بدت وجهات النظر بشأن المؤتمر الاقتصادي الذي تستعد له الدولة المصرية بكافة قياداتها وأركانها وعلى رأسهم الجنرال عبدالفتاح السيسي الرئيس الحالي الذي يأمل أن ينقذه هذا المؤتمر من مأزقه الاقتصادي الحالي، مسيسة ومسبقة بسبب الانقسام حول طبيعة شرعية الحكومة الحالية في مصر التي أتت بعد انقلاب عسكري قاده الجنرال السيسي الذي يمسك بزمام الأمور الآن، لكن الحقيقة إذا أردنا أن نحكم حكمًا موضوعيًا على أمر المؤتمر علينا أن ننظر في إطار أهدافه التي وضعتها حكومة الجنرال وفي إطار ما يأمل الجنرال تحقيقه، كذلك لا ينفك الأمر عن النظر إليه في إطار ما سيتغير على الأرض لدى المواطن المصري فالأمر غير مقتصر على مصطلحات التنمية التي لا يشعر بها المواطن.
المؤتمر سيعقد أولى جلساته غدًا وسط تشديدات أمنية في مدينة شرم الشيخ والتي ربما فضلها الجنرال لأنها محكمة السيطرة الأمنية، ويسهل فيها الابتعاد بـ 1700 مستثمر ورئيس 25 دولة بقيادة الخليج والغالبية العظمى من رؤوساء وملوك أفريقيا عن صخب القاهرة وحقيقة وضع الاقتصاد المصري على الأرض.
السيسي وضع بقائه على رأس الدولة في كفة ونجاح هذا المؤتمر في أخرى، لذا بدأت صحافته وإعلامه بالتهليل لنجاح المؤتمر قبيل أن تعقد أولى الجلسات من الأساس، في استعداد واضح لما سيكون بعد المؤتمر حتى وإن لم يحقق المؤتمر شيئًا واضحًا لكنه ناجح لا محالة عند إعلام الجنرال.
ومما دعى البعض للتعجب أيضًا هو ذلك الحماس الحكومي المصري للإنفاق على التحضير للمؤتمر بمبالغ طائلة بينما تعاني الحكومة في الأساس من عجز يومي على صعيد كافة قطاعات الدولة، حيث اقترضت الحكومة قبيل بدء المؤتمر 12 مليار جنيه مصري على مدار يومين وهو ما يوضح عجز الحكومة عن توفير سيولة.
يؤكد عمرو عادلي الباحث الاقتصادي في مقال له نشر بمركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط أن الحكومة المصرية تهدف من هذا المؤتمر إلى تصدير صورة الاستقرار السياسي بعد أربع سنوات من الاضطراب لجذب أكبر قدر من الاسثمارات الأجنبية التي يتوقع منظمو المؤتمر أنها ستساعد على تعافي الاقتصاد المصري.
الدولة المصرية لا تأل جهدًا في هذا؛ فقوانين الاستثمار تم تعديلها وفق رغبة البنك الدولي وذلك بهدف اجتذاب أكبر عدد من رؤوس الأموال الأجنبية التي ستساعد مصر في إيجاد حل لأزمة الدولار، وبالفعل أعلنت شركات اقتصادية عالمية كبرى في مختلف المجالات مشاركتها في هذا الصيد الثمين وبهذا سينجح المؤتمر.
لم لا تشارك هذه الشركات العالمية بعد نية الجنرال طرح 10 شركات حكومية بترولية للبيع عبر البورصة؟ ولم لا ورئيس الوزراء المصري يعلن أن التسهيلات للمستثمرين بلغت حد بيع أراضٍ بالمجان، وقد قضت الحكومة المصرية على مخاوف المستثمرين الأجانب من إمكانية الطعن القضائي على هذه المغريات بعدما يدخلون بأموالهم إلى مصر وذلك بإصدار قانون يحظر الطعن على العقود الحكومية، كما تم تعديل قانون المناقصات والمزايدات على نحو يزيد من صلاحية السلطة التنفيذية في إرساء العطاءات بالأمر المباشر وهو ما يتمتع به في هذه اللحظة الشريك الخليجي واستثماراته بمصر.
المؤسسات الاستثمارية الغربية لا تمانع من الدخول في شراكة استثمارية مع ممثلي الحكم في مصر “الجيش” ولا تعني لها أية اعتبارات سياسية من تلك التي تحكم حكومات الغرب تجاه شرعية الحكومة الحالية، إذ إن هذه الفرصة لن تعوض بأي حال من الأحوال للدخول في بنية اقتصادية كهذه تعاني ولكن مازال بها الكثير من الأرباح لتتمتع به هذه المؤسسات ولا مانع من ضخ العملة الأجنبية في السوق المصري لإنعاش المستوردين فقط.
الحكومة تأمل في استجلاب رؤوس أموال عربية وغربية تتخطى قيمتها 10 مليارات دولار مبدئيًا خلال الفترة المقبلة عقب المؤتمر، هذا الرقم قد يراه البعض صعب المنال في ظل ركود عالمي بالأساس، لكن يرى بعض المحللين أن أمر الحصول على استثمارات أجنبية بهذه القيمة لن يكون صعبًا إذا التزمت مصر بالسياسات التي يمليها صندوق النقد الدولي الذي ظهر في الصورة مجددًا، والذي يبدو وأن مصر سائرة في دربه من خلال تطبيق سياسات رفع الدعم وخصصة القطاع الحكومي، هذه الخصصة التي ستتسع بعد هذا المؤتمر بالتأكيد.
فالجنرال السيسي على سبيل المثال يواجه أزمة في الكهرباء ولا يجد تمويلاً كافيًا لحلها، فقد أشارت التسريبات الأخيرة التي بثت على قنوات معارضة إلى إمكانية طرح مناقصات لبناء محطات كهرباء يمتلكها مستثمرون أجانب بحق الانتفاع لمدد معينة ومن ثم تستردها الدولة، وهذا النظام يعني الاتجاه إلى خصصة شركات الكهرباء ورفع الدعم عن أسعارها المقدمة للمواطن.
الحقيقة أن هذا الأمر سينجح ولن يضيع أحد من المستثمرين هذه الفرصة وستتلقى حكومة الجنرال دعمًا اقتصاديًا عقب المؤتمر يجعلها تتخطى عثرة هذه الأيام وسط هذا الاضطراب السياسي، كما تأمل الحكومة أن تزيد من معدلات التنمية فيما بعد كنوع ممن الإنجاز الاقتصادي لكنه من نوع إنجازات جمال مبارك من حيث ارتفاع معدلات التنمية وواقع المواطن لا يتغير أبدًا.
النظام يريد أن يربح نقطة لصالح بقائه والمستثمرون لن يضيعوا الفرصة في هذا الغزو الاقتصادي المحفوف بكل تلك المميزات والتسهيلات، ففي ظل انخفاض الدعم الخليجي في الآونة الأخيرة بسبب بعض الخلافات في ترتيب أولويات المرحلة الإقليمية، كما يضاف إلى ذلك عامل انخفاض أسعار البترول لدى دول الخليج والذي سيؤثر حتمًا في اقتصادها والمنح التي تخرج منها باتجاه القاهرة، وهذا ما أدركه الجنرال جيدًا وآثر الاتجاه إلى هذا المؤتمر بمزيد من التنازلات التي ستدمر القطاع الحكومي المصري لصالح قطاع خاص أجنبي.
أما الحديث عن فشل المؤتمر فهو بالطبع سيفشل في إيجاد حل جذري لمشاكل المواطن واقتصاده الغير مرتبط بتسهيلات بيع الأراضي والشركات العامة بقدر ما يرتبط بالتغيير الذي سيحدثه ذلك الأمر في مجريات حياته الاقتصادية اليومية، فالأمر يسير باتجاه النمو ولكن نمو شركات القطاع الخاص والمستثمرين وليس نمو لصالح المواطن، فالدولة أصبح لديها اقتصادان في هذه المرحلة وهما اقتصاد الطبقة الحاكمة الذي سيزدهر بالطبع وسينجح في الخروج باستثمارات وشراكات أجنبية ضخمة، أما اقتصاد المواطن المصري فلن يزداد إلا تدهورًا بعد بيع ما تبقى له من أصول علانية وحرمانه من الاعتراض على ذلك بحكم القانون الذي منع الطعن على العقود التي ستبرم مع الدولة بعد هذا المؤتمر ولو كانت مخالفة للقانون بالأساس.
فكل ما سيجنيه المواطن هو رفع الدعم بشكل تدريجي وزيادة الضرائب عليه وبالتالي ارتفاع الأسعار بشكل مفاجئ، وعلى النقيض سيربح النظام بضعة مليارات من الدولارات تساعد على بقاء الدولة شبه حية لفترة من الزمن، ومن ثم تكون الحاجة لمؤتمر مارس آخر سينجح أيضًا فيما نجح فيه سابقه وسيفشل فيما فشل فيه سابقه ما دامت السياسة الاقتصادية للدولة مرهونة ببقاء نظام.