ذكر محمد بن راشد آل مكتوم نائب الرئيس الإماراتي في تصريحات له تعقيبًا على وضع المرأة في الإمارات أن كل سيدة في دولة الإمارات نكن لها كل تقدير واحترام، وكل دور تساهم به المرأة في المجتمع هو محل تقدير للشراكة البنّاءة في نهضة أمتنا.
هذا التصريح من المفترض أن يعبر عن حقيقة أوضاع المرأة الإماراتية لكن الواقع غير، ففي شهر أبريل من العام الماضي، منعت وزارة التعليم العالي في الإمارات الطالبة عائشة الجابري من التسجيل في اختبار “السيبا” وهو امتحان عام لاختبار الكفاءة التربوية وأحد أهم الشروط للالتحاق بالجامعة، وعندما احتج شقيقها على هذه الممارسة أبلغته الوزارة بوجود تعليمات من خارج الوزارة تقضي بشطب ملف عائشة وعدم تسجيلها رغم أنها مستكملة لجميع الشروط، فلم يكتف بهذا الرد وقدم تظلمًا للوزارة بيّن فيه أن حرمان شقيقته من تعليمها الجامعي مظلمة في حقها وهي لم ترتكب ذنبًا تُعاقب عليه لتحرم من حقها في التعليم، وجاء رد الوزارة رافضًا للتظلم.
عند النقطة الحدودية بين الإمارات وعمان يوم 10 يناير من هذا العام، كانت عائشة الزعابي تحمل طفلها الذي يقل عمره عن سنتين، حيث تم مصادرة جوازها وجواز طفلها وأخذوها لوجهة غير معلومة وبقيت عائلتها تجهل مكانها حتى إطلاق سراحها بعد خمسة أيام، واتضح أنها ممنوعة من السفر رغم غياب أي سند قانوني لهذا القرار وأنها مدانة بسبب رغبتها في السفر إلى زوجها، وتهمتها هي تقديم الدعم له باعتباره متهمًا في قضية سياسية.
كلتا الحالتين السابقتين لا علاقة لهما بالعمل السياسي ولكن الانتهاكات التي تمت بحقهن هي بالأساس على خلفية سياسية بسبب اعتقال أعضاء من عائلتهن على خلفيات سياسية؛ ما استدعى أن يطال العقاب الجميع، إذًا نحن أمام عقوبات جماعية تطال نساء المعتقلين وبناتهم وأمهاتهم، مثل حالة منع سلطات سجن لوالدة معتقل من زيارته وهي ذات الـ 75 عامًا وعند استفسارها عن سبب المنع تم تهديدها بفتح قضية ضدها.
احتفلت الإمارات باليوم العالمي للمرأة في الـ 8 من مارس الماضي وتغنت الدولة الخليجية بواحة الحرية التي تتمتع فيها المرأة بكافة حقوقها وبالطبع لم تذكر الأمثلة التي ذكرناها سابقًا، إذ إن هؤلاء النساء غير محسوبات على النساء التي تحتفي بهن الدولة في هذا اليوم.
ففي مناقشات مجلس حقوق الإنسان خلال دورته بجنيف موضوع حقوق المرأة وحق التعليم وغيرها من المسائل، خرج ممثل دولة الإمارات بخطاب “منمق للغاية” يدعو فيه بقية الدول للعناية بوضع المرأة والمساواة بين الإناث والذكور وبذل الجهود لتعزيز مكانة المرأة وحقها في التعليم، هذا الذي تكتبه القوانين الإماراتية وتدعو له الغير دون أن تلتزم به.
العنف المنزلي ضد المرأة منتشر بشكل كبير وعلى الرغم من ذلك فقد أكدت منظمات حقوقية أن دولة الإمارات ليس لديها قانون خاص بالعنف المنزلي، وفي الوقت الذي تنطبق فيه مواد قانون العقوبات، مثل تلك التي تنطبق على حالات الاعتداء، على الانتهاكات الزوجية، أخفق القانون الإماراتي في توضيح تدابير الحماية، ومسؤوليات الشرطة والقضاء وغيرهما من المؤسسات الحكومية من التصدي للعنف المنزلي وغيره من الانتهاكات.
دولة الإمارات التي تتغنى بوضعية المرأة الإماراتية بين الدول الخليجية والعربية عامة لا تذكر أنها دفعت أكثر من مليون دولار لشركتين تعملان في مجال الدعاية والعلاقات العامة للقيام بحملة هدفها التعتيم على الأوضاع الداخلية الحقوقية في الإمارات وفي مقدمتها الانتهاكات التي رصدتها المنظمات الحقوقية بحق النساء والأطفال في الإمارات.
التشريعات الإماراتية الخاصة بالمرأة في غاية الغرابة حيث تطبق على المسلمات وغير المسلمات، فقد رصدت حادثة تم ترحيل فيها مدرسة بريطانية تعمل في الإمارات بسبب عملها دون إذن زوجها المنفصل عنها وهو ما يُعد جريمة في القانون الإماراتي.
إذا قامت المرأة في الإمارات بالإبلاغ عن اغتصابها فإنه سوف يتم الزج بها في السجن طبقًا للسلطات الإماراتية وهو ما حدث عام 2010 عندما تراجعت امرأة في أبوظبي عن بلاغها بأنها تعرضت للاغتصاب بواسطة ستة أشخاص، وادعت أن الشرطة هددتها بأنها ستعاقب بدنيًا بتهمة ممارسة الجنس قبل الزواج؛ ولذلك فليس من المستغرب أن أكثر من نصف السيدات اللاتي يعشن في الإمارات يقلن في استطلاعات الرأي أنهن لن يبلغن الشرطة إذا تعرضت إحداهن للاغتصاب.
أما عن المرأة الأجنبية الوافدة إلى الإمارات كعمالة في المنازل فهناك أكثر من 146 ألف امرأة يعملن في هذا المجال داخل الإمارات، ووثقت منظمة هيومن رايتس وواتش “المحظورة داخل الإمارات” الانتهاكات والاستغلال الذي يتعرضن له جراء نظام الوصاية على تأشيرات الدخول المعرف باسم “الكفالة”، إلى جانب حرمان العاملات المنزليات من مظلة حماية قوانين العمل، ولقد تحدثت هيومن رايتس ووتش مع أكثر من 100 عاملة منزلية في الإمارات، وصف العديد منهن ما يتعرضن له من عدم الحصول على مُستحقاتهن، وعدم السماح لهن بالحصول على فترات راحة أو أيام إجازات، وعدم مُغادرة منازل أصحاب العمل، إلى جانب العمل المُفرط، الذي يتضمن يوم عمل يصل إلى 21 ساعة.
وهذا ما تؤكده كافة المراكز الحقوقية المعنية برصد الأوضاع الحقوقية في دولة الإمارات ومنها المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان الذي يؤكد أن هناك ممارسات قمعية تقوم بها الأجهزة الأمنية في الإمارات ضد المرأة ورصد المركز عدة جرائم عدها في نطاق الجرائم ضد الإنسانية، هذا التقرير أصدره المركز بمناسبة اليوم العالمي للمرأة وردًا على أحاديث الإمارات في هذا الصدد التي تنفي فيه كافة هذه الانتهاكات، عدد المركز في تقريره انتهاكات رصدها بنفسه كان أحدثها في 15 فبراير من هذا العام حيث تم احتجاز الشقيقات أسماء ومريم واليازيه خليفة السويدي دون وجه حق ودون الإعلام عن مكان الاعتقال أوالأسباب أو السماح بحضور محام.
وأكد الدولي للعدالة في تقريره الذي صدر بعنوان “حقوق المرأة في الإمارات بين الواجهة والواقع”، أن هذه الممارسات القمعية تعكس بطلان تصريحات الدولة ومن يمثلها أمام الهيئات الأممية في خصوص الادعاء بجهود الدولة وإنجازاتها بخصوص حقوق المرأة وأوضاعها في الدولة.
ذكر المركز شواهد الأوضاع الحقوقية المتردية للمرأة على كافة الأصعدة الأسرية والسياسية، داعيًا دولة الإمارات للكف عن هذه الدعاية المستخدمة في الترويج لأكاذيب تخص احترام حقوق المرأة في الإمارات والتي ليس لها شواهد حتى هذه اللحظة.
عدم احترام المرأة هو مجرد واحد من بين عناصر الانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث هناك الحديث عن الاستخدام واسع النطاق للتعذيب البدني، الخطف، والاختفاء القسري، والقيود الشديدة على حرية وسائل الإعلام أو النشاط السياسي، فضلاً عن الانتهاكات ضد العمال المهاجرين، وهذه كلها تجعل من غالبية سكان الإمارات عرضة لانتهاكات حقوق الإنسان وليس المرأة وحدها، وتبقى كل محاولات الإمارات لتحسين صورتها في هذا الصدد هي مجرد حبر على ورق لم ير حيز التنفيذ من قبل.