أثار توقيع الجانبين الأردني والإسرائيلي اتفاقية البدء بتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع ربط البحرين (الأحمر والميت) عبر خط أنابيب يصل طوله إلى 180 كم؛ جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والشعبية الأردنية.
ففي مقابل تفاؤل رسمي أردني رأى في القناة الجديدة ضرورة ملحة وخطوة إستراتيجية هامة لإنقاذ البلاد من الجفاف المائي برفع منسوب البحر الميت المهدد بالانحسار، وإقامة مجمع تحلية للمياه شمال مدينة العقبة؛ اعتبرها معارضون تحقيقًا لحلم راود مؤسس الحركة الصهيونية المعاصرة ثيودور هرتزل، وإعادة لإنتاج السيطرة والهيمنة الإقليمية للكيان الصهيوني الذي وضع الأردن في الواجهة للحديث عن المشروع وفوائده في السنوات الأخيرة.
ووفق حسابات الربح والخسارة بكافة أشكالها؛ تبرز أهمية الاطلاع على ما تتعهد به الاتفاقية المبرمة ونظرة كلا الجانبين لها على الصعيدين الرسمي والشعبي.
نبذة عن اتفاقية الناقل المائي
استكمالاً لمذكرة التفاهم بين الجانبين الأردني والإسرائيلي التي وقعت في واشنطن بتاريخ 9 ديسمبر 2013 بحضور ممثلين عن الحكومة الأمريكية والبنك الدولي؛ وقع ممثلاً عن الجانب الأردني وزير المياه والري حازم الناصر اتفاقية تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع قناة البحرين في 26 من شهر فبراير الماضي، يقابله عن الجانب الإسرائيلي وزير التعاون الإقليمي سيلفان شالوم.
وبحسب موقع”إسرائيل بالعربية” فإن مشروع قناة البحرين (الناقل المائي) يعمل بمرحلته الأولى على سحب نحو 300 مليون متر مكعب من مياه البحر الأحمر سنويًا، تتم زيادتها لتصل إلى ملياري متر مكعب في مراحله المستقبلية.
الناصر بدوره؛ أكد أن الأردن سيحصل على 50 مليون متر مكعب من مياه طبريا زيادة عن الاتفاقات السابقة للحقوق المائية الأردنية، وتحديدًا اتفاقية وادي عربة، وبحسب الناطق الرسمي لوزارة المياه والري عمر سلامة تقدر تكلفة مشروع قناة البحرين بـ900 مليون دولار سيتم تأمينها من الدول والجهات المانحة بما فيها الولايات المتحدة والبنك الدولي.
الجانب الإسرائيلي الذي يظهر وفق ما نشر من الاتفاقية قائمًا على توزيع الحصص المائية للأردن والسلطة الفلسطينية؛ يسعى لإحداث نقلة نوعية بالاستفادة من قناة البحرين على شتى الصعد وفي مقدمتها الصعيد الاقتصادي، لاسيما بتوليد الطاقة، وهو ما يراه مراقبون وخبراء أطماعًا مائية إسرائيلية تتجاوز بشكل كبير ما هو معلن.
“اتفاق تاريخي” بعين الاحتلال
إثر توقيع سيلفان شالوم اتفاقية قناة البحرين مع الجانب الأردني؛ عنونت صحيفة يديعوت أحرنوت خبرها بـ “اتفاق قناة البحرين يحقق حلم هرتزل”.
وتضمن الخبر بيانًا رسميًا موجهًا من شالوم إلى وزارته المعنية بالطاقة والتعاون الإقليمي، يبين درجة تلهف الحكومة الإسرائيلية للمباشرة بعملية التنفيذ، وقد جاء في البيان: “أقف هنا منفعلاً في لحظة توقيع الاتفاقية التاريخية على إطلاق مشروع ناقل البحرين”.
وأضافت الصحيفة على لسان شالوم: “إننا نحقق اليوم رؤية مؤسس دولة إسرائيل بنيامين زئيف هرتزل، الذي تنبه أواخر القرن التاسع عشر لضرورة إحياء البحر الميت”.
وكان شالوم قد وصف الاتفاقية بأنها “الأهم” بين الأردن ودولة الاحتلال منذ توقيع اتفاقية وادي عربة في 26 أكتوبر من عام 1994.
من جانبه؛ قال الكاتب في صحيفة “إسرائيل اليوم” سمدار بن آدم، إن “الناقل المائي سيعزز الارتباط بين إسرائيل والمملكة الأردنية الهاشمية”، معتبرًا هذه الخطوة تدليلاً على الاعتراف بالمصير المشترك.
وزاد آدم في مقالته المنشورة في الخامس من آذار الحالي: “خلال السبعينيات كانت كل إسرائيل متأثرة إزاء إمكانية ربط البحر الأبيض بالبحر الميت، وتم إقامة لجنة يرأسها البروفسور يوفال نئمان فحصت الخيارات وقبلت التوصية، ولكن كل شيء توقف لسببين: اتخاذ الأمم المتحدة قرارًا ينص على أن شق القناة يعارض القانون الدولي بسبب تأثيراته على الأردن، الشريكة في البحر الميت، والجدوى الاقتصادية كان مشكوكًا فيها”.
تخوف شعبي وتشاؤم حزبي
شعور دولة الاحتلال بتحقيق إنجاز تاريخي نبَّه إليه مؤسس الحركة الصهيونية هرتزل (1806-1904)، أمر بحد ذاته يزيد التوجسات الشعبية والحزبية الأردنية تجاه مشروع القناة.
حزب الوحدة الشعبية الأردني، اعتبر في بيان صادر عنه اتفاقية مشروع قناة البحرين ضربة للقوى الشعبية التي تحاول إسقاط اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية (وادي عربة).
وذهب الحزب إلى رؤية أن بالاتفاقية تأمين للمستوطنات الإسرائيلية على شواطئ البحر الميت بالمياه العذبة، وتبريد مفاعل ديمونا بالمياه، واستيطان منطقة النقب وترحيل سكانها العرب الفلسطينيين.
من جانبه؛ أدان حزب جبهة العمل الإسلامي – الواجهة الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين – بشدة توقيع اتفاقية مشتركة مع العدو الصهيوني، واعتبر الإصرار على ربط مصالح إستراتيجية معه في مجالي المياه والطاقة “تهديدًا واضحًا للاقتصاد الوطني والمصالح الأردنية العليا من خلال مشروع تطبيعي يحقق مصالح العدو الصهيوني على حساب مصالح البلاد”.
وفي رسالة بعثها النائب خميس عطية لرئيس الوزراء عبدالله النسور؛ شدد على أن ما يترتب من أعباء مالية تتحملها الخزينة جراء توقيع اتفاقية مشروع البحرين يلزم الحكومة بعرضها على مجلس النواب لاتخاذ قرار بشأنها، مسجلاً بذلك مخالفة دستورية على الحكومة مستندًا إلى المادة 33 من الدستور الأردني في فقرتها الثانية التي تنص على أن “المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئًا من النفقات أو مساس في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة، ولا يجوز في أي حال أن تكون الشروط السرية في معاهدة أو اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية”.
قنبلة الاحتلال الأخطر في المنطقة
يذهب عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية المصرية د. جمال يوسف إلى تصورات أبعد باعتباره قناة البحرين “قنبلة إسرائيل الأخطر في المنطقة العربية وتمثل مستعمرات جديدة لإسرائيل على ضفتيها، ولا تقتصر المسألة على الجانبين الأردني والضفة الغربية”.
وبين يوسف في حواره مع فضائية “سي بي سي” أن مشروع القناة سيرفع المياه إلى 116 متر لترتفع بذلك عن منسوب البحر الميت بـ 516 متر، ثم تنحدر المياه لعمل مولدات كهربائية لتوليد الطاقة، لافتًا إلى أن دولة الاحتلال تحلم بنقل القناة لتصل إلى البحر المتوسط لمنافسة قناة السويس.
وفي جلسة حوارية عقدتها شعبة هندسة المناجم والتعدين والجيولوجيا والبترول في نقابة المهندسين الأردنيين، طالب خبراء في مجال المياه والتعدين باقتصار مشروع قناة البحرين الواصلة بين البحر الميت والبحر الأحمر على الطرفين الأردني والفلسطيني فقط، واستثناء إسرائيل منه قطعيًا، وتوخي الشفافية في الإعلان عن الاتفاقيات الموقعة حول المشروع، مؤكدين ضرورة أن تكون إدارة المشروع أردنية بامتياز، حسبما نشرت صحيفة الغد.
أما الكاتب في جريدة الرياض السعودية فهد الأحمدي، فنوه إلى أن المشروع يشكل حاجزًا مائيًا يمنع الجيوش العربية في حال فكرت بمهاجمة دولة الاحتلال من الشرق.
من جهته؛ يرى الكاتب في صحيفة العرب اليوم موفق محادين أن من السذاجة اعتبار موضوعات مثل قناة البحرين والغاز الصهيوني مجرد مشروعات ثنائية من مشروعات التطبيع الاقتصادي فحسب، مؤكدًا أنهما “جزء من إطار إقليمي أكبر وأوسع وفق مشروع الشرق الأوسط الكبير”.
وحمّل محادين المسؤولية الكبرى بانحسار البحر الميت إلى “العدو الصهيوني الذي يسعى لتجفيف نهر الأردن من خلال نقل مياهه إلى طبريا”، مضيفًا: “كان المطلوب معاقبة العدو على ذلك، وليس البحث عن حلول معه”.
المصدر: أردن الإخبارية