ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
على الطريق المعبدة التي تشق الصحراء القاحلة تظهر الجمال التي ترعى لتكمّل اللوحة الصحراوية النمطية في صحراء المفرق في شمال الأردن، وتظهر بعض النساء المرتديات للعباءة متحديات للهيب الشمس وطوفان السيارات التي تتدفق على الزعتري، ثاني أكبر مخيم في العالم، وعلى الرغم من الغبار والرمال يتنفس الناس الذين شردتهم الحرب هنا نفس الهواء الذي تتنفسه سوريا التي لا تبعد عنهم أكثر من 12 كيلومترًا، ويقول عبد العزيز الذي يبلغ 16 عامًا إنه لا يمكنه استيعاب وجوده بين هذه الطرقات والممرات المتقاطعة في بحر من الخيام والأكواخ ومنازل الصفيح التي تمتد على مدى البصر، ويروي هذا الشاب الذي يرتدي قميص نادي برشلونة الإسباني ما حصل حيث يقول “قبل ثلاثة أشهر كنت أسير أمام منزلي في قرية نصيب بمحافظة درعا فأصبت برصاصة مدفع رشاش، لقد أطلق عليا الجيش السوري النار”.
وتعرض عبد العزيز لبتر فوق ركبته اليسرى بعد تعرضه لإصابة حادة وهو يبذل اليوم جهدًا كبيرًا في حصص العلاج الطبيعي والتمارين ليعتاد على ساقه الاصطناعية التي حصل عليها يوم الأحد من قِبل المنظمة الدولية لمساعدة المعوقين Handicap International التي تنشط في الأردن منذ سنة 2012، ويقول هذا الشاب إنه وصل وحده للمخيم فيما لاتزال عائلته بأكملها في سوريا، ومثل أغلب اللاجئين هنا ينحدر عبد العزيز من منطقة درعا السنية الواقعة في الجنوب الغربي السوري وهي تعتبر معقل الاحتجاجات التي انطلقت سنة 2011 ضد بشار الأسد.
ومع بلوغ الحرب في سوريا سنتها الخامسة بلغ مخيم الزعتري طاقة استيعابه القصوى بعد أن توافد عليه حتى اليوم 84 ألف لاجئ من أصل 620 ألف لاجئ دخلوا الأردن حسب سجلات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة وهو ما يعني أن المخيم يعادل عدد سكان رابع أكبر مدينة أردنية رغم أن 85 بالمائة من سكانه يعيشون في محيط المخيم بعد أن وصل عدد الوافدين إلى أربعة آلاف يوميًا خلال سنة 2013، ويحتوي المخيم على مستشفى ميداني متخصص في استقبال المصابين بجروح خطيرة على غرار عبد العزيز وهم يمثلون 6.6 بالمائة من اللاجئين بينما لايزال مستشفى مخيم الأزرق الذي فتح أبوابه في أبريل 2014 غير جاهز لاستقبال الجرحى.
تم بناء مخيم الزعتري على عجل في يوليو من سنة 2012 بينما توافدت أمواج من اللاجئين على الأردن الذي عرف من قبل أمواجًا من اللاجئين الفلسطينيين ثم العراقيين، وظن السكان في البداية أن إقامتهم في المخيم ستكون مؤقتة ولكن اليوم يبدو الأمر وكأنهم سيبقون هنا للأبد، وبعد أن كانت الأوضاع في بداية الأزمة تسبّب الإحباط في المخيم بسبب انعدام الأمن وانتشار العنف والتهريب أصبح المخيم منذ مدة لا تزيد عن سنة أشبه بالمدينة، فبالرغم من التوترات والصعوبات نجح السكان في ربط علاقات ودية وتكوين مجتمع متوازن داخل المخيم الذي يقع في قلب الصحراء، ففي الماضي حاولت بعض العائلات الاستحواذ على المنازل المتنقلة وسعت للاستئثار بمساحات خاصة بها أو حديقة أمام المسكن.
ويمثل الشارع الرئيسي في المخيم شريان الحياة هنا ومن سخرية القدر أنه يسمى الشانزيليزيه تيمنا بالشارع الشهير في باريس، ويتميز هذا الشارع بحركية تجارية كبيرة حيث يمارس الناس المهن التي كانوا يزاولونها قبل أن تشردهم الحرب مثل المقاهي والحلاقة وإصلاح الأحذية وبيع الخضر وحتى شراء فساتين الزفاف وخدمة توصيل البيتزا، ويوجد داخل المخيم ألفان وخمسمائة كشك تتحرك فيها حوالي عشرة ملايين دولار حسب تقديرات وكالة غوث اللاجئين، ويقول السيد نصر الدين طويبية المتحدث الرسمي باسم الوكالة في محافظة المفرق “اللاجئون يتمتعون بعزيمة قوية ونشاط كبير ويرفضون الجلوس مكتوفي الأيدي، خاصة وأنهم تربطهم علاقات قوية مع شمال الأردن حتى قبل اندلاع الحرب مما مكنهم من التزود والحصول على المساعدة اللازمة للانطلاق”.
ورغم أن مخيم الزعتري يعتبر اليوم مخيمًا قديمًا فهو لا يعوزه التجديد والابتكار، فاللاجئون يسكنون في منازل صفيح متنقلة عوضًا عن الخيام وتسعين بالمائة من المنازل مزودة بالكهرباء والتلفاز والقنوات الفضائية لمتابعة تطورات الحرب، والمخيم أيضًا موجود على تويتر من خلال حساب@ZaatariCamp الذي يتابعه أكثر من 10600 مستعمل، كما أن المساعدات الإنسانية لا يتم توزيعها بالدفاتر أو الصناديق بل عن طريق نظام بطاقات الائتمان الذي ينظم استعمال الناس لرصيدهم المتثمل في عشرين دينار أردني شهريًا لكل شخص ويمكّنهم من التسوق في المغازتين الموجودتين في المخيم والإحساس بشيء من الحياة الطبيعية.
ولكن رغم أن مخيم الزعتري لم يعد يستقبل الوافدين الجدد فإنه يواجه مشاكل عديدة مرتبطة بطول أمد الصراع، بداية من النمو الطبيعي للسكان فنسبة الولادات مرتفعة حيث يرى كل يوم 10 أو 11 طفلاً النور في مستشفى هذا المخيم الذي يُعد خمسون أو ستون بالمائة من سكانه قُصّر تقل أعمارهم عن 17 سنة، وقد أنجبت السيدة هيام ذات العشرين ربيعًا منذ شهر طفلها الثاني، ولا يوجد برفقتها أي رجل الآن لذلك تضطر أم زوجها البالغة 69 سنة للمشي كل يوم لمسافة اثنين كيلومتر رغم سنها والآلام التي تعاني منها في ساقها من أجل إحضار رغيف الخبز للعائلة، وتقول هيام وهي جالسة بجانب المولود الجديد النائم فوق حاشية على الأرض في مسكنهم المحاذي لإحدى المدارس الثلاثة في المخيم “زوجي بقي يقاتل في درعا ضمن صفوف الجيش السوري الحر”.
أما فيما يخص التعليم وعلاج الجرحى والمساعدات الغذائية يعاني المخيم منذ أشهر من إنهاك كبير بسبب استنفاذ جهود الداعمين الدوليين الذين فعلوا كل ما في وسعهم أمام هذه الكارثة الإنسانية الضخمة والغير مسبوقة والتي لا تلوح نهايتها قريبة، كما قامت السلطات الأردنية بتشديد إجراءات قبول اللاجئين وأصبحت ترفض دخول الكثيرين بسبب مخاوفها من تسرب مقاتلي تنظيم داعش، وحذر أحد مسؤولي مفوضية شؤون اللاجئين من أن نظام الأسد يتقدم نحو الجنوب وهذا سيدفع بالمزيد من اللاجئين والجرحى للهروب نحو الأردن خلال الأسابيع القادمة، كما تقدر منظمة “حركة ضدّ الجوع” الإنسانية أن حوالي مليون سوري سيغادرون بلادهم هذه السنة.
بينما يتدفق اللاجئون بسرعة كبيرة من الجانب الآخر لحدود المملكة الهاشمية بسبب ممارسات النظام السوري وبسبب توسع نطاق سيطرة تنظيم داعش والمجموعات المتطرفة الأخرى، لا يوجد أي لاجئ في مخيم الزعتري لا يحلم بالعودة لبلده، وبسبب نقص الدعم والموارد الذي يعاني منه خاصة الخمسة وثمانون بالمائة الذين يعيشون خارج المخيم تخشى المنظمات الإنسانية من أن يقدم البعض على العودة بشكل متسرع لسوريا، وفي هذا السياق يؤكد الشاب عبد العزيز الذي يقدّر طبيبه المعالج أنه يحتاج لشهر آخر من العلاج الطبيعي ليصبح قادرًا على الحركة أنه سيعود لمسقط رأسه في درعا ما إن تسنح له الفرصة، ليتنفس هواء سوريا ويلاقي زوجته التي بقيت هناك.
المصدر: صحيفة لوفيغارو الفرنسية