تم اعتقال المحامي السعودي نايف آل منسي منذ ٦ شهور بسبب نشره مقاطع على اليوتيوب يتحدث فيها عن الفكر الوهابي وعن ضرورة مراجعته لوجود العديد من الاخطاء فيه، وقد اختفى آل منسي في شهر سبتمبر من العام الماضي، ولمدة ٣ شهور لم يعلم أحد أين هو أو ماذا حل به، ولم يتأكد خبر اعتقاله إلا في شهر يناير من هذه السنة، ولا يزال قيد الاعتقال دون محاكمة ودون أنباء مؤكدة عن حالته ولا عن فترة اعتقاله.
قبل الاعتقال بشهر بدأ نايف آل منسي بتسجيل سلسلة مكونة من ٥ حلقات بعنوان “مراجعات الفكر الوهابي” انتقد فيها محمد بن عبدالوهاب وكتابه وفكره، ووصف الفكر الوهابي -كما يصفه الكثير من الناس- بالتكفيري، وتحدث عن الأخطاء الموجودة في كتاب محمد بن عبدالوهاب والتي ما زالت تُدرس حتى اليوم في المدارس السعودية، وتحدث أيضاً عن طريقة نشر الدعوة التي كانت بالسيف، واعتمد في بحثه على كتاب “تاريخ نجد” لابن غنام الذي كان صديق محمد بن عبدالوهاب وكتب هذا الكتاب بعلمه وموافقته، لذلك يُعد الكتاب مرجعاً موثقاً ومفصلاً، من شخص كان موالياً للدعوة، عن نشأة الدعوة الوهابية وعن ما فعله حاملي هذه الدعوة في الجزيرة العربية، كما اعتمد على كتاب سليمان بن عبدالوهاب “نواقض الإسلام” وعلى رسائل محمد بن عبدالوهاب، وحظيت الحلقات بمشاهدات تفوق ١٠,٠٠٠ مشاهدة.
وقد كان نايف في حلقاته حريصاً على عدم التجريح أو الاتهام، وعلى طرح الموضوع بموضوعية وانتقاد الأفكار دون الأشخاص، وقال في أول حلقاته: “ليس الهدف من هذه التسمية (أي استخدام كلمة الوهابية) التصنيف أو إشعال الطائفية فيما بيننا” وقال أيضاً عن انتقاداته: “يعلم الله أنها بحسن نية وليس القصد منها شيء آخر” وقال: “لنسمح بأنفسنا أن نتقاطع فكرياً مع من يخالفنا”.
وكان من انتقاداته للفكر الوهابي أن قال: “اليوم نحن على مشارف كارثة كبيرة في المنطقة بسبب هذه الأفكار”، وهو يقصد مشكلة التطرف والجماعات التكفيرية المنتشرة أمثال داعش، وتحدث بتفصيل عن “مشكلة الاقتداء” قائلاً: “نحن نقول للشباب هذا الإمام المجدد، هذا الإمام الذي ليس عليه أي نقد وأي ملاحظة، فيأتي هذا الشاب ويعود إلى هذا التراث (يقصد الكتب التي ناقشها) فيجد هذا الكلام، ويرون أن هذا الشيخ مزكى بالكامل، ويقرؤون قتل المسلمين، ويقرؤون تكفير المسلمين، ثم نأتي بعد ذلك نقول لهم أنتم تكفيريين وأنتم ضلال (بعد أن يعتنقوا الفكر التكفيري)”، “إن لم تقضي أنت في الأساس على المنبع الذي أخذ منه هؤلاء فلا تتعب نفسك”.
ونايف آل منسي محامي معروف في الأوساط الحقوقية والفكرية في السعودية، لديه مكتبه الخاص للمحاماة، وعُرف بحسن سيرته، وهو محكم معتمد من قبل وزارة العدل، وله عدة مؤلفات في الشريعة والقانون.
وحسب موقع ديوان المظالم الأهلي في السعودية، الذي يوثق حالات الاعتقال القسرية، فإنه يُعتقد أن يكون نايف معتقلاً في سجن ذهبان السياسي في منطقة مكة المكرمة، ولم يلقى الخبر صدى إعلامياً، ويُخبر موقع ديوان المظالم أن السلطات السعودية وراء هذا التعتيم الإعلامي لقضية نايف آل منسي، حيث حاول الموقع التواصل مع أصدقاء نايف وزملاءه في المكتب ولم يستطيعوا أن يحصلوا على معلومات منهم نظراً كما قالوا: ”للتهديدات الشديدة التي قامت بها السلطات السعودية بحقه وبحق العديد من الباحثين المماثلين لتوجهات المحامي آل منسي”.
وقامت زوجة المحامي بإنشاء حساب على تويتر تطالب فيه الإفراج عن زوجها، وقالت في أخر تغريدة لها: “لا زال زوجي معتقل بالرغم من مضي أكثر من ١٨٠ يوماً، دون تهمة موجهة إليه إلى هذه اللحظة..!”
وقامت بنشر الحلقات التي تسببت باعتقال زوجها.
https://youtu.be/l4YRiMhWilQ
وأطلق بعض المغردين هاشتاج #المحامي_نايف_آل_منسي على تويتر تضامناً مع قضية المحامي، قال فيه أحد المغردين: “عرفت الأخ نايف لما كان أحد طلاب الشيخ ابن عثيمين معتدل فكرياً سلمي في الحوار والتعايش خدم الوطن ولم ينتم لأي تيار أو حزب #المحامي ـ نايف ـ آل ـ منسي”.
وقال مغرد آخر: “اعتقال آل منسي سيدفع أفكاره إلى الأمام، فالجسد يسجن أما الأفكار الحرة فملك للعقول الحرة، ولا يمكن الإمساك بها ووضعها في القفص”.
وانتقد المغردون في الهاشتاج اعتقال نايف آل منسي معبرين عن آرائهم حيال الموضوع، قال أحدهم: “فلسفة الحوار عند المشيخة الوهابية أن تؤمن بمعتقدها وإلا حل عرضك ودمك ومالك…لا يرقبون في مخالفهم إلاً ولا ذمة”.
السلفية الوهابية هي المنهج الديني الذي تتبعه السعودية وتطبقه في جميع مؤسساتها، والمعروف عن أتباع هذا المنهج التشدد وعدم تقبل الرأي الآخر، وبما أن السلفية الوهابية والدولة السعودية كانا عوناً لأحدهما الأخر، ولم تقوى سلطة أي منهما إلا بالاعتماد على الأخر، فإن أي انتقاد موجه للدولة أو للمنهج يُعد خطراً على النظام ككل، وقد اعتقل عدد من الأشخاص الأخرين لنفس السبب، أي انتقاد الوهابية.