ترجمة وتحرير نون بوست
كتب: جيل باري (مراسل في واشنطن) وفيليب برنارد (مراسل في لندن)
عادة ما تأتي الخيانة من أقرب الحلفاء، لكن الضربة هذه المرة كانت قاسية على واشنطن؛ حيث اُعتبر انخراط حكومة المحافظين في المملكة المتحدة – برئاسة ديفيد كاميرون – في اقتصاد عالمي متركز في أسيا، ضربة موجعة للعلاقات التاريخية الخاصة التي تربط بريطانيا بالولايات المتحدة.
فقد فجر وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن يوم الخميس 12 مارس مفاجأة بإعلانه قرار انضمام المملكة المتحدة لقائمة الأعضاء المؤسسين للبنك الأسيوي للاستثمار في البنى التحتية، وهو المشروع الذي أنشأته الصين في شهر أكتوبر الماضي، و يمثل هذا المشروع بالنسبة لواشنطن أداة سياسية لخدمة طموحات بيكين في اكتساح قطاع البنوك والتمويل الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة واليابان.
ورحب السيد أوزبورن بهذه الخطوة معتبرًا أن الانضمام لهذا البنك يعتبر فرصة لا مثيل لها للمملكة المتحدة ولأسيا للاستثمار وخلق النمو المشترك، وبرر وزير المالية، الذي يعتبر الرجل الثاني في حكومة ديفيد كامرون، هذا التوجه نحو التقارب مع منطقة أسيا والمحيط الهادئ برغبة بريطانيا في منح شركاتها أفضل فرص العمل والاستثمار في الأسواق العالمية الأكثر حركية.
المصلحة الوطنية للمملكة المتحدة
وكعادة البراغماتية البريطانية المعروفة، برر المتحدث باسم رئاسة الوزراء في بريطانيا يوم الجمعة الماضي قرار التقارب مع الصين قائلاً: “ستكون هناك لحظات نتبني خلالها مقاربات غير تلك التي تتبناها الولايات المتحدة، نحن نعتقد أن المشاركة في البنك الأسيوي للاستثمار في البنى التحتية تخدم المصلحة الوطنية للمملكة المتحدة.”
وإضافة إلى الاختلاف الموضوعي، فقد عبرت واشنطن عن امتعاضها من الطريقة التي تم بها هذا الأمر، حيث نقلت صحيفة الفاينانشال تايمز عن مسؤول أمريكي رفيع المستوى – اختار عدم الكشف عن هويته – بأن القرار البريطاني لم يُسبق بأي استشارات مع الطرف الأمريكي، بينما أكد جورج أوزبورن من جانبه أن المشاورات قد جرت لمدة شهر على الأقل قبل اتخاذ القرار، وقد عبر المسؤول الأمريكي عن شجبه لوجود توجهات لصالح ترتيبات دائمة مع الصين من قبل البريطانيين.
وبالنسبة لواشنطن فإن اختيار لندن لتكون أولى أعضاء مجموعة الدول الصناعية السبعة في الانضمام للبنك الأسيوي للاستثمار يمثل نكسة، ويمهد الطريق نحو انضمام دول أخرى، بما في ذلك حلفائها الإستراتيجيين في المنطقة مثل أستراليا وكوريا الجنوبية، ويتلقى البنك إلى حدود الساعة دعمًا من عشرين دولة بما فيهم الهند وسنغافورة وتايلندا، ولكن أيضًا من قِبل بعض الدول الغنية في الخليج مثل المملكة العربية السعودية والكويت وقطر، وفي أوروبا يهدد انضمام بريطانيا بتسهيل انضمام مرتقب من طرف ألمانيا أو فرنسا.
وفي هذه الحالة ستفشل الولايات المتحدة في منع تطور البنك الذي ينافس، حسب واشنطن، مؤسستين بنكيتين تتواجدان في مدارها؛ وهما البنك الدولي الذي تسّيره الولايات المتحدة والبنك الأسيوي للتنمية المتواجد في العاصمة الفليبينية مانيلا والذي تترأسه دائمًا شخصية يابانية؛ حيث تعتبر اليابان المساهم الرئيسي فيه.
القوة المالية
وفي مواجهة القوة المالية للصين، لا يبدو بأن المخاوف غير الرسمية للأمريكيين، خاصة من التلوث البيئي، ذات وزن مؤثر.
وصرح فيليب لوكور من معهد بروكينغز والمؤلف المشارك في كتاب “الهجوم الصيني على أوروبا” بأنه “لا يمكن أن تكون واشنطن قوة أسيوية”، وأضاف “في المقابل فإن الصينين أثبتوا حنكتهم السياسية بتفريقهم بين الأمريكيين والأوروبيين، وتفريق الأوروبيين فيما بينهم”.
ويندرج التقارب بين لندن وبيكين على المستوى البنكي في إطار خطة بريطانية، تهدف إلى جعل لندن مركزًا أوروبيًا إستراتيجيًا للاستثمار بالعملة الصينية “اليوان”، وفي إطار زيارة للصين في شهر أكتوبر من سنة 2013، أعلن جورج أوزبورن عن رغبة بريطانيا في تغيير سياستها تجاه الصين، حيث سُمِح لرؤوس الأموال الصينية بالاستثمار في محطات الطاقة النووية البريطانية، وسهلت إجراءات الحصول على تأشيرات لدخول أراضيها بالنسبة لرجال الأعمال الصينيين.
وبعد شهرين من ذلك، اُعتبرت الجولة الصينية لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ولقائه بحوالي مائة رجل أعمال صيني شكلاً من أشكال الاعتذار، بعد الفتور الذي شاب العلاقات البريطانية الصينية إثر استقباله للدالاي لاما سنة 2012، وقد عبر المسؤول الأمريكي في صحيفة الفاينانشال تايمز عن أسفه تجاه محاولات لندن منذ تلك الحادثة إرضاء الطرف الصيني والاستفادة من “نِعمِ بيكين” حسب تعبيره.
وكان ديفيد كاميرون قد غض الطرف عن رفض الصين في شهر نوفمبر الماضي منح تأشيرات دخول أراضيها لوفد برلماني بريطاني، أراد الدخول إلى هونغ كونغ خلال مظاهرات تنادي بالديمقراطية هناك، بل وفي بداية شهر مارس قام الأمير وليام بزيارة للصين، بهدف تعزيز العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية بين المملكة المتحدة وجمهورية الصين الشعبية، حتى إنه خصص وقتًا في نهاية جولته للاطلاع على جهود حماية آخر الفيلة التي تعيش في الصين.
المصدر: لوموند الفرنسية