ترجمة وتحرير نون بوست
ليلا تريتيكوف، المديرة التنفيذية لمؤسسة ويكيميديا شاركت في كتابة هذا المقال
نعمل الآن على التحضير لرفع دعوى قضائية ضد وكالة الأمن القومي الأمريكية لحماية حقوق 500 مليون شخص يستخدمون ويكيبيديا في كل شهر، ونحن نفعل ذلك لأن التبادل الحر للمعرفة والأفكار والتي تعتبر الركيزة الأساسية للديمقراطية في جميع أنحاء العالم، أصبحت الآن على المحك.
ترتكز الدعوى على أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تقوم بمراقبة حركة المرور الشاملة على الإنترنت والتي تجري على التراب الأمريكي – وغالباً ما يسمى هذا النوع من المراقبة بـ ” المراقبة من المنبع”- وهي بذلك تنتهك التعديل الرابع للدستور الأمريكي والذي يحمي الحق في الخصوصية، وكذلك التعديل الأول للدستور والذي يحمي حرية التعبير وحرية التعاون، كما أن نشاط الوكالة يتجاوز السلطة الممنوحة لها بموجب قانون مراقبة الاستخبارات الخارجية الذي أقره الكونغرس في عام 2008.
معظم الأشخاص الذين يبحثون ويقرؤون على ويكيبيديا يفضلون القيام بذلك بدون الافصاح عن هويتهم، لأن مشاهدة عشرات ملايين المقالات المكتوبة بمئات اللغات في ويكيبيديا لا يحتاج لتسجيل حساب، وكل شهر يوجد على الأقل 75.000 متطوع من الولايات المتحدة ومن باقي أنحاء العالم، يساهمون بوقتهم وعاطفتهم وعلمهم لكتابة هذه المقالات وإثراء الموقع وإغنائه وتوسيعه بمساهماتهم المتجددة والمختلفة.
على خوادمنا “سيرفراتنا” التابعة لمؤسسة ويكيميديا الغير ربحية، يعمل هؤلاء المتطوعون على مناقشة شتى ومختلف المواضيع ابتداءاً بميدان تيانانمين وليس انتهاءاً بحقوق المثليين في أوغندا، والكثير من المتطوعين يفضلون العمل بشكل مجهول، خاصة أولئك الذين يعملون على قضايا مثيرة للجدل أو الذين يعيشون في دول الحكومات قمعية.
إن هؤلاء المتطوعين ينبغي أن يكونوا قادرين على القيام بعملهم دون الحاجة للقلق حول قيام حكومة الولايات المتحدة بمراقبة ما يكتبون وما يقرؤون، ولكن للأسف، هويتهم ستكون عرضة للكشف بناء على سياسية المراقبة من المنبع؛ فوكالة الأمن القومي تعترض وتفتش عملياً بحركة المرور الدولية التي تمر عبر شبكة الإنترنت داخل الولايات المتحدة، وهذه الشبكة من كابلات الألياف الضوئية والتقاطعات هي التي تربط ويكيبيديا مع المجتمع العالمي من القرّاء والمحررين.
نتيجة لذلك، كلما عمد شخص -حتى وإن كان خارج الولايات المتحدة- إلى مشاهدة أو تعديل أي صفحة على ويكيبيديا، فمن المحتمل أن تعمل وكالة الأمن القومي على تتبع نشاطه، بما في ذلك المحتوى الذي كان يشاهده أو يكتبه، وكذلك المعلومات الأخرى حول هذا الشخص التي يمكن أن تكشف عن موقعه الفعلي وشخصيته، ومن خلال هذه الأنشطة يمكن الكشف عن معلومات خاصة وحساسة مثل المعتقدات السياسية والدينية وحتى التوجهات الجنسية وظروف الشخص الطبية.
فكرة أن وكالة الأمن القومي تراقب مستخدمي ويكيبيديا ليست-للأسف- شطحة من شطحات الخيال، حيث كشفت الوثائق التي سربها إدوارد سنودن أن وكالة الأمن القومي كانت تضع ويكيبيديا تحديداً كهدف للمراقبة، جنباً إلى جنب مع العديد من المواقع الرئيسية الأخرى مثل موقع سي إن إن “CNN.com” و جي ميل “Gmail” و فيسبوك “Facebook”، وتشير شريحة العرض التقديمي السري لبرنامج الباوربوينت “PowerPoint” التي سربها سنودن، أن رصد هذه المواقع يمكن أن يسمح لمحللي وكالة الأمن القومي معرفة “كل شيء تقريباً يقوم به المستخدم العادي على شبكة الإنترنت”.
الضرر الذي يُحدثه اتساع وانتشار أنظمة المراقبة على ويكيميديا ومئات الملايين من الأشخاص الذين يزورون الموقع هو ضرر واضح، وله تأثير سلبي، كون هذه الرقابة تخنق حرية التعبير وتقيد التبادل الحر للمعرفة التي تعتبر اللبنة الأساسية التي يعتمدها موقع ويكيميديا.
خلال عام 2011 الذي شهد انتفاضات الربيع العربي، تعاون مستخدمو ويكيبيديا لإنشاء المواد التي ساعدت على تثقيف العالم ووضعه بصورة الأحداث التي تجري في العالم العربي، وبذات الوقت استمر التعاون بين أجهزة المخابرات الأميركية والمصرية، حيث صرح مدير وكالة المخابرات في مصر في عهد عبد الفتاح السيسي بفخر في عام 2013 أنه على اتصال دائم مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “CIA”.
وفي حال تصورنا وجود مستخدم لويكيبيديا في مصر يريد تحرير صفحة حول معارضة الحكومة أو مناقشتها مع زملائه المحررين، فإنه–على الأغلب- سيحجم عن المشاركة بعد معرفة أن وكالة الأمن القومي الأمريكية سوف تتبع مساهماته بشكل روتيني في ويكيبيديا، وستكون قادرة على كشف شخصيته وموقعه، وربما ستعمد إلى تبادل هذه المعلومات مع الحكومة المصرية التي تتعامل معها، مما قد يعرضه لردود فعل انتقامية، ولكم أن تتصورا خسارة ويكيبيديا ومستخدميها وخسارة الانترنت بشكل عام، في حال عممنا هذه الممارسة على آلاف المساهمين من البلدان الأخرى، خاصة وأن هذه الممارسات لا تضر فقط بالمحررين، بل بمئات الملايين من القراء في الولايات المتحدة وباقي أنحاء العالم على حد سواء.
في الدعوى التي سنعمد إلى رفعها، ستتم مساعدتنا من قِبل الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، حيث سننضم إلى قائمة طويلة وواسعة من المدعين تشمل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني والمنظمات القانونية والمنظمات الإعلامية، هذه المنظمات التي تتضررت من مراقبة الانترنت، كونها جميعاً تستخدم ضمن نطاق عملها اتصالات إنترنت حساسة مع أشخاص من خارج الولايات المتحدة.
لهذا السبب سنطلب من المحكمة أن تأمر بوضع حد لحملة مراقبة حركة المرور على الإنترنت التي تضطلع بها وكالة الأمن القومي الأمريكية.
أخيراً، فإن الخصوصية هي حق أساسي، كونها تفسح المجال أمام حرية التعبير، وتحافظ على حرية البحث والتعاون، إنها تمكننا من القراءة والكتابة والتواصل بثقة ودون خوف من الاضطهاد، فحيث تُحمى الخصوصية تزدهر المعرفة.
المصدر: نيويورك تايمز