بعد أكثر من أربع سنوات على اندلاع شرارة الثورة السورية في مارس 2011، تأتي هذه الذكرى السنوية لآخر بقايا الربيع العربي المأزوم والوضع داخل الأراضي السورية ليس على ما هو عليه في كل ذكرى؛ فالخريطة في سوريا تتغير من شهر إلى شهر، ويضاف إلى المعادلة باستمرار فصائل جديدة تدخل إلى المعارك المحتدمة بين القوات النظامية وفصائل المعارضة المختلفة بشتى أطيافها بل وتحتدم المعارك بين المعارضة بعضها البعض.
في هذا التقرير نحاول رصد الأوضاع الميدانية للفصائل المسلحة في سوريا، كذلك وضع القوات النظامية حتى هذه اللحظة لنتعرف على من يسيطر على الأرض ومن يقاتل من؟
تُظهر الوقائع الميدانية أن سوريا منقسمة إلى ثلاث كتل رئيسية؛ أولها المنطقة الغربية، والتي تشمل دمشق وضواحيها، ومنطقة السويدي واللاذقية الممتدة حتى حلب التي لاتزال في كر وفر مع سيطرة قوات نظام الأسد، في حين تنتشر الفصائل المعارضة المسلحة في محافظة إدلب والريف الغربي لحلب، وتسيطر على أجزاء من شمال حماه وريف حمص وحي الغوطة، فضلاً عن محافظتي درعا والقنيطرة، أما المناطق الشمالية الشرقية فتخضع لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم “داعش” وهو أقوى هذه الفصائل على الأرض حتى الآن والأكثر تنظيمًا فيما بينهم.
وفيما يلي أبرز الفصائل المسلحة التي تخوض غمار القتال على الأراضي السورية وأهم المناطق التي تسيطر عليها:
1. الجبهة الإسلامية بسوريا
تشكّلت الجبهة الإسلامية السورية الموحدة من 11 فصيلاً مسلحًا في مدينة حلب أهمهم: حركة أحرار الشام، ألوية صقور الشام، لواء آل البيت، ولواء أحفاد الرسول، وقد أطلقت هذه الجبهة معركة “الجسد الواحد” لتحرير مناطق عدة في الشمال السوري، كما ضمت إلى جانب هذه الفصائل؛ جيش الإسلام (السلفي التوجه)، لواء التوحيد (على صلة بالاخوان المسلمين)، لواء الحق، والجبهة الإسلامية الكردية.
2. الجيش السوري الحر
يعتبر الجيش السوري الحر أول تشكيل عسكري مسلح في سوريا، أُسس هذا الجيش بعد انشقاقات عن الجيش النظامي في 2011 وفيما بعد أخذت تتكاثر المجموعات المسلحة التي تتخذ من الجيش السوري الحر غطاءً لها، بعد ذلك أعلن عن تشكيل مجلس أعلى للجيش السوري الحر تتبع له هيئة أركان، لكن هذا الفصيل المسلح أخذ يضعف بحيث صار المجلس إطارًا فارغًا من المحتوى العسكري الحقيقي ويتلقى هذا الجيش دعمًا غربيًا باعتباره بعيد أيدلوجيًا عن الإسلاميين في الداخل السوري.
3. هيئة دروع الثورة
أُنشئت هذه الهيئة نهاية عام 2012 بدعم من “الإخوان المسلمون في سوريا”، ووسعت في عام 2013، يقدر تعداد الهيئة ببضعة آلاف من المقاتلين، وينتشر مقاتلوها في إدلب وحماة بشكل أساسي إلا أن نشاطها العسكري ليس بالقوة الكافية، إذ تقوم بتنفيذ عمليات مشتركة مع فصائل مسلحة أخرى.
4. وحدات الحماية الشعبية الكردية
هي الجناح المسلح لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، الذي يتبع “حزب العمال الكردستاني” (PKK)، هذه الوحدات تدير المنطقة الكردية المستقلة في الشمال الشرقي من سوريا، ظهرت عام 2012 بعد انسحاب جيش النظام السوري من المناطق ذات الغالبية الكردية، بينما لا تشارك الوحدات الكردية في القتال ضد النظام في شبه اتفاق بين الطرفين، تقوم هذه الوحدات بالأساس بحماية المناطق الكردية ضد توغل الفصائل الإسلامية المسلحة المتشددة، حيث دخلت في عدة معارك مع تنظيم الدولة الإسلامية وفصائل أخرى سورية معارضة.
5. جبهة النصرة
تشكلت جبهة “النصرة” بقيادة أبي محمد الجولاني بداية العام 2012 تحت مظلة “القاعدة”، مقاتلوها يقدرون ببضعة آلاف لديهم خبرات قتالية متراكمة بسبب خوضهم لحروب في فترات سابقة بأفغانستان والعراق، تنتشر الجبهة في معظم الأراضي السورية وتخوض معارك طاحنة مع النظام السوري، أعلنت مسؤوليتها عن تفجير مبنى المخابرات الجوية للنظام السوري منذ عدة أيام وما لبث النظام بعدها أن أعلن عن غارة جوية استهدفت اجتماعًا لقادة الجبهة أدت إلى مقتل القائد العسكري العام للجبهة، كما تخوض الجبهة قتالًا ضد تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًا باسم داعش بعد انشقاقه عنها، هذا وتفكر قيادات داخلية بالجبهة في التخلي عن مظلة القاعدة في إطار تلقي دعم خليجي أمام تنظيم الدولة.
ظهرت جبهة النصرة لأهل الشام في بدايات العام 2012 عبر عمليات كبيرة في العاصمة السورية دمشق، عدد مقاتلي الجبهة لا يتعدى 6000 مقاتل وهم في أغلبهم من السوريين، تعتمد “جبهة النصرة” على دعم عدد من الممولين العرب والسوريين وعلى دعم حاضنتها الشعبية السورية بالداخل.
6. تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام “داعش”
تنظيم دولة الإسلام بالعراق والشام ولد من رحم النصرة ليقوم بإعلان ما أسماه “الخلافة الإسلامية” مطالبًا كافة فصائل الثورة السورية مبايعة زعيمه أبي بكر البغدادي، مع قرار جبهة “النصرة” بالقطيعة مع تنظيم الدولة انحاز معظم المقاتلين غير السوريين إلى تنظيم داعش الذي خاض معارك ضد النصرة وضد كافة فصائل الثورة السورية ونجح في إخراجهم من عدة مناطق محررة وبسط نفوذه عليها، يتمركز التنظيم في الرقة بسوريا بشكل أساسي، كما تمكن التنظيم من إحكام قبضته على المناطق المحيطة بالرقة ودير الزور ونجح بالسيطرة على آخر المعاقل العسكرية من مدينة طبقة (في الرقة) ووادي ضيف (خارج معرة نعمان)، ويُعتقد أن التنظيم عمد إلى سحب بعض من قواته من البوكمال وأجزاء أخرى من دير الزور باتجاه العراق، محاولاً صد هجوم الجيش العراقي الجديد ضد مواقعه في محافظة الأنبار، مما قد يُفسر أيضًا بتضاؤل وجوده في المدينة.
عدد المقاتلين في هذا التنظيم يتراوح بين 5000 و6000 مقاتل، وهذا التشكيل لا يتمتع بأي دعم خارجي رسمي، بل يأتيه من خزينة تنظيم الدولة الإسلامية العراقي، وقد أعلن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري عن وجوب حل الدولة الإسلامية في العراق والشام لدى إعلانه عن أن جبهة النصرة هي ممثل القاعدة الوحيد في سوريا؛ ما أدى إلى اشتعال الصراع بين التنظيمين.
7. جبهة ثوار سوريا
تشكّلت الجبهة بعد الضربات التي تلقتها هيئة أركان الجيش السوري الحر من الجبهة الإسلامية، حيث تتبنى أولوية بناء جيش وطني من الكتائب التابعة لها والتي ستكون النواة الأولى لتشكيل الجيش الوطني الحر بعدما صارت هيئة الأركان في الجيش الحر لا تملك أي نفوذ على الأرض.
وتضم جبهة ثوار سوريا كتائب عدة أبرزها: المجلس العسكري في محافظة إدلب، تجمع ألوية وكتائب شهداء سوريا، ألوية النصر القادم، الفرقة التاسعة بحلب، لواء أحرار الشمال، كتائب فاروق الشمال، كتائب رياض الصالحين في دمشق، تجمع أحرار الزاوية، ألوية الأنصار، كتائب فاروق حماة، الفرقة السابعة، ألوية ذئاب الغاب، فوج المهام الخاصة بدمشق، ولواء شهداء إدلب.
8. جيش الإسلام
يوجد بشكل كبير في منطقة غوطة دمشق وحول العاصمة، وهو يعتبر تشكيل منظم عسكريًا بالنسبة للتنظيمات الأخرى، إذ لديه ألوية وكتائب متخصصة كدبابات ومدرعات وصواريخ، بالرغم من اتهامه من قِبل بعض الفصائل الإسلامية المسلحة بتنفيذ رغبات السعودية الداعم الأول له وحتى العواصم الغربية واتهامه بأنه يسعى لتشكيل نواة صحوات سورية على غرار تلك التي أنشئت في العراق لمحاربة تنظيم القاعدة، فقد حدث تقارب بينه وبين أحرار الشام ولواء التوحيد في سعي لتشكيل ائتلاف عسكري إسلامي معتدل مقارنة بجبهة النصرة التي يجري استمالتها.
أبرز مناطق الصراع
درعا
الفصائل الإسلامية هي الحاضرة وبقوة في درعا ومنطقتها، أبرز هذه الفصائل جبهة النصرة، التي تتمتع بحضور قوي في المدينة وفي بعض القرى من حولها، لكن تعداد مقاتليها لا يزيد عن 350 مقاتل.
أما بالنسبة لتنظيم الدولة فقد حاول هذا الفصيل الدخول إلى مدينة درعا لكنه لم يتمكن من إثبات وجوده الذي يقتصر حاليًا على قرية بئر القصب التي هي أقرب لريف دمشق منها لمدينة درعا.
الفصيل الإسلامي الأكثر حضورًا في المنطقة هو كتيبة “المثنى” الإسلامية غربي درعا، ويتمتع هذا الفصيل بقوة عسكرية لا بأس بها من دبابات وناقلات جند ومضادات للطائرات استولى عليها بعد السيطرة على عدة مراكز للجيش السوري النظامي.
حمص
مدينة حمص وجوارها كانت لفترة طويلة العمود الفقري للحراك العسكري ضد النظام السوري، لكن بعد اندحار المعارضة المسلحة من أحياء بابا عمرو والخالدية باتت المعارك تتركز في الأحياء القديمة للمدينة.
لواء الحق المنتمي للجبهة الإسلامية السورية بقيادة أحرار الشام، وجبهة النصرة هما الفصيلان الجهاديان الأكثر تواجدًا في المنطقة، بينما فصائل أخرى كجند الشام على سبيل المثال تعمل في منطقة الحصن ووادي النصارى على الحدود اللبنانية.
هناك عدة محاولات لتوحيد المجهود العسكري المعارض في منطقة حمص باءت بالفشل؛ فاليوم مختلف الفصائل التي تضم عدة مئات من المقاتلين، تقاتل بشكل شبه مستقل.
كان التمويل الخارجي مصدر الدعم الأساسي للفصائل العاملة في حمص في بدايات الحراك العسكري.
اللاذقية
تتركز المعارك في منطقة ريف اللاذقية منذ أكثر من عام في منطقتي جبل الأكراد وجبل التركمان حيث الكثافة السكانية السنية عالية.
الجهد العسكري للفصائل الجهادية في اللاذقية من الممكن اعتباره غير منسق ومنظم بطريقة جيدة وفعالة باستثناء الهجمة التي تمت خلال الصيف المنصرم ضد عدد من القرى العلوية والمراصد العسكرية المجاورة لها، علمًا بأن الجيش السوري النظامي تمكّن من استعادة كافة المواقع منذ ذلك الحين.
ويعتبر ريف اللاذقية المتاخم للحدود التركية من أهم مناطق مرور المقاتلين الأجانب نحو الأراضي السورية، عدد الجهاديين في المنطقة لا يتعدى بضعة مئات بحسب مصادر مقربة منهم، إلا أن أعداد الوافدين أكبر بكثير حيث أصبح ريف اللاذقية منطقة عبور أساسية لهم نحو الداخل السوري.
حلب – إدلب
كانت منطقة ريف حلب ومنطقة إدلب الحدودية من أولى المناطق التي انضمت للحراك العسكري ضد نظام بشار الأسد، وكذا من أولى المناطق التي استقبلت المقاتلين الأجانب وأقامت لهم المعسكرات، وجلهم كان من الليبيين في ذلك الوقت، مدينة حلب كانت آخر مدينة تدخل معترك الصراع.
اليوم ريفا إدلب وحلب هما المنطقتان اللتان يبلغ الحضور الجهادي فيهما أوجه.
تنظيم الدولة اتخذ من مدينة الدانا مقرًا أساسيًا له، وتشكيلات الجبهة الإسلامية السورية لها حضور واسع وفعال في جميع المجالات العسكرية والمدنية منها، وقوة الجبهة الإسلامية العسكرية المتمثلة بحركة أحرار الشام قوة منظمة ومتماسكة على غرار جيش الإسلام جنوب العاصمة دمشق.
فيما يخص مدينة حلب نفسها فإن “لواء التوحيد” كان أول من دخلها وقاتل في أحيائها كالصاخور وصلاح الدين وهو لايزال حتى اليوم الفصيل المعارض الأساسي داخل جدرانها وفي المناطق المتاخمة لها، وكذا يلعب لواء التوحيد دور الوسيط بين الفصائل المتشددة وما تبقى من فصائل الجيش السوري الحر في المنطقة، كما جرى أخيرًا في منطقة أعزاز حيث وقف لواء التوحيد فاصلاً بين الدولة الإسلامية ولواء عاصفة الشمال واستلم معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
الرقة
كانت أول المدن السورية الكبرى وأول عاصمة محافظة تقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة، أول من دخلها كان مقاتلو جبهة النصرة وحركة أحرار الشام الإسلامية ومن بعدهم تنظيم الدولة من خلال مبايعة عدة كتائب لهذا الفصيل لدى الإعلان عنه وتمايز جبهة النصرة عنه.
كانت الجبهة انسحبت من المدينة بعد قتال مع تنظيم الدولة، وجود “تنظيم الدولة الإسلامية يتعزز يومًا بعد يوم ووقع الاختيار على الرقة لتكون أول ولاية إسلامية للتنظيم في سوريا، اليوم حالة التشنج والتوتر بين الفصائل المسلحة في تصاعد وقد واجه تنظيم الدولة فصائل عدة معارضة وأجبرها على مغادرة المنطقة، فالتعاون شبه معدوم على نطاق المدينة، بل يوجد نوع من المنافسة في عدة أمور.
هذا وقد وقعت أيضًا عدد من الاغتيالات وعمليات الاختطاف، أبرزها اختفاء القائد المحلي لجبهة النصرة واغتيال قائد من حركة أحرار الشام، وقد أنشئت محكمة شرعية بها ممثلون عن الفصائل للنظر في الأمور الخلافية وإيجاد حلول لها.
منطقة الرقة تعتبر ملاذًا للمقاتلين الوافدين من المحافظات السنية العراقية المجاورة ومن بلدان الخليج العربي.
دمشق
أما عن دمشق العاصمة السورية، فقد نجح النظام في تعزيز وجود قواته، بما أن أولويته هي التي تحمي دمشق اليوم وتنظف الغوطة من المتمردين، لذلك، نفذ النظام عدة غارات جوية على مواقع في الغوطة كان يتمركز فيها جيش الإسلام لقصف وسط دمشق كما تقدم النظام أيضًا في مليحة وجوبر.
ورغم الضربات التي ينفذها النظام في دمشق، والتقدم الذي حققه في مناطق معينة مثل دمشق وحلب، يبدو أن قوات الأسد عرضة لخطر أكبر في أجزاء أخرى من البلاد، حيث نجح تنظيم الدولة في إحراز تقدم في محافظة حماه الشرقية وحمص، في حين تقدمت النصرة في الجنوب، كما أن التنظيم قد وصل إلى حدود تمدده الطبيعي في الغرب، في الوقت الذي يبدي فيه السوريون تضامنا أكبر تجاه جبهة النصرة، نظرًا للنسيج الاجتماعي السوري لاسيما في الغرب.