يسقط الجد العزيز الذي يعيش وحده فجأة ضحية لجلطة دماغية مفاجئة، في الأسابيع التي تليها يبقى يعاني من عدم نشاطه على غير عادته، يستيقظ متأخرًا عن موعده ولا يخرج من المنزل، لا ينتبه إلى التغير، لكن مجسات الحركة الموجودة في مرتبة سريره تستشعر هذا التغير غير المعتاد المستمر في النشاط، كما أن القفل الذكي للباب يلاحظ أيضًا، لتجد فجأة رسالة على هاتفك من المرتبة: جدك ليس على ما يرام، ربما يحتاج إلى طبيب!
يعود الجد للبيت بعد تلقي العلاج، وتضاف كاميرات ومجسات إضافية لكي تلائم الوضع الجديد وترسل بالبيانات أولًا بأول إلى الطبيب.
في السيناريو الآخر، يدرك اللص الذي يراقب البيت أن جدك يعيش وحده، يحمل عصاه وسكينه ويقتحم البيت ليجد الجد واقفًا أمامه، وفقط في اللحظة التي تراوده الخواطر أن يرفع العصا ويهوي بها تدوّي أجراس الإنذار والأضواء الحمراء في البيت فيذعر اللص، وترسل مجسات استشعار الاقتحام رسائل إلى جميع أفراد الأسرة أن الجد في خطر الآن، وعليهم أن يتصرفوا بسرعة، كما تشغل الكاميرات لتسجل فيديو للمقتحم.
في السيناريو الثالث، ينام الجد ناسيًا الحليب على النار، الحليب يسقط على النار ويُطفئها ويبقى الغاز يتسرب في أنحاء الشقة ليقتله وهو نائم، لكن مجس استشعار الحرائق وتسرب الغاز يبدأ بإصدار تحذير صوتي جهوري، ويرسل أيضًا رسالة تحذيرية إليك أن هناك تسرب غاز، جدك في خطر: مرحبًا بك في عصر البيت الذكي!
المنزل الذكي: لن تعتني بالبيت بعد الآن، البيت هو الذي سيعتني بك
المنزل الذكي لا يحمي حياتك فقط، بل يغيرها أيضًا، تخيل نفسك عائدًا من يوم عمل مجهد وشاق ولا تريد إلا رمي نفسك على السرير والنوم، لكن، يتوجب عليك قبل ذاك أن تجرجر نفسك لغلق كل مصابيح البيت أولًا، وضبط المدفأة، والتحقق من أقفال البيت، وقفل الغاز، السخان، والتلفاز، والاطمئنان على الطفل.
“لدي رسالة واردة من الثلاجة، إنها تقول إن مخزون البيض والحليب بداخلها قد نفد وعليّ أن أشتري في الغد”
سوف يأتي اليوم الذي تنظر فيه إلى شاشة هاتفك الذكي وتقول هذا ببساطة، ثم تظهر رسالة واردة أخرى، ممن الرسالة هذه المرة؟ إنها من الماكينة صانعة القهوة خاصتك، تخبرك أنها سوف تعد القهوة في الثامنة حسب عادتك، لكن عليك ألا تنسى ملئها اليوم بالماء، اليوم لا شيء يتصل في بيتك بالإنترنت سوى الحاسوب والهاتف، لكن في المنزل الذكي كل أغراض البيت خاصتك تتصل بالإنترنت، وتتصل مع بعضها، كي تنسق فيما بينها، ستكون لديك رسائل واردة من المدفأة، المنظم الحراري، جهاز كشف الحرائق أو تسرب الغاز، الغسالة، وربما حتى المرحاض!
سيتحول هاتفك المحمول إلى ريموت كنترول لأي شيء، تستطيع أن تفعل ما تريد وأنت في سريرك، لن تحتاج بعد الآن أن تعتني بالمنزل، فهو سيعتني بنفسه.
متى بدأت المنازل تصبح ذكية؟
الجميع يظن أن المنازل الذكية قد ظهرت منذ سنة أو سنتين، لكن الحقيقة أن فكرة آلية المنازل ولدت منذ زمن بعيد في أوائل القرن العشرين، بعد أن دخلت الكهرباء بتوسع إلى المنازل، وكانت فكرة التحكم عن بعد “الريموت كنترول” قد أُدخلت بواسطة نيكولا تسلا لأول مرة قبلها بثمان وتسعين سنة، لكن الأسر الثرية فقط هي التي نعمت بهذه الرفاهية لأن الكهرباء كانت لاتزال في بداياتها، ولم تكن أسعارها أو وفرتها مثل الآن.
لكن لم تنشأ أفكار مشابهة للمنزل الذكي الحالي إلا في عام 1930، لكنها بقيت أيضًا محصورة على الأغنياء والهواة، لكن الأمر تغير بعد ظهور الريموت كنترول الصغير، فانخفضت تكلفة التحكم الإلكتروني عن بعد، وبدأت الشركات تتبنى تقنيات التحكم عن بعد والتكنولوجيا الذكية، لكنها لم تنتشر حتى التسعينات بسبب عدم وجود بروتوكول موحد وبسيط وغير مرتفع التكلفة يتحكم في البيت كله، وليس جهازًا واحدًا فقط.
عام 1998 كان عامًا محوريًا للبيوت الذكية، فقد ظهر فيه المنزل الذكي INTEGER Millennium والذي ضم مجموعة من الأجهزة الذكية فيه مثل نظام ري الحديقة الذكي الذي يستطيع أن يقيس درجة رطوبة التربة ويقرر بناء على ذلك سقاية الأرض أم لا، كما ضم نظام حماية ذكي، وأضواء لها أربع أنماط مختلفة يحددها المستخدم، ومفاتيح باب مبرمجة، استمرت حينها الفكرة في النمو حتى وصلت إلى الشكل الحالي، إلى درجة أنه تم الإعلان أن منتجات المنزل الذكية قد وصلت في عام 2012 في الولايات المتحدة فقط إلى 1.5 مليون نظام، يتوقع أن تقفز إلى 8 ملايين في 2017.
المنازل الذكية: حلبة المعركة الجديدة للشركات العملاقة
هذا العام وصلت إيرادات قطاع البيوت الذكية وحدها إلى أكثر من 48 مليار دولار، يتوقع أن ترتفع مع حلول عام 2019 إلى 115 مليار دولار، ليصبح حوالي 12 بيتًا من كل مئة بيت يحتوي على نظام ذكي ما، ولذلك تتسابق الشركات على الاستثمار في هذا المجال، بدئًا من جوجل التي عقدت صفقة السنة الماضية بقيمة ثلاثة مليارات ومئتي مليون دولار لتستحوذ على شركة “نيست” المتميزة في مجال منتجات المنازل الذكية لتضمها إليها، بينما قررت الشركة الصينية القوية “شياومي” استثمار نحو 200 مليون دولار في شركة الأجهزة المنزلية “ميديا”، وهذا يعني أن هذه الصناعة لم تعد قاصرة على الدول المتقدمة وإنما تتمدد باتجاه الدول الأخرى أيضًا، كما أعلنت شركة “آبل” عن إعدادها لمنصة برمجيات جديدة سمتها HomeKit بحيث يستطيع المستخدم أن يتحكم من خلال الآيفون بكل أجهزة منزله دون أن يتحرك من مكانه، وهو نفس الأمر الذي تعمل عليه نظيرتها سامسونج، لكن هذه المرة من خلال تطبيق خاص بهاتفها الذكي “جالاكسي”، كما استحوذت سامسونج على شركة SmartThings للأجهزة المنزلية لتصبح أقوى في المنافسة، كما دخلت شركة مايكروسوفت هذا المضمار أيضًا، حتى شركة “أمازون” قررت تخصيص حوالي 55 مليون دولار للقيام بالأبحاث على مختلف المشاريع المنزلية الذكية، وقد قال طوني فاضل المدير التنفيذي لشركة “نيست” أنه يتوقع أنه في خلال عشر سنين فقط، سيكون كل جهاز كهربائي في منزلك متصلًا بالإنترنت.
“نيست”: هل راهنت جوجل على الحصان الرابح؟
عرفت شركة “نيست” بالثيرموستات أو المنظم الحراري الذكي للمنزل، وفائدته عظيمة لإبقاء البيت مكانًا مريحًا للإنسان، بدرجة الحرارة المناسبة بالضبط، كما أنها توفر استهلاك الطاقة إذ تدرك خروج صاحب المنزل لتخفض استخدام الطاقة، كما ترسل تعليمات لباقي أجهزة المنزل، كما عرفت الشركة بالجهاز كاشف الحرائق أو تسرب الغاز وغاز أول أكسيد الكربون، والذي قد يتسرب من من السخانات التي تعمل بالغاز، وهو قاتل صامت إذ إنه بلا رائحة، لترسل رسالة تحذيرية على كل هواتف أفراد المنزل والعائلة من الخطر المحدق، ليتصرفوا قبل فوات الأوان.
وقد أسسها طوني فاضل المهندس السابق في شركة آبل، واشترتها جوجل أول عام 2014، واستمرت في النمو بسرعة لتضم حوالي 460 موظفًا في منتصف العام الماضي، واستحوذت “نيست” على شركتين هما شركة “دروب كام” المتخصصة في صناعة كاميرات المراقبة المنزلية، كما استحوذت على شركة “ريفولف” المتخصصة بصناعة الأجهزة المركزية التي تعمل كعقل مركزي يتلقى المعلومات ويتحكم بجميع أجهزة المنزل.
سامسونج: “الشات” مع أجهزة المنزل
أنت تجلس في مدرج المحاضرات، وتتكلم مع أحدهم باهتمام بالغ بشكل نصي، يلكزك صديقك سائلًا إياك عن الشخص الذي تكلمه الآن لتقول إنها: غسالة الملابس!
فتطبيق شركة سامسونج للمنازل الذكية يتيح لك أن تكون على اتصال دائم بأجهزة منزلك، يمكنك أن تسأل الغسالة متى ستنهي غسل الملابس، لترد عليك مخبرة إياك أنه لايزال هناك ساعة ونصف، يمكن للثلاجة أن تخبرك أن الفلتر الخاص بها يحتاج إلى تبديل، سيكون هاتفك قادرًا على الاتصال بالغسالة والمكيف والثلاجة والمكنسة الكهربائية والأضواء والتلفاز والكاميرا المنزلية، مثلما تتصل بأصدقائك، تستطيع أن تطلب من بيتك ما تريده.
تم إطلاق هذا التطبيق في 15 دولة فقط، منها دول أوروبية والولايات المتحدة وإيران والصين وكوريا الجنوبية، ويمكن لأي جهاز لم تصنعه سامسونج أن يتصل بهذا التطبيق، فقد تركته مفتوحًا للمطورين وفتحت لهم مجال إقامة اتصال مع هذا التطبيق، وهذا ما تفعله “آبل” أيضًا في تطبيقها HomeKit وكذلك شركة شياومي الصينية والتي تسمى بـ “آبل الصين”.
HomeKit: تطبيق آبل المنتظر
منذ أعلنت عنه آبل السنة الماضية، والإشاعات تتناثر عن كون موعده هذه السنة، لكن لا أخبار مؤكدة حتى الآن عن هذا الموعد، ومع أنه لم يصدر بعد، إلا أن المنتجات في معرض الإلكترونيات للمستهلك CES والذي يعقد كل سنة قد ظهرت فيه عدة منتجات متوافقة مع هذا التطبيق.
هل يمكن للمنازل الذكية أن تصبح غبية؟
مطلع هذا العام نشر موظف في شركة جوجل فيديو نال ما يقرب من 500 ألف مشاهدة، لـ “يحذر الآخرين من شراء Nest Protect الخاص بالحماية من الحرائق” كما يقول، يظهر في الفيديو الرجل وهو يحاول إخراس هذه الأجهزة التي تدوي بالتحذيرات دون توقف، يحاول أن يلكمها أو يصدمها بالأرض، أو يضعها داخل عبوة عدة النجارة في محاولات لخفض الإنذارات الخاطئة دون جدوى، توقع مراقبون أن يثير هذا الفيديو غضب جوجل التي تمتلك شركة نيست، لكن ذلك لم يحدث.
في فيديو آخر، يظهر رجل يقول إنه حين يتلقى رسالة من منتج نيست بأن بيته يحترق، فإنه يضع الهاتف ويكمل عمله بشكل عادي جدًا، لأن معدل الإنذارات الخاطئة أصبح كثيرًا، ما إن يتلقى هذا الإنذار حتى يشغل عن بعد الكاميرا الموجودة في المنزل فلا يجد أي مشكلة، لذلك تعود أن يتجاهل هذا، والحقيقة أن هذا انتقاد كثيرًا ما وجه إلى هذا المنتج، وأجل، يمكن للمنزل الذكي أن يصل إلى درجة غباء مثيرة للغضب لدرجة أن يضطر المرء لفعل ما فعله هذا الموظف المسكين، حين اضطر في النهاية إلى جمع كل الأجهزة ووضعها في علبتين داخل بعضهما وإقفال باب القبو عليها.
احتمالات اختراق البيوت الذكية: هل نحمي أنفسنا من الخطر بخطر آخر؟
قال الباحث والمحلل الأمني الرقمي كولبي مور إن الأمر استغرق منه دقائق فقط ليخترق كل منتج من 16 منتجًا ذكيًا، كان واحد فقط عصيًا على الاختراق، وكان أسهلها هي الكاميرات المنزلية.
المنزل الذكي يشبه الإنترنت في بداية التسعينات، لايزال جديدًا، ولا يوجد معايير للحماية، وقال الباحث إن المنتج الوحيد الذي استعصى عليه هو Kidde الخاص بكشف الحرائق، أما الخمس كاميرات التي اختبرها فكانت ضعيفة التشفير أو كلمة المرور أو الأمان، وكانت أقلها في الثغرات هي الكاميرا Dropcam الخاصة بشركة “نيست”.
أما بالنسبة للمنظمات الحرارية “الثيرموستات”، فقد كان المنظم الحراري الخاص بشركة “نيست” الأكثر أمانًا، مع أنه خسر نقاطًا بسبب سياسة كلمة المرور الضعيفة، ومع أن كاشف الدخان “كيدي” كان الأقوى، إلا أن كاشفات الدخان والحرائق وتسرب الغاز الأخرى لم تكن على المستوى المطلوب.
الأمر خطر، فالقرصان إن نجح فهو يسمع ويرى ما يحدث داخل بيتك، بل ويمكنه أن يتحكم بالأشياء، البيت أخطر مكان يمكن اختراق خصوصيته، لهذا يوصي الخبراء بعدم شراء المنتجات الذكية بشكل عشوائي، أو استغلاء المنتجات والبحث عن أي شيء رخيص، فهذا أشبه بمن يغلق بيته بورق الكرتون ثم يتفاجأ حين يدخله اللصوص.
كيف أبدأ في تحويل منزلي إلى منزل ذكي؟
إن الشخص يتحير أمام هذا السيل من المنتجات، لم يكن الأمر هكذا في البداية لأن الأساسيات فقط هي التي كانت متوافرة، وخاصة أن هذا السوق آخذ في التمدد باضطراد، لكن الخبراء ينصحونك في البداية بالتحديد حسب الإجابة على هذا السؤال، ما هي الأشياء التي تحتاج لإغلاقها وفتحها عدة مرات في اليوم؟ ما هي الأشياء التي تستهلك من جدولك اليومي؟ من خلال عاداتك ونشاطاتك يمكنك التوصل إلى المنتجات الذكية التي تحتاجها منذ اليوم في منزلك، الأكثر شهرة، هي الأضواء الذكية، أقفال الحماية، أجهزة استشعار الاقتحام والحريق وتسرب الغاز، الكاميرات، ومنظمات حرارة المنزل، كما يمكنك أن تتجول وتستكشف في المنتجات الأخرى، هناك أجهزة ذكية تساعدك على النوم، وهناك أجهزة ترفيه ذكية وأجهزة بستنة ذكية أيضًا، والمستقبل ربما يحمل لنا مفاجآت أكبر، منازلنا تتحرك نحو زمن لم نعهده من قبل، حيث لا يصبح البيت مجرد مكان نعيش فيه، بل صديق شخصي.