الصورة: سيارات تابعة لحرس الحدود الجزائري داخل الحدود الليبية
انطلقت مع بداية هذا الأسبوع في الجزائر العاصمة، الجولة الأولى من الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة، بمشاركة شخصيات سياسية وقادة أحزاب ليبية من الصف الأول لمناقشة مسار المصالحة الوطنية في ليبيا، بهدف إنهاء الأزمة الدامية في البلاد، وسط شكوك بعدم نجاحها خاصة مع الفشل الذي رافق المحاولات السابقة.
هوامش ما قبل الحوار
اعتبر المحللون أن الجولة الأولى التي تقودها الجزائر برعاية الأمم المتحدة تمثل امتحانًا صعبًا للدبلوماسية الجزائرية التي تأخر تحركها لأجل هذا الملف، وقد أكد المبعوث الأممي، برناردينو ليون، أن اجتماع الجزائر بين قادة الأحزاب والشخصيات السياسية الليبية يمثل مسارًا جديدًا ومهمًا في طريق حل الأزمة في ليبيا، وقال ليون في افتتاح جلسة الحوار “اليوم مسار جديد يفتح في جهود حل الأزمة الليبية وينطلق من الجزائر باتجاه حل الأزمة الليبية”.
في ذات السياق، وصف الوزير الجزائري المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والأفريقية، عبد القادر مساهل، اجتماع الجزائر بـ “محطة انطلاق واعدة” لتحقيق التوافق الوطني الذي يتطلع إليه الشعب الليبي، حيث قال في افتتاح أشغال اللقاء “إن اجتماع الجزائر يعد محطة انطلاق واعدة في جهود الأشقاء الليبيين الذين سيجدون في الجزائر وقيادتها السياسية الرشيدة كل الدعم والاستعداد لتحقيق التوافق الوطني الذي يتطلع إليه الشعب الليبي الشقيق لاسيما تشكيل حكومة وحدة وطنية”، معتبرًا أن ذلك يمثل حلاً يؤسس لمزيد من الاستقرار ويمكّن ليبيا من مكافحة أكثر فعالية ضد الإرهاب، كما قال الوزير الأول عبد المالك سلال “إن الخبرة الجزائرية لحل النزاعات صار معترفًا بها دوليًا، لأننا دعاة سلم ونفضل المضي قدمًا نحو الحل السلمي والشق السياسي لحل الأزمات “، وأوضح سلال أن الجزائر لا تتدخل في شؤون الدول وهي تطلب الدفاع عن وحدة الوطن، وقال “مرحبًا بتقسيم نظام الحكم ولكن نرفض أي تقسيم للأراضي”، واعتبر سلال أنه بعد الوصول إلى نتيجة مرضية في مالي، يبقى الإشكال في ليبيا الذي يعتبر أصعب، لكن النظرة الجزائرية ستنتصر في الأخير.
وشارك في اجتماع الجزائر رئيس حزب العدالة والبناء محمد صوان، رئيس حزب الوطن عبد الحكيم بلحاج، رئيس حزب التغيير جمعة القماطي، عبد الله الرفادي أمين عام حزب الجبهة الوطنية، علي التكبالي النائب البارز في برلمان طبرق، علي أبو زعكوك عضو برلمان طبرق، جمعة عتيقة نائب رئيس المؤتمر الليبي العام سابقًا، إلى جانب خالد المشري مقرر لجنة الأمن القومي بالمؤتمر الوطني العام، عبد الحفيظ غوقة أبرز داعمي عملية الكرامة، ربيع شرير، محمد عبد المطلب الهوني وهشام الوندين، فيما اعتذر رئيس تحالف القوى الوطنية، محمود جبريل، عن المشاركة في الحوار الليبي، وأرسل عضو التحالف جمعة الأسطى بالنيابة عنه.
وقد استبق حزب “العدالة والبناء” الإسلامي (جناح الإخوان) في ليبيا الحوار بإطلاق مبادرة لـ “إيجاد مخارج للأزمة الليبية ووقف القتال وإنهاء حالة الانقسام السياسي”، وقال الحزب في مبادرته إنها “جاءت بعد تواصله المباشر مع المؤتمر الوطني العام (المنتهية ولايته)، وأعضاء من مجلس النواب (المنتخب والمنعقد في طبرق)، ورئيس وأعضاء بعثة الأمم المتحدة، ورؤساء البعثات الدبلوماسية، فضلًا عن الدول التي تدعو للحوار”.
ونصت المبادرة التي نشرها الحزب على موقعه الخاص على “ضرورة تعديل ثامن للإعلان الدستوري للثورة لتكوين مجلس رئاسي تشريعي لقيادة مرحلة انتقالية ثالثة مدتها من 3 إلى 5 سنوات يكون بديلاً عن مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام لإنهاء حالة الانقسام السياسي في البلاد، حيث يسلم له المؤتمر ومجلس النواب، السلطة ويؤدي الجسم الجديد اليمين القانونية أمام رئيس المحكمة العليا”.
ودعت المبادرة إلى “اتفاق طرفي الحوار (المجلس والمؤتمر) على التوافق على رئيس حكومة جديدة تتولى السلطة التنفيذية بديلاً عن حكومتي (عبد الله الثني في طبرق والإنقاذ في طرابلس) بعد تحديد صلاحيات وعدد وزارات وأهداف الحكومة الجديدة.
ووفق المبادرة ذاتها، فإن الجسم الرئاسي والحكومي الجديد تنتهي مدة عمله بصدور الدستور الدائم للبلاد الذي سيتم بموجبه الشروع في انتخابات برلمانية جديدة والدخول في المرحلة الدائمة والمستقرة.
وتعد جولة الحوار الليبي بالجزائر، استكمالًا لجولات الحوار السياسي التي أعلنت عنها الأمم المتحدة، والتي أكدت انعقاد ثلاث جولات للحوار بعد جولة المغرب، الأولى بضيافة الجزائر تختص بقادة الأحزاب وناشطين وسياسيين، والثانية في ضيافة بروكسل يشارك فيها قادة التشكيلات المسلحة، والثالثة في مصر، التي يتوقع أن تحتضن ممثلي القبائل والنازحين والمهجرين.
اتفاق مشجع في انتظار التطبيق
انطلق الحوار المنتظر إذًا ليمتد على يومين، الثلاثاء والأربعاء، ليخلص إلى اتفاق هام حسب المتابعين لأطواره، من خلال إمضاء جميع الوفود المشاركة على ما سمي “إعلان الجزائر” وبالتالي الالتزام ببنوده الأحد عشر، فمن خلال هذا الإعلان أكد المشاركون على التعهد بحماية وحدة ليبيا الوطنية والترابية وسيادتها واستقلالها وسيطرتها التامة على حدودها الدولية ورفض أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي، كما أكد المشاركون أيضًا على ضرورة الالتزام بمبادئ ثورة 17 فبراير المتضمنة في الإعلان الدستوري والمبنية على أساس العدالة واحترام حقوق الإنسان وبناء دولة القانون والمؤسسات والتزام الأطراف باحترام العملية السياسية المبنية على مبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
وبحسب الإعلان، قدم المشاركون خلال الاجتماع اقتراحات وأفكار بنّاءة وإيجابية حول مسار الحوار ومخرجاته، وأعربوا عن قناعتهم الكاملة بإمكانية التوصل إلى حل سياسي من خلال دعم القيادات لهذه العملية، بالإضافة إلى دعمهم الكامل للحوار بمساراته المختلفة ورغبتهم الأكيدة في إنجاح أعماله في أقرب وقت ممكن وذلك للتوصل إلى اتفاق على حكومة توافقية من الكفاءات وترتيبات أمنية تضمن وقفًا دائمًا لإطلاق النار وانسحاب التشكيلات المسلحة من كافة المدن الليبية ووضع جدول زمني لجمع السلاح مع آليات مراقبة وتنفيذ واضحة، وصولاً إلى حل جميع التشكيلات المسلحة وذلك من خلال خطط واضحة تهدف إلى تسريح ودمج وإعادة تأهيل منتسبيها.
كما أكدوا على التزامهم التام بإعادة تنظيم وبناء قوات مسلحة وشرطة وأجهزة أمنية تقوم بحماية وسلامة أمن المواطنين وحماية التراب الوطني.
وعبّروا أيضًا عن قلقهم البالغ من تردي الأوضاع الأمنية في البلاد وتزايد الأعمال الإرهابية التي باتت تشكل خطرًا داهمًا على أمن واستقرار ليبيا ووحدتها الوطنية وتماسكها الاجتماعي وعلى دول الجوار، وأكدوا على ضرورة تضافر الجهود لمكافحة الإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره وبغض النظر عن دوافعه والمتمثل في أنصار الشريعة وداعش والقاعدة ووضع حد له قبل أن يتمدد ويتوطن بشكل يصعب القضاء عليه، فالحل السياسي الذي يضع حدًا للانقسام والفوضى يساهم بشكل كبير في جهود مكافحة الإرهاب ومنع انتشاره.
وأكدوا إدانتهم لكافة الاعتداءات الموجهة ضد المدنيين وكذلك المنشآت المدنية وأية أعمال أخرى تخالف القانون الدولي.
وفي ختام المباحثات وعلى إثر هذا الاتفاق، عبّر مساهل عن تقديره للشجاعة وروح المسؤولية والوعي الذي تحلي به المشاركون في اجتماع الجزائر وإدراكهم أنه لا حل للأزمة الليبية خارج الحل السياسي والحوار الوطني، مؤكدًا أن الجميع متفق على هذه المبادئ الأساسية لمسار الحوار الليبي.
بهذا تكون الجزائر قد حققت تقدمًا ملحوظًا في سياق الحل السياسي للمعضلة الليبية، إلا أن الحبر فعّال على الورق في انتظار تطبيق مضمونه على أرض الواقع، فقد سبق للمتخاصمين الليبيين أن اتفقوا على وقف إطلاق نار لم يدم طويلًا.
وبحسب محللين، لن ينتهي دور الدبلوماسية الجزائرية بإمضاء هذا الإعلان بل سيتعين عليها فرض تطبيقه، مستفيدة من علاقتها الطيبة مع كل الأطراف المتداخلة في الموضوع وخاصة دعم الأمم المتحدة لطرحها وخطوات تنفيذه وهو ما نلمسه مثلًا في حضور ليون لمباحثات الجزائر على عكس الجولة السابقة التي انعقدت في المغرب وهو ما اعتبرته صحف جزائرية “اعتراف أممي باجتماع الجزائر وتجاهل للمغرب”.
اتفاق سيحرج حفتر الذي سيتعين عليه إما الالتزام ببنود الاتفاق وبالتالي سقوط مبررات وجوده والمسار الذي يتبناه الحلف الإقليمي الذي يدعمه (الإماراتي – المصري)، وإما تجاهله أو السعي للبحث عن مبررات نقضه هو ما قد يفتح عليه مواجهة مع دولة مثل الجزائر وما لها من وزن إقليمي ودولي.