هل يستعد إخوان مصر للتخلي عن سلميتهم؟

ترجمة وتحرير نون بوست
منذ استلام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدفة الحكم، تنامى العنف السياسي في مصر بشكل مطرد، حيث لم يفوّت الرئيس العسكري أي فرصة لتوجيه أصابع الاتهام نحو جماعة الإخوان المسلمين في شتى المناسبات.
إحدى الجماعات التابعة للدولة الإسلامية – العدو اللدود لجماعة الإخوان المسلمين في مصر – تعلن مسؤوليتها عن تفجير قنبلة؟ لا يهم، فحكومة الرئيس السيسي تعرف على من ستلقي اللوم، على الإخوان مجددًا!
إن تركيز حملة السيسي على جماعة الإخوان المسلمين- الحركة الاجتماعية السياسية الإسلامية التي تبلغ من العمر 90 عامًا – يعكس هواجسه ومخاوفه الخاصة؛ ففي يوليو 2013، قاد السيسي انقلابًا عسكريًا ضد الرئيس محمد مرسي، ومنذ الانقلاب حظرت حكومته الجماعة وسجنت معظم كبار قادتها، بمن فيهم مرسي، الذي يُعتبر أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا في مصر.
ولكن استعمال سياسة كبش الفداء مع جماعة الإخوان قد يعكس واقع جديد مزعج، فمنذ الانقلاب، تم الإخلال من قِبل بعض كوادر الإخوان بالالتزام الذي قطعته الجماعة على نفسها بعدم اللجوء إلى العنف كطريق إلى السلطة، وذلك نتيجة للخنق والتنكيل الذي تتم ممارسته ضد الجماعة، كما بدأت تظهر علامات على تزكية شخصيات بارزة ضمن الحركة للاتجاه الذي يتجه نحو تبني سياسة العنف.
العديد من أنصار الجماعة الشباب في القاهرة يتوقون بالفعل للقتال، حيث تشتعل داخلهم ذكريات 14 أغسطس 2013، وهو اليوم الذي حصلت فيه مذبحة أنصار مرسي في ساحة رابعة العدوية، حيث عززت هذه المجزرة من عودة الجيش إلى الحكم “حكم العسكر” وساعدت على تعزيز حكم السيسي عن طريق انتهاج العنف.
“انتهت أحلامي في ذاك اليوم”، يقول أحد الشبان المتعاطفين مع الحركة المسلحة الجديدة في مصر، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه، ويضيف”أشعر بسلام داخلي من خلال معرفة أن القتل يمكن أن يشفي غليلي، والطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي من خلال السلاح”.
هذا الفتى ليس الوحيد الذي يتوق لانتهاج سياسة العنف، حيث أشادت القنوات الفضائية المرتبطة بالإخوان بالهجمات التي نفذها الشباب على المواقع الأمنية أو الشركات المرتبطة بالحكومة، وعندما تم استدعاء أحد المشاهدين إلى استوديو قناة رابعة التلفزيونية هذا الأسبوع، دعا المصريين إلى القيام بهجمات مفاجئة ومن ثمّ الهرب سريعًا، وحينها أجابه مقدم البرنامج: “هذا ما يفعله رجال المقاومة في المحافظات المصرية، ستسمع أخبارًا جيدة في الأيام المقبلة”، وفعلًا في الأيام التي تلت اللقاء، تم الإبلاغ عمّا لا يقل عن 12 تفجيرًا صغيرًا في جميع أنحاء البلاد.
سياسة نبذ العنف
تخلى قادة الإخوان عن الممارسات العنيفة للوصول إلى السلطة منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث تم اتخاذ هذا القرار لأسباب عملية تتعلق بالعمل على الأرض، وتم توجيه طاقات الحركة الجماهيرية تجاه الوعظ، وتوفير الخدمات الاجتماعية للفقراء، والمشاركة في الحياة السياسية.
وحينها كانت نظرية الجماعة تقوم على أن تلك الجهود ستحقق التغيير الاجتماعي التدريجي، وستساعد على دعم حزب الإخوان وستدفع بهم في النهاية إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع وليس عبر السلاح، وبالفعل ظهرت صحة النظرية عندما وصل أحد قادة الإخوان محمد مرسي عبر الانتخابات إلى السلطة في عام 2012.
ورغم ذلك، وبعد عام واحد فقط، تم الزج بمرسي في السجن بتهمة التجسس والإرهاب والخيانة، وتبعثرث حركته وفرّ أعضاؤها من تنكيل النظام العسكري الجديد، وحُكم على المئات من أنصار جماعة الإخوان المسلمين بالإعدام في محاكمات جماعية، كما حاولت السلطات تجريد الحركة من شبكة الممولين والشركات والجمعيات الخيرية.
هذا درس تم تلقينه للجماعة حول حدود سياسة اللاعنف، ويبدو أن الدرس تم استيعابه بالكامل من قِبل الجماعة، وهناك دلائل تشير أنها بدأت بتطبيقه لصالح العودة إلى العنف، وعلى الرغم من عدم وجود أي تغيير رسمي في سياسة الإخوان، بيد أن المحللين يشيرون إلى أن اللهجة الإخوانية الجديدة التي تتسامح مع أحداث العنف ملفتة للنظر، حيث يقول مختار عوض المحلل في مركز أمريكان بروجرس “إن مجرد عدم إدانة العنف على الأرض يعني أن الجماعة تتبنى هذا العنف”.
رد الفعل على حملة القمع الحكومية
منذ الإطاحة بمرسي، تم حظر الاحتجاجات والمظاهرات بشكل كلي تقريبًا، حيث تم تفريق المتظاهرين باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، وأحيانًا الذخيرة الحية، هذا الوضع أدى إلى انسحاب المتظاهرين الأكثر اعتدالًا من الشوارع، وفسح المجال أمام الشباب المتعاطف مع نظرية العنف.
وحاليًا تعمل حركات سرية غير معروفة هدفها الثأر، وتتألف في معظمها من الشباب الساخط من أنصار مرسي، على تنفيذ هجمات على المنشآت الأمنية والشركات العالمية، ولكن معظم هذه الهجمات تميل لتكون بسيطة وتتسبب بخسائر لا تذكر، وقد يكون الهدف منها هو تعطيل المنشآت وإثارة الخوف، بدلًا من القتل والإيذاء.
كرر مسؤولون في جماعة الإخوان مرارًا إنهم لا يستطيعون السيطرة على شبابهم الذي يشعر بالإحباط، فعندما حاولت الحركة الترويج لشعار “سلميتنا أقوى من الرصاص”، رد عليهم بعض أنصار العنف من الشباب بالقول “سلميتنا أقوى مع الرصاص”، حيث يقول أحد الشباب من أنصار العنف “إنهم (المؤمنون بالسلمية) يحاولون الهروب من الواقع وإقناع أنفسهم وباقي الأنصار، بشيء هم يعرفون أنه ليس صحيحًا”.
الأصداء الإعلامية
يوجد دلائل على ميل قيادة الإخوان لتبني سياسة العنف، حيث يتم بث لقطات الهجمات بشكل منتظم على القنوات الفضائية المصرية المتخذة لتركيا مقرًا لها، بما في ذلك القناة المملوكة للإخوان “مصر الآن”، والمحطات المتعاطفة مع الجماعة التي تشمل “الشرق” و”مكملين” و”رابعة”، حيث تعمل جميع هذه القنوات على إطراء مشاهد العنف، ويحثون المشاهدين على بذل المزيد من الجهد في هذا المنحى.
ويقول المحلل عوض “عندما تقوم الذراع الإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين بالتهليل لهذه الهجمات، يحق لنا أن نطرح تساؤلات جدية حول كيفية تفسير الرسالة التي تصر عليها قيادة الإخوان، ومفادها عدم قدرتها على السيطرة على شبابها”، ويضيف “الهجمات لا يمكن أن تستمر بدون اشتراك قادة الجماعة من المستوى المتوسط، وبدون الاستفادة من شبكات الإخوان وتمويلهم”.
في أواخر شهر يناير، أصدرت الحركة بيانًا تم اعتباره منعطفًا حادًا عن سياسة اللاعنف، حيث جاء فيه “على الجميع أن يدرك أننا بصدد مرحلة جديدة، نستدعي فيها ما كمن من قوتنا، ونستحضر فيها معاني الجهاد، ونهيء أنفسنا وزوجاتنا وأولادنا وبناتنا ومن سار على دربنا لجهاد طويل لا هوادة معه، ونطلب فيه منازل الشهداء”.
من جهتهم نفى مسؤولون في جماعة الإخوان المسلمين في وقت لاحق أن الرسالة تهدف إلى الدعوة لحمل السلاح، ولكن مع ذلك، يقول منتقدو الحركة إنها لطالما اعتمدت على التناقض والغموض كتكيك لتمرير سياساتها.
في الأسبوع الماضي، استخدم متحدث باسم الجماعة حسابه على تويتر باللغة الإنجليزية لاستقبال الأسئلة من وسائل الإعلام الأجنبية، وفي ذات الوقت نشر تغريدة باللغة العربية تقول إن أنصار مرسي سيقومون يومًا ما بقطع رؤوس أعضاء نظام السيسي.
ولكن هل يمكن لجميع هذه الظروف أن تتكاتف لفتح جبهة جديدة من العنف في مصر؟
“لا أحد يسيطر على الوضع الآن”، يقول أحد الشباب الداعين إلى العنف، “إن الوضع أسوأ مما يتصوره أي شخص”.
المصدر: كريستيان ساينس مونيتور