ترجمة وتحرير نون بوست
عندما تلقى الفنان المصري عمار أبو بكر دعوة متحف ميتروبوليز الفني في روما لإلقاء كلمة عن دور الفن في الثورة المصرية، كان يعرف بالضبط نوع الفن الذي سيعرضه ضمن كلمته.
المحاضر المساعد السابق في كلية الفنون الجميلة بالأقصر معروف في الشارع المصري لتصويره عناصر من ثورة عام 2011، كما أنه مشهور بالجرافيتي التي يرسمها في شوارع القاهرة وأماكن أخرى، وخلال الكلمة التي ألقاها في إيطاليا، كان أبو بكر يسعى للفت الانتباه إلى فتاة شابة أصبحت رمزًا للثورة في مصر، وهي سناء سيف.
سناء سيف التي لم تكن تتجاوز الـ17 عامًا عندما اشتعلت الثورة في شوارع مصر في عام 2011، لم تألف التجمعات الكبيرة أو المظاهرات، لكنها سرعان ما وصلت إلى نقطة الاندماج فيها، وأصبحت بالنسبة للكثير من المصريين رمزًا للمقاومة والروح الثورية.
يقول أبو بكر “تعرفت على سناء منذ عام 2012، وسرعان ما لاحظت حماسها ولطفها بالتعامل مع الناس، إنها تنتمي إلى ما أسميه الجيل الثوري النقي، ويمكن اعتبارها أحد أفضل الأمثلة على الثوريين المصريين الحقيقيين”.
سناء هي ابنة محام وناشط بارز في مجال حقوق الإنسان أحمد أبو سيف، والذي توفي في شهر أغسطس، وهي تنحدر من عائلة مشهورة ونشطة سياسيًا بشكل كبير، حيث دافع والدها عن حقوق الإنسان والعمال والنشطاء السياسيين، وكان أحد مؤسسي مركز هشام مبارك للقانون، الذي يوفر المساعدة القانونية للأشخاص الذين لا يستطيعون دفع الرسوم القانونية، ووالدتها ليلى سويف، أستاذة في جامعة القاهرة وأحد قيادات مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات “المعروفة بحركة 9 مارس” والتي تنادي بالحرية الأكاديمية في مصر، وشقيقها علاء عبد الفتاح وشقيقتها منى، معروفان ضمن شبكة النشطاء المصريين.
ولكن النشاط السياسي للعائلة، والذي أدى إلى اعتقال أبو سيف وعلاء في عدة مناسبات، كان أحد الأسباب، التي لم تدفع سناء للمشاركة في المظاهرات في مراهقتها، كونها لم تكن ترغب في بادئ الأمر أن تحذو حذو والديها، ويبدو أن سناء لا تعتبر انحدارها من عائلة ناشطة سياسيًا هو ما دفعها بحد ذاته للخروج إلى الشارع.
كان أول احتجاج كبير شاركت به سناء هو المسيرة التي خرجت احتجاجًا على موت الشاب المصري خالد سعيد إثر تعرضه للضرب الوحشي على يد رجال الشرطة بالإسكندرية في يونيو 2010، ومن هذه النقطة باشرت سناء مسيرتها، والتي أولت خلالها اهتمامًا كبيرًا لسوء الأحوال المعيشية للمواطنيين المصريين، وكما هو الحال مع العديد من الشباب المصري، اعتنقت سناء كليًا روح ثورة يناير لعام 2011.
تم اعتقال سناء في 21 يونيو 2014 مع 22 شخصًا آخر لمشاركتهم في مظاهرة تندد بقانون التظاهر المثير للجدل والذي دخل حيز التنفيذ في نهاية عام 2013، حيث يحظر القانون “رقم 107 لعام 2013” المظاهرات العامة التي تجري بدون إخطار الشرطة وأخذ الموافقة المسبقة، وفي أكتوبر من العام الماضي صدر حكم عن محكمة الجنح في القاهرة الجديدة قضى بتجريم سناء وبقية المتهمين بجرم التظاهر بدون إذن مسبق وحكم عليها ومن معها بثلاث سنوات من الحبس مع وضعهم تحت المراقبة لمدة ثلاث سنوات بعد الخروج من السجن.
خلال السنوات الأربع الماضية أصبح وجه سناء – أكثر من اسم عائلتها – رمزًا للثوار الذين كانوا جزءًا من احتجاجات ميدان التحرير في القاهرة، حيث أكسبها عملها المتفاني على مستوى القاعدة الشعبية أثناء وبعد الثورة احترام وامتنان الشعب، ويتذكر أبو بكر كيف كانت سناء مشغولة دائمًا بمساعدة الناس ومنحهم الطعام أو الماء، أو مساعدتهم في السجن، كما أشارت والدتها ليلى سويف لصحيفة مدى مصر أن “سناء شالت جرحى مضروبين برصاص الجيش والداخلية وهى عندها 17 سنة، وبقت تروح معاهم المستشفى تتخانق وتدور على وسايط وعلاقات وناس معاها فلوس وأصحاب معاهم عربيات”.
جمالها وشبابها وشخصيتها القوية المرتبطة مع معاناتها هي والسجناء الآخرين، أصبحت مضرب المثل بالنسبة لـ أبو بكر عن تدهور حقوق الإنسان والحريات في مصر، حيث يقول عن لوحته الجدارية التي يصور فيها سناء “هذه ليس مجرد فن، إنها رسالة للشعب لتذكيره بالواقع المروع والمرير الذي تمر به مصر الآن”.
على الجدار الذي يبلغ عرضه 6 أمتار وبارتفاع 7 أمتار، انتقل أبو بكر صعودًا ونزولًا على طول الرسم وعرضه فوق سقالة صغيرة وغير مستقرة، حيث كان يحول ناظريه من الحائط إلى صورة سناء باللونين الأسود والأبيض والتي طُبعت على أكثر من ورقة كانت متناثرة على الأرض، ويقول أبو بكر مشيرًا إلى الصورة “هذه الصورة تم التقاطها في القطار بواسطة صديق مشترك، وقد تم اختيارها لتمثل سناء من قبل حركة الحرية لسناء”، ويضيف “ما أسعى إليه هو التبرع بمساهمتي لصالح الحركة، سناء صديقتنا، وعلينا أن نشرح للمصريين الآخرين ما يحدث من خلال تجربتها”.
قام المئات من الأشخاص من جميع أنحاء العالم بمشاركة صورهم على صفحة الحرية لسناء على الفيسبوك، والتي تظهرهم مع صورة لسناء وُسمت بهاشتاغ الحرية لسناء “FreeSanaa#” أو يسقط قانون التظاهر “NoProtestLaw#”.
قبل اعتقالها، عملت سناء في صحيفة مستقلة أسستها مع أصدقائها تهدف إلى التكلم بصوت الشعب، كما أنها كانت مهتمة بشكل كبير بصناعة الأفلام، حيث ساهمت كمحررة في الفيلم الوثائقي الذي تم ترشيحه لجائزة الأوسكار بعنوان الميدان.
في يوم اعتقال سناء 21 يونيو 2014، خرجت في وقفة احتجاجية أمام القصر الرئاسي للمطالبة بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، بمن فيهم شقيقها علاء، والتنديد والمطالبة بإلغاء قانون التظاهر، “نقطة التجمع كانت بجوار محطة مترو الأهرام في مصر الجديدة، حيث يوجد القصر الرئاسي على بعد بضعة شوارع، ولكن المظاهرة لم تدم سوى لبضع دقائق، لأن الشرطة قامت بقمعها بشكل عنيف جدًا”، يقول الناشط المصري مهند السنكري الذين كان مشاركًا في الاحتجاج، ويضيف “هوجمنا بعد 15 دقيقة فقط من قِبل قوات الأمن ورجال الشرطة المتنكرين بملابس مدنية والبلطجية الموالين للحكومة، الذين تصفهم الدولة بالمواطنين الشرفاء، وبدأت الاعتقالات تتم حينها بشكل عشوائي، وجرى البحث عن المشتبه بهم في المناطق المجاورة”.
يشير طاهر أبو النصر محامي سناء، أنه تم توجيه عدة تهم للمتظاهرين الذين تم اعتقالهم ذاك اليوم، مثل تنظيم تظاهرة دون إخطار السلطات المختصة بالطريق الذي حدده القانون، وإحراز الأسلحة البيضاء أثناء التظاهرة، وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، واستعراض القوة.
سناء المعتقلة في سجن القناطر للإناث، بدأت في 28 يونيو – وفقًا لمحاميها – إضرابًا عن الطعام، ولكنه انقطع بعد ثلاثة أشهر فقط نتيجة لتدهور وضعها الصحي، ووفقًا لنصر، سناء تستفسر دائمًا عن أحوال السجناء الآخرين وتحاول مساعدتهم بما في وسعها، حتى عندما صدر الحكم بحبس جميع المعتقلين لمدة ثلاث سنوات، لم تتخل سناء عن الأمل، والمعتقلون ينظرون لها الآن كزعيمة داخل المعتقل لأنها تؤمن حقًا بمبادئ العدالة والحرية.
يشير الأستاذ نصر أن هناك شك كبير فيما يتعلق بصحة بعض التهم الموجهة للمعتقلين، حيث يقول “ضبط الشرطة يشير إلى كسر زجاج السيارات في المنطقة، وتكسير أضواء الشوارع، واقتلاع الأشجار، ولكن أيًا من المتهمين لم يتم القبض عليه متلبسًا أثناء القيام بهذه الأمور، ويبدو أن القاضي أخذ بعين الاعتبار جريمة التجمع من أجل التظاهر غير المرخص، وهذه الجريمة كافية – من وجهة نظره – لاتهام المعتقلين بتخريب الممتلكات العامة والخاصة حتى في ظل عدم وجود دليل على ذلك”.
في 28 ديسمبر من العام الماضي، صدر حكم الاستئناف في قضية سناء والمشهورة باسم قضية الاتحادية، نسبة إلى القصر الرئاسي الذي تمت المظاهرة بجانبه، وعلى خلاف آمال ودفوع الأستاذ نصر، لم يتم إخلاء سبيل سناء ومن معها، بل عمدت المحكمة إلى فسخ حكم محكمة الجنح جزئيًا، وتخفيض مدة العقوبة من ثلاث سنين إلى سنتين وتخفيض مدة المراقبة من ثلاث سنوات إلى سنتين، وتصديق حكم أول درجة فيما عدا ذلك.
المصدر: ميدل إيست آي