بعدما استولي الجيش في مصر على السلطة عنوة في يوليو/ تموز 2013، أطلقت جماعة الإخوان المسلمين على لسان المرشد العام مقولة حددت مسار الجماعة الثوري وموقفها مما حدث مع الرئيس المنتخب محمد مرسى في يونيو/ حزيران 2012 حين قال: “سلميتنا أقوى من الرصاص”، لم نكن نعلم وقتها هل أطلقها بناء على رؤية؟ ام أنها جملة تعبر فقط عن حال ومبدأ لدي الجماعة منذ نشأتها، يأتي بعدها ما يأتي من ترتيبات بدون تخطيط مسبق أو استعداد؟ في كل الأحوال لا تبنى السياسة ومواقفها على نوايا أو تواكل، فما اتضح لنا فيما بعد أنه كان شعار أطلقه المرشد العام للجماعة معبرا عن حال الإخوان. جماعة بدون رؤية واضحة لمواجهة ما سُمي انقلاباً على الشرعية.
وقبل أن نكمل وجب الاشارة الى أن هناك مدرستين في مواجهة الحكومات الاستبدادية: أولهما ما يطلق عليه ثورة اللاعنف أو (الساتياغراها) والتي تعني “الإصرار على الحق” وهو وسيلة لتحقيق الإصلاح الاجتماعي والسياسي وأول من دعا إليها كان المهاتما غاندي، وتتحقق من خلال محاور رئيسية منها المظاهرات ثم الإضرابات ثم العصيان المدني والعسكري وعدم الطاعة، والأخرى ثورة العنف والسلاح وهي وسيلة أيضاً لمواجهة الإستبداد والعنف المضاد من وجهة نظر متبنيه.
فعند اتخاذ قائد لمسيرة النضال اللاعنفي نجد الهندي المهاتما غاندي الذي اقتبس منه قوله: “إن اللاعنف هو أعظم قوة متوفرة للبشرية، إنها أقوي من أقوي سلاح دمار صنعته براعة الإنسان” فهذه هي القاعدة الأم لهذه المدرسة، ناهيك عن استعدادهم لبذل أرواحهم الواحد تلو الآخر دون كراهية تؤدي للغضب الطبيعي في مقابل احداث تغيير للاستبداد بدون عنف من الشعوب، وأيضاً تحدث عنها عبدالغفار خان الذي يعد أحد جنود اللاعنف كما يطلق عليه، وقد عاصر غاندي، حين قال: “سأقدم لكم سلاحاً فريداً لا تقدر الشرطة ولا الجيش علي الوقوف ضده، إنه سلاح النبي لكن لا علم لكم به، هذا السلاح هو الصبر والاستقامة، ولا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع الوقوف ضده”.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن منطق اللاعنف يعتمد إن صح التعبير على المبادئ الدينية لمعظم الأديان السماوية في مقاومة الإستبداد، بالإضافة إلى الإستخدام المشروع لوسائل اللاعنف “الممنهج” والتي أشرنا إليها سابقاً.
وفي المقابل نجد بارزاً في مدرسة التغيير بالعنف مالكوم إكس السياسي الأمريكي المسلم والذي اقتبس قوله: “إن من الإجرام أن تعلم الرجل ألا يدافع عن نفسه، وهو يتعرض لهجوم متوحش ومستمر”.
وبين هذين النوعين نجد أن تغيير الإستبداد مقرون بقوة الوسائل المؤهلة للتغيير، فليس كل العنف نافع ذلك لما هو معروف عن نتائجه المدمرة لكل الأطراف كما حدث في الجزائر مع الحركة الإسلامية كمثال، كذلك ليس كل اللاعنف نافع كما حدث مع مارتن لوثر كينغ الناشط الأمريكي من أصول أفريقية والذي عاصر مالكوم إكس وكان لهم هدف مشترك هو نبذ العنصرية حيث باءت كل محاولاته الداعية للاعنف بالفشل حتى تحدث عنه إكس في حوار معه قال فيه: “إن منهج الدكتور كينغ منهج غير واقعي، إنه منهج مشكوك فيه، وأنا متأكد أنه لن يصل إلى الهدف الصحيح بهذا المنهج”، لكن البعض اعتبر أن رسالة لوثر كينغ قد تحققت بعد أكثر من سبعين عاماً من وفاته، وأن التفرقة العنصرية قد انتهت عندما فاز باراك أوباما ذو الأصول الأفريقية بالإنتخابات الرئاسية الأمريكية في يناير / كانون الثاني 2009.
وبالعودة للبداية والمقارنة بما سبق نجد أن الإخوان استحدثوا مدرسة ثالثة لا هي تتبع مدرسة اللاعنف “الممنهج” والذي يؤدي دوره في سقوط الأنظمة الاستبدادية، ولا هي تتبع مدرسة العنف الوليد الأزمة الذي يحقق أهدافه رغم خسائره الفادحة، فكانت مدرسة السلمية الخاوية من رؤية واضحة ووسائل تدعم نضالهم! وبما أن سنن الله في الكون لا تحابي أحداً فإن من اتخذ اي الجانبين من المقاومة والثورة مع الأخذ بالأسباب فإنه ينتصر لا محالة.
لكن الذي يبدو أقرب للحدوث هو أن أفراد الإخوان قد ينجرفون رغما عنهم بشكل أو بآخر إلى العنف، أو سيظلوا ينادون بسلمية غير ممنهجة وبلا أي خطط لا تفعل سوى استنزاف طاقتهم وعتادهم فقط!