الفرقة الناشئة بهدم الجدران الحاجزة التي تفصل الدول الحديثة سوريا والعراق، والتي كانت ثابتة في مكانها مدة قرن، وادعت بذلك أن هذا الفعل الرمزي هو إعادة تجميع لينتهي به أثر الاستعمار البريطاني – الفرنسي الذي ساعد على رسم خريطة المنطقة المعاصرة حتى قبل النهاية الرسمية للحرب العالمية الأولى، وأنه لن يكون بعد الآن أية بصمة على تلك الخريطة، وأنه لن يوجد سوى دولة الخلافة. وأنه تدريجيا، بحسب نبرات قائد الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي، لو كان المسلمون أقوياء، ستصل الخلافة إلى إسبانيا، وقد تَحتل روما.
وفي الثالث والعشرين من أكتوبر لعام 2014، وصلت قصة عبدالعزيز أخيرًا للنهاية، تم قتله برصاص قناص من النظام السوري في حي “الحويقة” بمحافظة دير الزور.
إن من عادة المقاتلين كتابة وصية عند انضمامهم إلى جماعة، ليتم تسليمها إلى عائلاتهم بعد موتهم، وصية عبدالعزيز كانت موجهة لوالدته:
“كما تعلمين وتشاهدين في القنوات التلفيزيونية، فإن الكفار والروافض قد تمادوا في اضطهادهم، يقتلون ويعذبون، وينتهكون شرف المسلم، وأنا والله لا أستطيع أن أرى إخوتي وأخواتي المسلمين يُقتلون، وبعضهم يستغيث بالمسلمين فلا يجد من يأتي لنجدته، ثم أجلس دون أن أفعل شيئًا، والسبب الأهم، أنني أشتقت إلى الجنة بجوار النبي محمد عليه السلام، وأردت أن أطلب لك المغفرة في الدار الآخرة”.
قصص الآلاف من الرجال مثل عبدالعزيز ستستمر، لتلاحق العالم لسنوات قادمة.
المصدر: فورين بوليسي