جاء قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال في الضفة الغربية، وما تلاه من تأويلات باعتباره إنذاراً وليس قراراً إلزامياً للسلطة واجب التنفيذ، ليكشفا مرة أخرى، بعد مرات ومرات، عن السياسة الفاشلة والمتردّدة التي يتبناها الرئيس محمود عباس وسلطة رام الله.
بالرغم من الترحيب الضروري لصدور قرار بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال واعتباره خطوة تصحيحية في اتجاه سياسة أثبتت فشلها إلاّ أن من كان وراء القرار أي محمود عباس نفسه (لأن المجلس المركزي يتبعه، ولا قرار مستقلاً له) أراده قراراً لذر الرماد في العيون، ولإنقاذ ماء الوجه، ولو ليوم واحد، ولم يُرِده قراراً جدياً يوضع موضع التنفيذ فوراً. ولنقل حتى الآن في الأقل.
التنسيق الأمني بين رام الله وقوات الاحتلال، يشكل فضيحة وعاراً لا مثيل لهما بتاريخ الحركات الوطنية المقاومة للاحتلال. فمن جهة ما زالت سلطة رام الله تعتبر نفسها جزءاً من الحركة الوطنية الفلسطينية ولهذا تُصر على إلحاق صفة الوطنية بها “السلطة الوطنية”. ولكنها في الوقت نفسه تُسّخر أجهزتها الأمنية لمطاردة خلايا المقاومة وقمع التحركات الشعبية المتجهة نحو الانتفاضة الشاملة ضد الاحتلال. ثم تصر في الآن نفسه، مع قمعها للانتفاضة، وعدم السماح بها، على أنها مع “المقاومة الشعبية” التي تنسجم مع التنسيق الأمني الذي يحمي الاحتلال، ولعب دوراً حاسماً في بقائه واستمراره، وجعله احتلالاً بدرجة سبع نجوم.
لم يسبق لاحتلال أن وجد حركة وطنية (فصائل م.ت.ف) توافق أو تسكت على الاتفاق الأمني وتقبل بتشكيل أجهزة أمنية من خلال جنرال يُعتَبر حليفاً لعدوها، كدايتون. فيقوم بمهمة توفير الحماية الكاملة للاحتلال وبكفاءة تفوق قدرات جيشه ومخابراته. وذلك عبر استغلال التداخل في العائلة أو القرية الفلسطينية أو الحي الفلسطيني بين خلايا المقاومة وأفراد الحراكات الشبابية من جهة وبين أفراد محسوبين على الأجهزة الأمنية، أو بعض الفصائل المنتسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية، من جهة أخرى الأمر الذي أسهم في إحباط الكثير من عمليات المقاومة وحال دون تشكيل وحدة شعبية واسعة لإطلاق انتفاضة تطيح الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس.
وقد جرى كل هذا العجب العُجاب والذي هو بمثابة العار والشنار تحت حجة توفير شروط نجاح المفاوضات ومسار التسوية السياسية وذلك تحت وهم كسب ثقة العدو وجعله يطمئن لأهلية مُفاوِضه الفلسطيني في تأمين الأمن له، إذا ما تكرّم ومنحه “دولة فلسطينية” في الضفة الغربية والقطاع.
على أن كل ذلك دخل في الفشل تلو الفشل على مستوى المفاوضات أو وقف الاستيطان، فيما أدى، عملياً إلى حماية الاحتلال وتغطية استشراء الاستيطان وتهويد القدس والاعتداءات على المسجد الأقصى.
ويجب أن يتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه السياسات ليس محمود عباس فحسب وإنما كل من أيّده وغطى سياساته من خلال اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو شاركه في السلطة، وفيما أدّت إليه تلك السياسات من انقسام فلسطيني، والأهم ما تعرضت له الضفة الغربية والقدس من تآكل استيطاني – تهويدي. ناهيك عن تضحيات الأسرى وأهالي الشهداء، وإجبار الضفة الغربية على الوقوف شبه متفرجة أمام حروب العدوان على قطاع غزة في 2008/2009 و2012 و2014. علماً أنه كان بالإمكان لا سيما في حرب تموز/آب (يوليو/أغسطس) 2014، أن تنطلق انتفاضة شاملة في الضفة الغربية والقدس ليس للمشاركة في إنزال الهزيمة التي مُنِيَ بها العدو فحسب، وإنما أيضاً، لفرض انسحاب الاحتلال من الضفة الغربية، وتحرير القدس والأسرى. لأن العدو كان في مأزق عسكري خانق تحت إنجازات المقاومة، وكان تدخّل الضفة الغربية والقدس من شأنه أن يُضيف عليه مأزقاً سياسياً عربياً وإسلامياً وعالمياً لا قِبَل لنتنياهو على احتماله، ولا لمن وقفوا معه على مواجهة قضية القدس وتحرير الضفة في ظل انتفاضة شاملة.
من هنا يجيء قرار المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني بعض كفارة لما ارتُكِب من خطايا سياسية بتغطية سياسات المفاوضات والتسوية والتنسيق الأمني. طبعاً هذا إذا ذهب القرار إلى التنفيذ ولم يتحوّل مرة أخرى لتغطية سياسات الفشل والتردّد، بل السياسات الكارثية وهذا أقل ما يجب أن يُقال فيها.