انخرط العرب في تحليل خطاب نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي للتحذير من الاتفاق الأمريكي الإيراني حول المشروع النووي الإيراني بدون توضيح موقفهم من هذا المشروع ومن نتائج الاتفاق عليهم، يدافع نتنياهو – بالحق والباطل – عن شعبه ويقاتل على كل الجبهات لحمايته، بينما يصعب على العرب التركيز على خطرين في وقت واحد، ربما قد يحتاج إدراك الخطر الإيراني إلى قدرات نساء العرب على التركيز على أكثر من هدف فى نفس الوقت، حيث يبدو أن رجالهم مشغولون إما بترسيخ سلطات متهاوية أو بخطر إسرائيلي لا يعفي من وجود أخطار أخرى لا تقل أهمية عنه، سكب محللونا حبرًا كثيرًا في الشماتة من نتنياهو والتدليل على فشل مهمته بل واحتمال تدميره لإجماع أمريكي عابر للأحزاب على إسرائيل، لكن هل كانت هذه هي القضية حقًا؟ هل كانت القضية فقط إسرائيل ونفوذها في أمريكا، أم أن هناك أيضًا إيران وطموحاتها والتي إن نجحت في ترسيخها فستمثل إعادة ترسيم للمنطقة بشكل لن يجلب الاستقرار لأحد.
يتهدد المنطقة ضعفها وهشاشتها وقابليتها للاستعمار من قِبل الجميع، بما فيهم إيران، فقط افتح خريطة بسيطة لترى الإيرانيين يتوسعون – عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا – في لبنان وسوريا والعراق واليمن، قد يصعب على البعض استيعاب الخطر الإيراني باعتبارها امتدادًا للتشكيل الحضاري الإسلامي، هم محقون، لكن الممارسات الإيرانية في المشرق والجزيرة العربية لا يبدو أنها تنبع عن رؤية إسلامية جامعة بقدر ما ترسخ لمشروع طائفي إحلالي.
بالتأكيد لا يمكن مقارنة التهديد الإيرانى بالإسرائيلي من ناحية وجودية الأخير، لكن كلاهما في النهاية خطر ويحتاج إلى حذر، يجدر هنا التذكير بأن أدوات المعركة مع إيران لا تتوقف على القتال فقط، لكنها تمتد إلى الحوار والدبلوماسية أيضًا، على العرب المسارعة إلى تعلم دروس في فن الاشتباك على جبهات متعددة، فلم يعد هناك خصم واحد أوحد، بل هناك غرماء مترقبون لن ينتظروا حتى تأتيهم أوامرنا بالتزام دورهم في القتال، سينقضون سويًا وبدون إنذار وبعدها قد يتفقون علينا أو يكملون الانقضاض.
بالفعل لقد أساء خطاب نتنياهو في الكونجرس إلى العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لكنه لم يضف لرصيد العلاقات العربية الأمريكية ولا يعني تفهمًا أمريكيًا أكبر للقضية الفلسطينية، ربما انخفض تمثيل السياسيين الأمريكيين في مؤتمر لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية إيباك السنوي هذا العام والذي انعقد بدون حضور نائب الرئيس الأمريكي وشخصيات قيادية أمريكية رئيسية، لكنه في النهاية انعقد بحضور أكثر من 15000 ناشط لخدمة إسرائيل توجهوا بعدها إلى الكونجرس لمناقشة مصالح إسرائيل مع لجانه المختلفة، مازال العرب بعيدين عن أذن صانع القرار الأمريكي ناهيك عن قلبه، صحيح نشأت فجوة بين الدولتين، لكنها سرعان ما ستتوارب مع عدم وجود بدائل سياسية عربية لحل المشكلة الفلسطينية، مازال اللوبي اليهودى في الولايات المتحدة أكثر نفوذًا وقوة من أي لوبى عربى – إن وجد – وهو ما يعني أن تأثير الخطاب على العلاقات غير مهم خصوصًا وأن العلاقة هي مؤسساتية بين دولتين وليست بين زعيمين.
ربما استطاع الديمقراطيون احتواء آثار خطاب نتنياهو في الكونجرس ومنعه، على الأقل إعلاميًا، من تحقيق ما يريد، إلا أنه نجح فى إيصال رسالته وتعزيز موقف الجمهوريين المعارضين للاتفاق الحالى مع إيران، قد يختلف العرب مع نتنياهو في قضايا كثيرة، لكنهم لن يكونوا بمثل هذا الاختلاف حول خطر تمدد إيران عليهم وكارثية آثار تمكين إيران من القنبلة النووية، تمنع رومانسية العرب الاعتراف بمثل هكذا توافق في الرؤى مع نتنياهو، وهو ما تمثل في الاكتفاء بالهجوم الشديد عليه والشماتة في فشله بأكثر من الاهتمام بمضمون كلامه ومدى موافقته للمصالح العربية.
إن الوصول إلى اتفاق الآن مع إيران سيضفي شرعية على أفعالها في المنطقة، وسيرفع العقوبات عنها بما يمكّنها من القيام بأدوار توسعية أكبر، كما أنه بالفعل يمكّنها من التحول إلى قوة نووية حتى ولو بعد سنوات، قد تتفق مصالح الغرماء مؤقتًا، هذا وارد وليس عيبًا، والأهم أنه لا يشرعن في ذاته لتقارب محتمل، هنا لا ننسى أنه قد تسربت أنباء عن رضى سعودي ضمني عن مضمون كلمة نتنياهو في تعبير عربي صريح ومتسق ووحيد -غالبًا – عن الموقف من الاتفاق.
لكن هل يكون للعرب موقف موحد من المفاوضات الأمريكية مع إيران؟ نظريًا، قد يكون، لكن لابد من معرفة مضمون الاتفاق أولاً، وهذا مستحيل، ظاهريًا يبدو أنه اتفاق على شروط فنية لمنع تحول القدرة على إنتاج طاقة نووية إلى سلاح نووي، لكن هذا ليس كل شيء، تشير اتجاهات الأحداث إلى احتمال وجود تفاهم إيراني أمريكي على خريطة النفوذ في الشرق الأوسط وهو ما يجري بدون علم العرب وعلى حسابهم، ماذا إذًا قد يقول الزعيم العربى للمشرعين الأمريكيين حول الاتفاق المحتمل، المجهول ملامحه، مع إيران؟
في الكونجرس الأمريكي مخاطبًا المشرعين الأمريكيين يحسن التركيز على قضيتين أساسيتين من بين كل القضايا الشائكة المتعلقة بالسياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط: أولاً أهمية نزع التسلح النووي من كل دول المنطقة بلا استثناء، وثانيًا عدم شرعنة التدخلات الإقليمية في الشؤون الداخلية والتعدي على الحدود التاريخية سواء من قبل إسرائيل أو إيران أو داعش.
سيبدو نفاقًا من العرب الحديث عن قلقهم من القنبلة النووية الإيرانية المحتملة والسكوت عن القنبلة النووية الإسرائيلة المتحققة، لذلك يجب على الزعيم العربى أن يقول لأعضاء الكونجرس ومجلس النواب الأمريكي إنه عليهم إما نزع التسليح من الجميع، أو السماح بتسليح الجميع، على أمريكا أن تكون منصفة ومتسقة في نزع سلاح إسرائيل النووي، وعندها سيكون لديها الشرعية الأخلاقية لمنع إيران أيضًا، سيقول لهم أيضًا إن أي نفوذ إيراني في الدول العربية لن يحقق لأمريكا الأمن كما تتخيل، بل سيزيد من غضب العرب عليها وكراهيتهم لها، كثير من العرب يعتقدون بأن الولايات المتحدة الأمريكية تريد مساعدة إيران في مكافحة الإرهاب في العراق واليمن، لكن هذا لن ينتهي إلا بمزيد من العنف والمقاومة للإيرانيين وبالتالي عدم الاستقرار في المنطقة، على الولايات المتحدة أن تختار بين أن تقف مع العرب وحقوقهم أمام أطماع إيران وغطرسة إسرائيل، أو الاستمرار في نفس السياسة المتحيزة التى لم تجلب لها سوى الفشل والكراهية.
هذا الخطاب أمام المشرعين الأمريكيين لابد أن يتبعه خطاب إلى شعبه، على الأقل من باب الاتساق، قد يستجمع الزعيم شجاعته ويعترف بأن على العرب أن يخشوا إيران من أجل التكنولوجيا النووية أكثر من القنبلة النووية، فالتكنولوجيا والعلوم النووية الإيرانية هي ما ستمكّنها من تحقيق النفوذ الحضاري والسطوة المعرفية على المنطقة، وستمكّنها من الدخول في نادي الكبار والتعالي على دول المنطقة لانحطاطهم المعرفي والحضاري، ستتمثل التجليات الأمنية والسياسية لهذا في تمكين الأقليات الشيعية في البلدان العربية معرفيًا وعلميًا وهو ما سيترجم إلى سيطرة اقتصادية وسياسية لإيران وحلفائها، وفق هذا المنطق، لا يتوقف الأمن القومي العربي على القدرات العسكرية فقط بقدر ما يتوقف على تماسكها الداخلي ومناعتها أمام محاولات الاختراق المادي والحضاري، قال العرب قديمًا: “بيدي لا بيد عمرو”، هنا قد يكون حري بنا أن نفكر جديًا في كيفية تعزيز المشاركة السياسية ودعم التسامح ومحاربة الفساد وتمكين النابهين، قبل أن يقول لنا الإيراني والداعشي وكثر غيرهما “جنت على نفسها براقش”.