ترجمة وتحرير نون بوست
سواء كنت تتفق معه أم لا، وسواء كنت تتهمه بتدمير سوريا، أو تدينه بوفاة مئات الآلاف، إلا أن الواقع يشير أن بشار الأسد كان متماسكًا وثابتًا طوال الفترة الماضية.
نعم، إنه دكتاتور، ونعم، قد يكون المسؤول عن تفكك بلاده بهدف الحفاظ على نظامه فقط، ولكن خلال هذه الأزمة تبين أن الأسد هو حاكم عنيد فعلًا.
قد تقول إنه قد حرض على العنف، ومما لا شك فيه أنه أيضًا مهندس الحرب الأهلية التي مزقت الدولة السورية، ولكن الأسد أفصح مقدمًا عن نواياه في أكثر من مناسبة، فمنذ بداية الانتفاضة السورية في مثل هذا الشهر قبل أربع سنوات، صرّح الأسد بوضوح أنه سيدافع عن حكمه بغض النظر عن النتائج والآثار التي قد تنجم عن ذلك.
أنا ومن بعدي الطوفان
الأسد كان واضحًا منذ البداية، إن رحل سترحل البلاد معه بلا عودة، وإن انهار نظامه ستنهار الدولة بغض النظر عن تكلفة ذلك على سوريا والسوريين، وعندما تمت مواجهته مع احتمالية التدخل الدولي لوقف العنف وشلال الدم، حذر الأسد من “زلزال” ومن “عشرات النماذج الأفغانية”.
إنه لم يلطّف أو يتصنع كلماته، ولم يقلها بخجل أو مواربة، هدد بصراحة أنه سيقاتل بجميع الوسائل التي في متناول اليد حتى النهاية.
وبصرف النظر عن استخدامه للأسلحة الكيميائية، قام نظام الأسد بتطوير سلاح إستراتيجي “خارق” متمثل بالبراميل المتفجرة التي لا تقل فتكًا وتدميرًا – وربما تزيد – عن الأسلحة الكيميائية، فهذه البراميل المحشوة بمتفجرات الـTNT وبالمواد المحترقة وقطع الحديد والفولاذ الحادة، يتم إسقاطها من الجو على المدن السورية مثل حلب، حيث تتسبب بضحايا كارثية ورهيبة ومفجعة على البشر والحجر على حد سواء.
الأسد كان مصرًا منذ البداية أنه سيبذل كل ما في وسعه لتحقيق مآربه، وأنه سيشن حملة رهيبة مكللة بالموت والدمار تحت ذريعة محاربة الإرهابيين، والآن، وبعد أن أصبحت نصف سوريا تحت الحصار، والنصف الآخر مدمر، الأسد لم يتزعزع.
الديكتاتور الديمقراطي
ما بدأ قبل أربع سنوات كاحتجاجات سلمية للمطالبة بتحقيق العدالة والإصلاحات المحدودة، سرعان ما تحول إلى ثورة وطنية عارمة تطالب بالتغيير السياسي، ولكن بدلًا من تخفيف القمع والتصالح مع المعارضة وتلبية طلباتها، ضرب نظام الأسد مرة أخرى بقبضة حديدية، وكرد فعل على هذا العنف، تسلحت حركة الاحتجاج للدفاع عن نفسها، ونما الصراع ليصبح أكثر عنفًا وفوضوية.
ولكن بالنسبة للأسد، الانتفاضة السورية – وأتجرأ على القول الثورة السورية – كانت “مهزلة”، وعبارة عن “ربيع وهمي”، ومؤامرة ضد وجود سوريا سيدفع لقاءها العرب والأوروبيون ثمنًا باهظًا.
سوريا ليست مثل تونس أو مصر، فهي محكومة بنظام وطني مدعوم شعبيًا يقوده الأسد شخصيًا، ولإثبات وجهة نظره هذه، عدّل الأسد الدستور السوري وأصرّ على الترشح للانتخابات، ومرة أخرى أثبت الأسد أنه راسخ ولا يتزعزع؛ فبعد أن وصل عدد السوريين الذين قضوا بالنزاع إلى حوالي 200.000 شخص، توجه الطاغية المفتخر بأعماله إلى صندوق الاقتراع، وفاز بنسبة “مفترضة” تبلغ 88.7% من الأصوات، في الوقت الذي لم يستطع أو لم يرغب فيه سوى عدد قليل بالتصويت ضمن هذه الانتخابات.
تبع هذا النجاح حفل تنصيب مبهر، جرى في خضم انهيار الدولة، ووسط ملايين المشردين، ومئات آلاف المصابين والمقتولين، حيث ظهرت الحشود السعيدة التي تحتفل وتهتف بانتصار الزعيم المفدى ومنقذ الشعب.
ولكن الأمور لم تكن بهذه الروعة الذي تبدو عليها، كون “سوريا كانت تدخل في عصر الظلام، حرفيًا ومجازيًا” كما صرحت مجموعة من العلماء الذين انتهوا إلى أن “83% من أضواء سوريا انطفأت منذ بداية النزاع” كما توضح الصور الفضائية الملتقطة لسوريا، ووفقًا لوكالات المعونة ثبت أن عام 2014 هو الأسوأ الذي يمر حتى الآن على المدنيين السوريين، بعد أن تم تدمير وطمس ثروة البلاد وبنيتها التحتية ومؤسساتها وجزء كبير من قوتها العاملة.
ومع ارتفاع عدد القتلى، وازدياد الضحايا، واشتداد الغضب وتنامي الحنق، مازال الأسد ثابتًا على التحدي مع ميل متزايد نحو العنف.
أنيق ورصين
أربع سنوات، وأربعة ملايين لاجئ، ومئات الآلاف من الضحايا، غيّروا وجه سوريا إلى الأبد، ولكنهم لم يغيروا الأسد، فهو على ما كان عليه، لايزال بشكل جيد وبهندام أنيق.
حيث قال مراسل بي بي سي جيرمي بوين الشهر الماضي: “كنت أتوقع أن يظهر على الرئيس بعض علامات الإجهاد أو التوتر، لكنه لم يتغير بشكل ملحوظ منذ آخر مقابلة كنت قد أجريتها معه في عام 2010″، وأضاف “زعماء الغرب غالبًا ما تبدو عليهم علامات التقدم بالعمر وهم خلف مكاتبهم، ولكن الرئيس الأسد، الذي يبلغ 49 عامًا، لم يبد عليه – من الناحية الجسدية – أنه يبالي كثيرًا بما يحدث خلال السنوات القليلة الماضية”.
ولكن هل الأسد بكامل وعيه؟ الأسد نفى بشكل قاطع استخدامه للبراميل المتفجرة خلال الأزمة رغم أن استخدامها موثق بشكل واضح وصريح وبأكثر من مناسبة، كما نفى عرقلته لوصول المساعدات الإنسانية للشعب السوري رغم توثيق مطالبة أكثر من 21 منظمة إغاثية للنظام السوري بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية، باختصار، الأسد ينفي أي مسؤولية مترتبة على كاهله فيما يتعلق بالكارثة السورية الجارية.
وهنا نتساءل، هل هو في حالة إنكار كلي؟ أم أنه فقط عنيد كما كان والده في عقوده الديكتاتورية الثلاثة التي حكم فيها معتبرًا أنه إذا حافظ على موقف واحد فإن العالم سوف يلتف ويصدق هذا الموقف في نهاية المطاف؟
للأسف، البعض يروّج في الواقع لطرح سخيف يزعم أنه طالما أن الأسد هو جزء من المشكلة، فإنه كذلك جزء من الحل، ومن المؤكد أن مثل هذا الطرح يوجه رسالة إلى جميع أنحاء العالم متمثلة بأن قتل عدد كاف من شعبك، قد يحفظ لك سلطتك ونظامك.
ربما يحاول الأسد أن يظهر واثقًا وثابتًا تمامًا أسوة بغيره من القادة في زمن الحرب ضمن الأوقات الصعبة، ولكنني أرى ومن خلال تحليل خطابه وتصرفاته، أن الأسد ليس لديه أدنى شك على الإطلاق حول صواب الطريق الذي يسلكه.
هذا النوع من العقليات الخطيرة – وربما الفاشية – التي يشترك بها بشار مع قادة داعش، ليست قادرة فقط على تدمير سوريا، إنما تعمل أيضًا على تمهيد الطريق لخراب المنطقة بأسرها.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية