في التاسع من مارس الجاري، بعث 47 نائبا جمهوريا في مجلس الشيوخ الأمريكي من 54 نائبا هم الأغلبية الجمهورية (من إجمالي مائة عضو) برسالة إلى إيران، يحذرونها من عدم صلاحية أي اتفاقية بشأن برنامجها النووي مع الولايات المتحدة بعد مغادرة الرئيس الأميركي باراك أوباما للبيت الأبيض.
الرسالة أثارت جدلا واسعا، إذ وصف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الرسالة التي وجهها نواب الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي بأنها “لا تحمل أي قيمة قانونية، وهي مجرد خدعة دعائية”.
لكن الجدل الأكبر كان داخل الولايات المتحدة وأروقة السياسة في الكابيتول هيل، وعلى صفحات الدوريات المختلفة.
فقد أثارت رسالة الجمهوريين انتقادات من البيت الأبيض الذي ندد بشدة في بيان له بالموقف “المنحاز” لأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين وقعوا على الخطاب”، مؤكدا أن الرسالة تشكل “استمرارا لجهد منحاز يهدف إلى إضعاف قدرة الرئيس أوباما على قيادة السياسة الخارجية للولايات المتحدة”.
نيويورك تايمز على سبيل المثال وصفت الرسالة بأنها “تصرف غير مسئول ومخزي ومحاولة خطيرة ومكشوفة لإضعاف الرئيس في قضية أمن قومي مهمة بالتواصل مباشرة مع حكومة أجنبية”.
أما واشنطن بوست فقد قالت أن الرسالة كانت غير مسؤولة على الإطلاق حتى بمقاييس الجمهوريين في الكونغرس، ليس فقط لأنها قوضت قدرة أوباما على التفاوض على اتفاق دبلوماسي، ولكن لتقويضها أيضا جانبا من جوانب الاتفاق الذي من المحتمل أن يكون له عظيم الفائدة لأميركا وإسرائيل.
في هذا المقال المنشور في صحيفة واشنطن بوست منظور آخر لرؤية “فضيحة الرسالة”.
ترجمة وتحرير نون بوست
إن الفضيحة الحقيقية حول رسالة توم كوتون إلى القادة الإيرانيين، لا تتمثل بالرسالة بحد ذاتها، بل بالطريقة التي يدير فيها أعضاء الحزب الجمهوري شؤونهم في مجلس الشيوخ.
تمت صياغة الرسالة من قِبل سيناتور لا تتجاوز خبرته السياسية الشهرين، كما تم التوقيع عليها من قِبل بعض الأعضاء الذين يحضرون إلى اجتماعات المجلس ليهرعوا بعد انتهائها إلى طائراتهم، بدون أن يدققوا بمضمون الرسالة، والكثير من الأعضاء الـ47 الذين وقعوا على الرسالة برروا عدم معاينتهم للمحتوى لكون مراجعة رئيس الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل كانت تعتبر كافية من وجهة نظرهم، حيث لم تجر أي مناقشات حول هذه الإستراتيجية ما بين الأعضاء الموقعين، كما لم يتم التشاور مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري بوب كوركر من ولاية تنيسي، والمسؤول عن موضوع المحادثات النووية داخل المجلس، والذي رفض التوقيع على الرسالة.
الرسالة كانت عبارة عن مناورة سياسة خارجية، تستهدف مفاوضات دقيقة وعالية الخطورة، ولهجة ومضمون وتوقيت الرسالة، تثير عدة تساؤلات حول قدرة الأغلبية الجمهورية على الحكم في الولايات المتحدة.
في الواقع يمكن القول إن الرئيس أوباما ساعد على استثارة هذه التحركات الدرامية، كون المعاهدات الكبرى التي تتضمن الحد من التسلح يجب التشاور فيها مع مجلس الشيوخ للحصول على موافقتهم، وأوباما قام بتجاوز هذه الخطوة، وعمد إلى توسيع نطاق الاتفاقات التنفيذية لتغطية الصفقة المحتملة مع إيران، وبذلك أعاد إحياء النقاشات طويلة الأمد التي تهدف للمحافظة على توازن القوى، حيث إن تصرف أوباما بطريقة تسلط الضوء على ميله للاستئثار بالسلطة، استثارت التحركات المقاومة والمضادة له، خاصة وأن هناك تبرير عملي لأخذ موافقة مجلس الشيوخ على اتفاقيات الحد من التسلح، تتمثل بأن هذه الموافقة تدعم الرئيس وتعطيه صلاحيات واسعة لمعاقبة الانتهاكات التي تجري على هذه الاتفاقيات.
الشكل الدقيق للصفقة المحتملة مع الإيران لايزال مجهولًا، وأنا – بالنسبة لي – أتوقع أن تكون صفقة سيئة، كونها ستتضمن مغامرة طويلة المدى سيكون فيها نظام الملالي الراعي للإرهاب، قوة إقليمية مسؤولة بحدها الأدنى.
ولكن رسالة كوتون الفجة كانت أداة فقيرة للتعبير عن هذا القلق، كونه إذا كان هدف أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين من خلف هذه الرسالة هو الإصرار على وجوب اعتبار الصفقة مع إيران معاهدة يجب أخذ موافقة الكونغرس عليها، فكان من المتوجب عليهم أن يتوجهوا بالرسالة في هذه الحالة إلى الشعب الأمريكي، وليس للإيرانيين، الكونغرس ببساطة لا دخل له بأعمال السياسة الخارجية التي تجري مع حكومة أجنبية، وخاصة الحكومات العدوة للدولة، والجمهوريون الذي يسعون للجلوس خلف مكتب الرئاسة الأمريكية يجب عليهم التخوف من هذه الحادثة التي لم يسبق وأن حدثت.
المفارقة تكمن أنه في هذه الحالة الخاصة، لن تكون النتيجة الرئيسية هي إضعاف النظام الرئاسي، وإنما إضعاف الهيئة التشريعية، كون كروكر يكدح منذ فترة مع الديمقراطي الكبير في لجنة العلاقات الخارجية السناتور روبرت مينينديز، لصياغة تشريع يوجب موافقة مجلس الشيوخ على صفقة إيران، وقبل رسالة كوتون، كان كوركر على بعد صوتين فقط من ضمان مرور القانون من أغلبية الحزبين، ولكن الآن أوباما وزعيم الأقلية الديمقراطي هاري ريد يستخدمان الرسالة للترويج بأن الجمهوريين يشاركون فقط في المباريات الحزبية، وعلى الأغلب سيعمل هذا النهج على تجريد مبادرة كوركر- مينينديز من أصوات بعض الديمقراطيين، وإذا فشل مشروع قانون كوركر بمسافة عدد قليل من الأصوات، حينها سيتوجب على أوباما أن يتشكر كوتون على رسالته الخطية الفذة.
إن رسالة كوتون تتعلق بإستراتيجيات سياسية كبرى، كون البديل عن الاتفاق النووي السيء ليس الحرب، بل فرض عقوبات شديدة وإجراءات سرية تعمل على الحد من القدرات الإيرانية حتى يسقط النظام – كما حصل عندما قارب النظام الإيراني على السقوط في عام 2009 – أو حتى يغيّر النظام من سلوكه في الكثير من المجالات والأقاليم، ولكن هذا النهج يتطلب تشديد العقوبات بالتعاون مع أوروبا، وكذلك بالتعاون مع روسيا والصين، وهذا التعاون يمكن الوصول إليه عن طريق إعطاء انطباع أن الولايات المتحدة قد تفاوضت مع إيران بحسن نية، وأن المفاوضات هي في الواقع جزء مهم من أي محاولة لعزل إيران، والعامل الأساسي في هذه المفاوضات هو المكان والزمان الذي نضع فيه خطوطنا الحمراء.
ولكن رسالة كوتون تعطي انطباعًا يتمثل بكون الجمهوريين في مجلس الشيوخ يحكمون على المفاوضات بالوصول الحتمي إلى الفشل، وهذا الانطباع من شأنه تعقيد محاولتنا لفرض عقوبات قاسية في حال انتهاء المفاوضات بدون الوصول إلى نتيجة.
في أعقاب الرسالة، سنشهد تصعيدًا حزبيًا من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ألم يفتح الديمقراطيون مفاوضات سريعة سرية مع ديكتاتور نيكاراغوا دانيال أورتيغا في ثمانينيات القرن الماضي؟ ألم يتفاوضوا مع الرئيس السوري بشار الأسد بالمخالفة لرغبات إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش؟ نعم بالطبع فعلوا، ولكن تبرير فكرة سيئة من خلال سرد تاريخ من الأفكار السيئة هي وسيلة سيئة لإدارة السياسة الخارجية، فمن الممكن الارتكاز على هذه الوسيلة للمناقشات الحزبية، ولكن من غير المنطقي أن يتم اعتمادها في ممارسات الدولة الخارجية.
من المفترض أن السبب في وجود مجلس شيوخ في الولايات المتحدة وليس فقط مجلس النواب، هو لضمان أن تعمل الست سنوات من العضوية في مجلس الشيوخ، على توفير 30 دقيقة للسيناتور لقراءة وثيقة هامة وللتفكير بالآثار الناجمة عنها، قبل التوقيع عليها.
المصدر: واشنطن بوست