دليلك الكامل لفهم الحرب الطاحنة بين شركتي آبل وسامسونج

كان ذلك في الرابع من أغسطس عام 2010 عندما دفعت مجموعة صغيرة من المسؤولين التنفيذيين في شركة آبل الباب الدوار للبرج العالي في وسط مدينة سيول الكورية، غاضبين ومستعدين تمامًا لإطلاق رصاصتهم الأولى في معركة ستُعرف فيما بعد بالمعركة الأكثر دموية في تاريخ الشركات حتى الآن.
منذ سنوات ونحن ندرك وجود حرب تكسير عظام بين الشركتين العملاقتين آبل وسامسونج، لكن الخيوط دائمًا بدت أكثر تشابكًا من القدرة على الوصول إلى أول الخيط، أو فهم الملابسات، إننا نقف أمام الغبار الكثيف للمعركة الطاحنة دون أن نفهم كيف بدأ الأمر، وكيف سينتهي، ومن الذي يسدد الضربات الآن ولماذا، ومن الذي فاز ومن خسر، فنضطر للتخلي عن المسألة، ونعود لتصفح شاشة هاتفنا المحمول ثانية معزين أنفسنا بأن الأمر لا يعنينا وأنه لن يؤثر علينا بشكل من الأشكال، ولكن، ألا يعنينا الأمر حقًا؟ إليك دليلك الكامل لفهم الحرب المدمرة التي تدور منذ أربع سنوات كاملة حتى الآن بين شركتي آبل وسامسونج.
المعركة أقدم مما نتخيل: ما الذي كان يجري تحت الطاولات؟
في التسعينات انعكست الطفرة الاقتصادية التي حدثت في اليابان على الشركة الكورية، لكنها مع ذلك بقيت ذات سمعة بإنتاج المنتجات الرديئة أو المقلدة الرخيصة، وهنا عند هذه النقطة قرر المديرون التنفيذيون في سامسونج أن يفتحوا بابًا خلفيًا جديدًا للأرباح، وذلك عبر التنسيق مع منافسيهم في السوق على أسعار موحدة لا يخفّض عنها للمنتجات التي يصنعونها، وهذا غير شرعي.
وقد قامت الشركة بتنفيذ الخطة، دعت منافسيها من كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة واليابان، وثمانية دول أخرى على الأقل إلى الاجتماع الأول الذي سمته “الاجتماع الزجاجي” في سرية تامة، واتفقت معهم على توحيد وتثبيت سعر أنابيب شعاع الكاثود والتي كانت حينها التكنولوجيا الأمثل للاستخدام في التلفزيونات وشاشات الكمبيوتر، بعد ذلك تتابعت اجتماعات سميت بـ”الاجتماعات الخضراء” لأنها كانت تتميز بجولات لعب الجولف المصاحبة لها، واتفقوا جميعًا على رفع الأسعار بشكل جماعي وتوحيدها، والتوقف عن تصنيعها لبعض الوقت، وبذلك يجنون هامش ربح عالٍ أفضل من ربحهم بسبب التنافس مع بعضهم.
نجاح مؤامرة شاشات الكاثود دفع الشركة لاتخاذ تكتيكات مشابهة للربح غير الشرعي، ففي عام 1998 تحدث مدير شركة سامسونج بخصوص الشاشة الجديدة إل سي دي L.C.D، مع ممثلي شركتين منافستين هما “شارب” و”هيتاشي”، ووافقوا جميعًا على رفع سعرها معًا، وقام بنفس العمل عام 2001 مع شركة منافسة أخرى تسمى Chunghwa Picture Tubes.
لكن الأمر لم يبق قيد السرية كثيرًا، ففي عام 2006 بدأت الشائعات تتناثر بين المخططين أن أحد ضحاياهم التي يورّدون لها وهي شركة رمزوا لها باسم سري كان (NYer) بدأت تتشكك أنهم كانوا يزورون الأسعار، وبدأوا بالشعور بالخوف أن هذه الشركة قد تبدأ بتحريك تحقيقات جنائية ضدهم من قبل الحكومة الأمريكية، هذه الشركة كانت في الحقيقة: شركة آبل!
الملاحقة تبدأ: سامسونج تبدأ في الركض
كشفت سامسونج أمام برنامج مكافحة الاحتكار التابع لوزارة العدل عن شركائها كمحاولة للتضحية بهم وكسب نقاط لكن ذلك لم ينقذها، فقد كان لايزال عليها أن تدفع مئات ملايين الدولارات كي تسوي كل الدعاوي التي أُقيمت ضدها بسبب شاشات إل سي دي، لكن هذا لم يحدث بسبب شكوك شركة آبل فقط، وإنما بسبب إمساك شركة كانت قد اشتركت معها في مؤامرات لتثبيت سعر مكوّن يستخدم لذاكرة الكمبيوتر يسمى DRAM، وعندها وافقت سامسونج أن تدفع 300 مليون دولار للحكومة الأمريكية، كما رضخت للحكم الذي قضى بأن ستة من مسئوليها التنفيذيين مذنبين، ووافقوا أن يقضوا أحكامًا بالسجن من 7 إلى 14 شهرًا في السجون الأمريكية، بعدها قال جيهوان تشي نائب الرئيس التنفيذي للشؤون القانونية إن لديهم الآن التزامًا قويًا بالقانون في الشركة سواء في أمريكا أو أسيا أو أفريقيا، كما أن الموظفين جميعًا يتلقون تعليمًا الآن بخصوص القواعد والقوانين كل سنة، وأصبحت لديهم سياسات واضحة وشفافة وطاقم من المحامين الاستشاريين.
إرهاصات المعركة الأكبر في تاريخ الشركات: ما الذي كان يحدث أيضًا خلف الستائر؟
قبل أن تعلن سامسونج عن التغييرات وفتحها لصفحة جديدة، كانت هناك حكايات عمّا هو أكثر من مجرد الاحتكار، ففي عام 2007، فجر الموظف الأعلى السابق للشؤون القانونية في شركة سامسونج كيم يونج تشول مفاجأة قائلاً إن شركة سامسونج واحدة من أكثر الشركات فسادًا في العالم!
فقد اتهم كيم والذي كان مدعيًا عامًا لامعًا في كوريا، المديرين التنفيذيين رفيعي المستوى في الشركة بالرشوة وغسيل الأموال وإخفاء الأدلة، وسرقة ما يزيد على 9 مليارات دولار، وجرائم أخرى، وفساد غير مسيطر عليه في الشركة كتب عنها في كتاب توثيقي.
بدأ بعدها تحقيق جنائي في كوريا عقب هذه الاتهامات، ركزت في البداية على ما قاله كيم بخصوص تخصيص الشركة لصندوق مالي لرشوة السياسيين والقضاة والادعاء العام، ليقتحم محققو الحكومة منزل ومكتب لي كون هي رئيس شركة سامسونج في عام 2008، وتتم إدانته بالتهرب من 37 مليون دولار من الضرائب حكم عليه بسببها بالسجن ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ ودفع غرامة تقدر بحوالي 89 مليون دولار، ولكن بعد سنة ونصف، أصدر رئيس كوريا الجنوبية قرارًا بالعفو عن لي!
أين ذهبت إدعاءات الرشوة إذن؟ أعلن الادعاء العام في كوريا الجنوبية أنهم لم يجدوا أدلة على مزاعم كيم، ما دفع كيم بإصدار قائمة لمدعين عامين قال إنهم شاركوا شركة سامسونج في الرشوة بشكل شخصي، وفوق هذا كان هناك ادعاء من نائب كوري أن شركة سامسونج كانت قد عرضت عليه قبلاً حقيبة جولف محشوة بالنقود، كما أعلن مساعد سابق للرئيس أنهم قد عرضوا عليه هدية نقدية فورية تقدر بحوالي 5,400 دولار لكنه أعادها، وقال كيم في كتابه الذي نشره في 2010 إنه أراد بنشر كتابه هذا أن يضع “سجلاً” لاتهاماته، لكن شركة سامسونج ردت على مزاعم الكتاب بأنه ليس أكثر من مجرد “فضلات”.
الجبهة الثالثة: الفائز هو الأطول نفَسًا
نحن الآن في عام 2010، وفي هذا العام كان لدى سامسونج ثلاث جبهات مفتوحة؛ الأولى كانت فضائح الاحتكارات، ثم الرشاوي وغسيل الأموال، والجبهة الثالثة كانت براءات الاختراع.
فبينما كانت الشركة في نشوة انتصار غير مسبوق بكونها أول شركة في تاريخ كوريا تحقق مبيعات أعلى من 86 مليار دولار، واحتلالها للمركز الثاني في تسجيل براءات الاختراع في الولايات المتحدة، بوغتت بهزيمة أيضًا غير مسبوقة، فقد حكمت محكمة لاهاي بوقف جميع واردات أوروبا من سامسونج بسبب انتهاكها لحقوق ملكية شركة “شارب” اليابانية فيما يخص شاشات L.C.D، في نفس الوقت الذي كان الأمر يأخذ فيه منحنى تصعيديًا في أمريكا حيث بدأت لجنة التجارة في حجب هذه الشاشات، لكن سامسونج اتبعت أسلوبها المعروف عندما تضبط متلبسة، خير وسيلة للدفاع الهجوم، فرفعت قضايا انتهاك الملكية الفكرية على شركة شارب، ومع طول أمد عملية التقاضي، كانت حصة سامسونج في السوق تتقدم، فقد بلغت 23.6 بالمئة من سوق الشاشات في الوقت الذي لم تتجاوز فيه شارب خمسة بالمئة؛ ما دفع شركة شارب إلى طلب تسوية في الوقت الذي أوشكت منتجات سامسونج أن تمنع بالفعل.
سامسونج فعلت نفس الشيد مع شركة “بايونير” اليابانية متعددة الجنسيات والتي كان لديها حقوق الملكية الفكرية لتلفزيونات البلازما، فقد قررت سامسونج هذه المرة أيضًا أن تستخدم الاختراعات دون أن تدفع ثمنًا لذلك الاستخدام، فقاضتها بايونير في محكمة فيدرالية، لتقوم سامسونج بمقاضاتها أيضًا، ويحكم على سامسونج بتعويض 59 مليون دولار بسبب مذكرة من مهندس في سامسونج نصت بوضوح أن الشركة كانت تنتهك براءات الاختراع الرائد، لكن، بالكثير من الاستئنافات والاستنزاف في المعارك فإن شركة بايونير المتعثرة ماليًا رضخت لتسوية مع سامسونج بمبلغ لم يتم الكشف عنه، لكن الأوان كان قد فات، فقد أعلنت بايونير بعدها بفترة إغلاقها للقسم الخاص بتصنيع التلفاز، وتسريح 10 آلاف موظف من العمل.
في عالم موازٍ:آبل تقاتل بشكل آخر
فيما قبل عام 2007، في الوقت الذي كانت سامسونج تخوض فيه اجتماعات الاحتكار السرية والدعاوى القضائية وبراءات الاختراع كانت شركة آبل تقاتل بشكل سري لأجل شئ آخر تمامًا، شيء لن يعود العالم بعده كما كان.
على الباب الأمامي للمبنى السري الذي تحرك إليه فريق آبل علقت لافتة كتب عليها “نادي القتال”، وهي ترجع لعنوان فيلم شهير بهذا الاسم، لتذكير العاملين بقواعد نادي القتال، وأولها، لا تتحدث عن نادي القتال!
السرية كانت أهم شيء، في البداية شغلوا طابقًا واحدًا، لكن المساحة التي شغلوها أخذت تتمدد شيئًا فشيء، وكانت هناك أماكن على الشخص أن يمر خلال أربعة أبواب مغلقة كي يستطيع الوصول إليها، ولا تفتح إلا ببطاقة هوية خاصة، كما أبقيت كاميرات المراقبة مفتوحة أربعًا وعشرين وساعة.
وكانت المجموعة التي عملت على الآيفون مكونة من خمسة عشر شخصًا، عملوا معًا لسنين طويلة، كانوا مجتمعين حول طاولة مطبخ في المبنى، متبادلين الأفكار والمسودات والأوراق، لتمرر الأفكار التي اجتازت الانتقادات وتنفذ على الكمبيوتر، ثم يترجم أخيرًا في شكل ثلاثي الأبعاد، وتجرب كل عملية مئات المرات، إلى درجة أن كل زر قد تم ضغطه خمسين مرة، تناقشوا بخصوص أدق التفاصيل، عرض الهاتف وطوله وزواياه، لكنهم كتبوا على ظهره كلمة “آيبود”، لقد بلغت درجة السرية أن باقي الفريق لم يكن يعرف أنه يعمل على هاتف!
كانت درجة مخاطر معرفة الأمر عالية، لذلك لم يرد ستيف جوبز لأي منافس أن يعرف أن شركة آبل على وشك خوض سوق الهواتف الذكية أيًا كان، فقد تحاول تطوير هواتفها حينئذ بشكل حقيقي، وستيف لم يكن يريد التنافس مع هدف متحرك.
لذلك كانت له قوانين عسكرية صارمة؛ لا يمكن تعيين أي أحد من خارج الشركة لأجل “المشروع الأرجواني” والذي أطلق عليه كذلك نسبة للون المبنى، كل العمليات التصميمية والهندسية والاختبارات تبقى محاطة بالكتمان، ثم وكل نائبه سكوت فورستال كي يطور البرمجيات الخاصة بهذا المشروع، وأعطاه الإذن بأن يستعين بالموظفين لكن دون إخبارهم بما يعملون عليه.
اللحظة التاريخية تفرض نفسها: ولادة الآيفون
كان ذلك في الساعة التاسعة وأربع عشرة دقيقة صباحًا من أحد أيام شهر يناير عام 2007 وآلاف الحشود تنتظر خارج مركز موسكون وهو أكبر مجمع للمؤتمرات والمعارض في سان فرانسيسكو، عندما فتحت الأبواب فجأة ليدخل الجميع وسط ألحان موسيقى كولدبلاي ونارلز باركلي وغوريلاز، ثم صعد جوبز على المنصة مرتديًا الجينز المعتاد وقال كلمته المنتظرة: “سوف نصنع التاريخ اليوم معًا”، ليعلن وسط التصفيق الحار عن أجهزة الماكينتوش وتلفاز آبل وقام بمهاجمة ميكروسوفت بعض الشيء، ثم قال أخيرًا إنه كان ينتظر هذا اليوم منذ سنتين ونصف، فصمتت الغرفة تمامًا، لقد عرف الجميع أن شيئًا عظيمًا سيقال الآن. قال جوبز إنه من فترة لأخرى يأتي منتج ثوري ما يغير كل شيء، ثم قال إنهم اليوم يدخلون ثلاثة منتجات من هذا النوع، الأول هو آيبود له شاشة كبيرة يتم التحكم بها باللمس، والثاني هو هاتف محمول، والثالث هو جهاز يتصل بالإنترنت، ثم فجر المفاجأة حين قال إن هؤلاء الثلاثة قد جمعهم في شيء واحد، اسمه “آيفون”، لتضج القاعة بتصفيق لا يتوقف.
دون إنذار، الآيفون: دلو الماء البارد الذي هطل على رأس الجميع
هاتف يتمتع بوظائف الإنترنت الكاملة والبريد الإلكتروني، وشاشة تعمل باللمس، بالإضافة إلى مجموعة من المزايا غير المسبوقة، في البداية سخرت شركات الهواتف الذكية صراحة من الآيفون، وسخروا من أمل ستيف جوبز بأن يبيع 10 مليون قطعة في عام 2008، بدت شركة آبل حينها كطفل صغير يريد اللعب مع الكبار.
فقد قال جيم بالسيلي المدير التنفيذي لشركة هاتف البلاك بيري أن الأمر ليس أكثر من مجرد وافد جديد على ساحة لم يعد بها مكان لأحد، أما ستيف بالمر المدير التنفيذي لمايكروسوفت فكان تعليقه أكثر قسوة حين قال إنه لا توجد فرصة للآيفون كي ينال أي حصة ذات أهمية من السوق.
في البداية بدت توقعاتهم صحيحة في أول تسعة شهور من عام 2008، فقد كانت المبيعات أقل من نصف ما توقعه جوبز، لكن حدثت بعد ذلك طفرة مهولة حين أدخلت آبل الجيل الثاني من الآيفون، كان الطلب عليه ضخمًا جدًا، إلى درجة أن الهواتف لم تكن تقضي وقتًا على الأرفف، فقد باعت آبل في ثلاثة شهور فقط أكثر من كل مبيعاتها السابقة بـ6.9 مليون قطعة، وبحلول الربع الأخير من سنة 2009 كانت قد باعت حوالي ثلاثين مليون قطعة!
آبل التي كانت لا تملك شيئًا منذ ثلاث سنين فقط أصبحت تمتلك فجأة 16% من السوق الإجمالية للهواتف الذكية محتلة المركز الثالث، بينما لم تكن لدى شركة سامسونج حصة تذكر، إنها حتى لم تكن بين الخمسة الأوائل.
فبراير 2010: الهدوء الذي يسبق العاصفة
دعت سامسونج لاجتماع طارئ ضم ثمانية وعشرين مديرًا تنفيذيًا من مديريها لمناقشة الوضع الذي وصفته بـ”حافة كارثة”، فهواتف الشركة كانت خاسرة، ردود فعل المستخدمين غير راضية، والآيفون منتصر، وبحسب مذكرة لخصت ما جرى حينذاك، قال رئيس الاجتماع إن لديهم كميات كبيرة ونوعية سيئة، فمصممو الشركة يلهثون خلف أكبر عدد ممكن، وهذا يضيّع الجودة في الطريق، وقال إن الكمية غير مهمة، المهم أن يكون لدينا نموذج واحد فقط أو اثنان، لكن باكتساح! وقال إنهم كانوا يركزون أعينهم على نوكيا فقط كمنافس، لكن الآيفون كان المنافس غير المتوقع، ظهر فجأة ليجعل الفرق بينهم وبينه كالسماء والأرض، كانت رسالة سامسونج واضحة: نريد موديلاً سريعًا جميلاً وسهلاً، نحتاج إلى “الآيفون” الخاص بنا، وكونوا فرق طوارئ للعمل على إنهاء هذا النموذج بأسرع ما يمكن، وكان ضغط العمل حينذاك كبيرًا لدرجة أن بعض موظفيها لم يكن يستطيع النوم أكثر من ساعتين أو ثلاث في اليوم.
تشريح الآيفون: سامسونج تتحول إلى خلية نحل
في غضون أقل من شهرين كان فريق المهندسين الخاص قد حلل كل تفصيلة من هاتف الآيفون، وقارنوها بهاتف سامسونج الذي مايزال قيد الإنشاء، كتب الفريق تقريرًا قدموه إلى رؤسائهم وصلت عدد صفحاته إلى 132 صفحة، لم يتركوا فيه تفصيلة واحدة دون تحليل وافٍ، وشيئًا فشييء بدأ النموذج الجديد من سامسونج يشبه الآيفون في الشكل والوظيفة، أصبحت الأيقونات على الشاشة الرئيسة متشابهة في زواياها الدائرية، والحجم، والإيحاء بوجود عمق عبر البريق العاكس للصور، كما أن أيقونة الهاتف تحولت من رسم لوحة مفاتيح إلى واحدة مطابقة للآيفون، والزجاج الذي يغطي وجه الهاتف، وزر الصفحة الرئيسية بالأسفل، كل شيء كان متشابهًا.
وفي لقاء مع المديرين التنفيذيين لشركة جوجل المسؤولة عن الأندرويد الذي سيقوم عليه هاتف سامسونج انتبه مديرها التنفيذي لهذا الشبه ونقل إليهم مخاوفه، واقترح أن تحدث بعض التغييرات، لينقلها مصمم في شركة سامسونج ويرسل بهذه الملاحظات بالبريد الإلكتروني إلى رفاقه في الشركة، قائلاً إن عليهم البدء بالتغيير، خاصة الصفحة الرئيسية.
في نهاية ذلك الشهر كانت سامسونج تعقد نسختها الخاصة من المؤتمر الصحفي لستيف جوبز، ففي 23 مارس 2010 كانت الحشود أيضًا تصطف خارج المعرض التجاري اللاسلكي في لوس أنجيلوس، والأضواء تغطي المسرح الذي خرج عليه جي كي شين رئيس قسم الهواتف المحمولة في سامسونج ليعلن عن التطورات التي شابهت ما أعلنته آبل أيضًا، قبل أن يخرج من جيب سترته هاتف سامسونج جالاكسي إس وسط التصفيق الحاد، ورغم تنبيه مدير جوجل التنفيذي إلا أن جالاكسي كان نفس الآيفون بالضبط، عدا علامة سامسونج بالأعلى!
أغسطس 2010: الطلقة الأولى تكسر الصمت
وصلت نسخة من جالاكسي إس إلى فريق آبل في كاليفورنيا بصدمة وذهول، لقد اعتقدوا أن الأمر كان قرصنة بينة وفجة، لقد كره ستيف جوبز جالاكسي إس بعنف وأخذ يسميه بـ”الهاتف المسروق”، فمن الشكل الخارجي ككل، إلى أيقونات الشاشة، حتى الخواص المميزة مثل خاصية (ارتداد شريط المطاط) عندما تحرك شاشة المتصفح مثلاً لأسفل فترتد لأعلى كالمطاط، وخاصية تكبير الصورة عن طريق تحريك إصبعي الإبهام والسبابة معًا على الصورة.
وأصيب “ستيف جوبز” بالحنق الشديد عليهم، فالشركة التي كانت مجرد ممد لآبل بالمعدات والشاشات أصبحت الآن منافسًا لها، وسرقت تعب فريقها وسنوات العمل المستمر، وسوف تقاتلها بسلاحها ذاته، وتناقش ستيف جوبز وتيم كوك مع رئيس سامسونج جاي واي لي في يوليو ليعبروا عن قلقهم بخصوص ما لاحظوه من التشابهات بين الهاتفين، لكنهم لم يتلقوا ردًا مرضيًا.
لكن آبل حينذاك كانت منشغلة بالكثير، فقد أطلقت في نفس الوقت “الآيباد” الجهاز اللوحي لشركة آبل ليكمل عمل الآيفون، كما انشغلت بمبيعاتها المتصاعدة وإنتاج المزيد، لكن، بعد دخول هاتف جالاكسي إس للأسواق العالمية بدأ ستيف جوبز يركز على ما أسماه “سرقة” سامسونج لهم، لكن تيم كوك الرئيس التنفيذي وخلفه المستقبلي نصحه بألا يكشر عن أنيابه الآن، فسامسونج في النهاية أحد أهم المورّدين الذين تعتمد عليهم آبل في المعالجات والشاشات والعناصر الأخرى، والقتال معهم الآن سوف يتسبب بخسارة آبل لأشياء يستند عليها الآيفون والآيباد.
بعد أسابيع من الكلام الدبلوماسي قرر ستيف جوبز أنه سئم من المجاملات والطلبات الباسمة والإلحاح، لذلك فقد أخذ فريق شركة آبل تكتيكًا جديدًا عندما اجتمع مع الدكتور سنقهو آهن نائب رئيس سامسونج وكتلة كبيرة من المهندسين الكوريين والمحامين الذين كانوا بانتظارهم في أرفع قاعة مؤتمرات لديهم.
بعد انتهاء المجاملات المعتادة قام شيب لوتون مستشار شركة آبل المساعد لحقوق الملكية الفكرية بتشغيل عرض باور بوينت عنوانه “استخدام سامسونج لاختراعات آبل المسجلة”، ثم قام بشرح التشابهات التي اعتبرها صريحة، لكن مديري سامسونج التنفيذيين لم يظهروا أي ردة فعل.
وهنا قرر لوتون أن يتكلم بصراحة مباشرة: جالاكسي استنسخ الآيفون!
رد عليه آهن نائب الرئيس أنه لا يفهم المقصود ب”نسخ”، ليؤكد لوتون الكلام، فانبرى آهن في الدفاع صارخًا بجمل مثل: كيف تجرؤ على اتهامنا بذلك؟، ثم أردف أن لهم باعًا طويلاً في رحلة صناعة الهواتف، وأن لديهم براءات الاختراع الخاصة بهم، وآبل بالتأكيد تنتهك بعضًا منها، وهنا كانت الرسالة واضحة جدًا، إذا قاضيتمونا بتهمة السرقة، فسوف نقاضيكم نحن أيضًا بنفس التهمة، تم رسم خطوط المعركة، وربما لم يكن هناك أحد يعرف حينذاك أن الشهور والسنين القادمة تحمل معركة ضارية وتاريخية، تنزف فيه الشركتان أكثر من مليار دولار في المعارك القضائية وملايين الأوراق من الادعاءات والمرافعات والأدلة ومئات من ساعات الاستماع المهدورة في المحاكم.
مرت الأسابيع دون أي رد من سامسونج، ولم يعد ستيف جوبز يتحمل المزيد من الصبر، فقاموا بعقد لقاءات أخرى في كوبرتينو وواشنطن، قام فيها ممثلو آبل بعرض فرصة لتسوية يسمح فيها ستيف جوبز لسامسونج باستخدام بعض الابتكارات مع دفع حقوق استخدامها، والتوقف عن استخدام الابتكارات التي تميز آبل، لكن المفاوضات لم توصل إلى شيء، ما أثار غضب جوبز ورغبته في جرجرة الشركة إلى المحاكم، وبدء القتال، لكن تيم كوك بقي يحثه على الصبر.
لكن جدار الصبر تهاوى تمامًا في مارس 2011 عندما أصدرت سامسونج أحدث كمبيوتر لوحي لها ذي الشاشة التي يبلغ طولها عشر إنشات، وكان الصدمة الثانية غير المحتملة لشركة آبل: لقد كان نسخة من “الآيباد2”!
أبريل 2011: سقوط أول قطعة من الدومينو
في 15 أبريل من العام 2011 رفعت شركة آبل قضية فيدرالية في كاليفورنيا ضد سامسونج بتهمة التعدي على حقوق الملكية للآيفون والآيباد، وبدا أن ساسونج كانت مستعدة لهذا الهجوم، فقامت برفع دعاوى مضادة بعد عدة أيام فقط في كوريا واليابان وألمانيا والولايات المتحدة متهمة آبل بانتهاك ملكيتها في اختراعات تخص تكنولوجيا الاتصال بين الهواتف، وفي نهاية المطاف، أصبحت هناك دعاوى ومعارك قائمة بين الشركتين في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واسبانيا وأستراليا وهولندا
تكتيك سامسونج المقدس: الهجوم خير وسيلة للدفاع
لم تكن هذه هي المعركة الأولى لسامسونج بخصوص انتهاك حقوق الملكية والاختراعات، فقد دأبت قبل ذلك على تجاهلها مع العديد من الشركات، وعُرفت بسياسة معينة ما إن يتم الإيقاع بها؛ فتكتيك الشركة المعروف عندما تقاضيها أي شركة هو: ارفع دعوى مضادة، اخسر، أجل القضية، استئنف، ثم وأخيرًا عندما تلاحظ أن الهزيمة قد أصبحت وشيكة، اعقد مصالحة.
وقد قال محام متخصص في براءات الاختراع يدعى سام باكستر والذي سبق أن مثل شركة سامسونج مرة ومثل شركة إريكسون أيضًا إن شركة إريكسون لا تكذب، حتى لو كان أمر حياة أو موت، أما شركة سامسونج فهي لا تقول الصدق، حتى لو كانت حياتها أيضًا، متوقفة على ذلك.
لكن المديرين التنفيذيين لسامسونج نفوا هذا الأمر، وقالوا إن الآخرين لم يفهموا هذا التكتيك جيدًا فحسب، فالحقيقة أن سامسونج تحتل المراكز الأولى في براءات الاختراعات كل سنة، وبالتالي فإن لديها ملكية متسعة، لذلك تجد دائمًا أن الشركات أخرى قد استخدمت منها شيئًا ما، لكنها لا تلقي بالًا للأمر حتى تقرر هذه الشركة أن تقاضيها لسبب ما، فتخرج سامسونج الملفات القديمة وتبدأ بتسديد ضرباتها عبر الدعاوي المضادة.
لن تكون حربًا سهلة: آبل غير مستبشرة
في هذه الأيام كانت معارك سامسونج على الأصعدة الأخرى مستمرة، فيما يخص قضايا الفساد، وقام في هذه الأثناء محققون من منظمة مكافحة الاحتكار في كوريا بمحاصرة منشأة تابعة لسامسونج للقيام بتفتيش مفاجئ عليها بحثًا عن الأدلة، وعندها بدأ الشد والجذب، فقد قام رجال الأمن بمنعهم من الدخول، ليعقب ذلك مواجهة قام فيها المحققون بالاتصال بالشرطة، ليقتحموا مقر الشركة أخيرًا بعد نصف ساعة من التأخير، ممتلئين بالفضول عما كان الموظفون يحاولون إخفاءه، ولذلك تحفظوا على كاميرات المراقبة الداخلية الخاصة بالشركة ومشاهدة الفيديوهات، ليشاهدوا ما لم يخطر على البال، فبينما كان المحققون يطرقون الأبواب بالخارج، كان الموظفون يدمرون المستندات ويبدلون الحواسيب التي يعملون عليها بحواسيب أخرى، أو يدمرون البيانات التي عليها، كانت حالة عارمة من الفوضى الداخلية.
بعد ذلك بسنة كان هناك فريق قانوني من آبل قد طار إلى كوريا بسبب إجراءات القضايا وسمعوا حينها عن تلك الحادثة، وتقصوا أشياء أخرى، فقد اتصل الفريق بالمهندسين والمصممين الذين كانت أسماؤهم على براءات اختراع شركة سامسونج، وسألوهم هل هم من اخترعها فعلًا؟ فأجابوا بالموافقة، لكنهم تلعثموا عندما سألهم الفريق عن تفاصيل تقنية فيما يفترض به أن تكون اختراعاتهم.
كما تناهى إلى سمع آبل حينها تفصيلة غريبة حدثت في ذلك اليوم، فقد قيل إن أحد موظفي شركة سامسونج قد أخذ في ابتلاع المستندات قبل أن يداهم المحققون المكان، ولم يستبشروا عندها، فقد قالوا ساخرين: كيف تدخل في معركة قضائية مع شركة قد يبلغ إخلاص موظفيها لها حد ابتلاع أدلة قد تدينهم؟
المعركة تحتدم: احذر أن تصيبك رصاصة طائشة
كانت هناك لحظات تجاوزت حدود العقل، فأحد براءات الاختراع التي تعاركت آبل بخصوصها كانت صورة لمستطيل مستدير الزوايا، ليس خاصية مميزة، هذا المستطيل فحسب! صحيح أن الأمر بدا سخيفًا، لكنه بدا مهمًا عمليًا، عندما قامت القاضية الفيدرالية لوسي كوه بإمساك الآيباد والجالاكسي وطلبت من محامية سامسونج أن تحاول التفريق بينهما، وعندها ردت المحامية: عفوكِ سيدتي، المسافة بعيدة ولا أستطيع، مع أنها كانت عشرة أقدام فقط.
سامسونج وآبل: من الذي يضحك أخيرًا؟
حتى الآن، لا منتصر، لا أحد حصل على نصر كامل في حرب براءات الاختراع، ففي كوريا الجنوبية حكمت المحكمة أن آبل انتهكت براءتي اختراع لسامسونج بينما انتهكت سامسونج واحدًا، وفي طوكيو رفضت المحكمة ادعاء آبل وأمرتها برد تكاليف المحكمة لسامسونج، أما في ألمانيا فقد حكمت المحكمة بمنع بيع الجهاز اللوحي “جالاكسي تاب 10.1” لأنها رأت أنه يشبه الآيباد كثيرًا، أما في بريطانيا فقد حكمت المحكمة لصالح سامسونج معتمدة على أساس غريب، فقد قالت إن تابلت جالاكسي 10.1 ليس “جذابًا مثل الآيباد!”، أما في كاليفورنيا فقد رأت هيئة المحلفين أن سامسونج قد انتهكت براءات اختراع آبل في الآيباد والآيفون مسببة لها خسائر تقدر بمليار دولار، وهي القيمة التي قال القاضي بعد ذلك عنها إن هيئة المحلفين أخطأت بتقديرها، ليقوم بإنقاصها بمقدار 450.5 مليون دولار، ولتزيدها هيئة المحلفين في نوفمبر 2013 مرة ثانية بمقدار 290.5 مليون دولار، لتصل التعويضات النهائية المطلوبة من سامسونج في هذه القضية إلى 930 مليون دولار.
ما إن أصبح حكم 930 مليون دولار رسميًا في المحاكمة الأولى حتى طلبت سامسونج الاستئناف في اليوم التالي مباشرة، وفي نفس الوقت كانت هناك قضية أخرى تسعى آبل للحصول على 2 مليار دولار فيها، وبخلاف الأولى، فهي تعني جوجل بشكل من الأشكال، إذ إن أربعًا من الخمس براءات اختراع المتنازع عليها هي ضمن نظام تشغيل (الأندرويد) الذي طورته جوجل، وليس تابعًا لسامسونج نفسها، بدا كأن كفة الميزان تميل لصالح آبل، وأنها على وشك أن تضحك ضحكة النصر، لكن أيًا يكن، فهذه المعارك لم تؤثر على علاقات الشركتين التجارية والتي حرصتا على فصلها عن مشاكلهما القانونية.
هدنة 2014: إيقاف جميع المعارك خارج الولايات المتحدة
في أواخر عام 2014، قررت الشركتان وقف جميع الدعاوي القضائية خارج الولايات المتحدة، في دول عديدة مثل أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا، وقالت الشركتان في بيان مشترك إن الشركتين وافقتا على إسقاط جميع الدعاوي القضائية خارج الولايات المتحدة، لكن هذا لا يعني أي تصالح بخصوص براءات الاختراع والقضايا في الولايات المتحدة مستمرة.
لايزال الوقت مبكرًا على الضحك، تكهنات 2015: الكفة تميل لصالح سامسونج
في تقرير أخير لرويترز بخصوص أحدث نزاع بين الطرفين، نشرت أن الكفة ربما تميل لصالح سامسونج في هذه الجولة، حيث تنظر قضيتان أخريتان الآن في الولايات المتحدة تهدف فيهما آبل إلى منع سامسونج من بيع منتجاتها، بسبب انتهاك براءات اختراع مثل تحريك الإصبع على الشاشة لفتح القفل، أو التصحيح التلقائي للنصوص، والروابط السريعة، وقال محامي آبل إن الضرر الذي سببته سامسونج بسبب انتهاكها لهذه الاختراعات “عصي على الإصلاح”، لكن القضاة كيمبرلي مور وشارون بروست بدوا غير قادرين على ابتلاع مزاعم آبل، وكان مور مقتنعًا أن الشركة تضخم الأمر، فقد قال لممثل آبل: أنتم رخصتم هذه التقنيات للجميع، فلماذا يصبح ضررًا عصيًا على الإصلاح إذا استخدمته سامسونج؟
موقع techradar يكشف أسرارًا عن حرب آبل وسامسونج
من أهم ما تضمنه التقرير، أن الحرب بين جوجل وآبل هي “حرب مقدسة”، فقد قال ستيف جوبز لكاتب سيرته الذاتية إن الحرب بينه وبين نظام الآندرويد الذي طورته جوجل وتعمل عليه هواتف سامسونج “حرب نووية”، ذكر أن آبل تغار من سامسونج، فبعد أن نشرت صحيفة الوول ستريت جورنال أن آبل تفقد جاذبيتها أمام سامسونج، أرسل فيل شيلر مسئول التسويق إلى وكالة آبل الإعلانية: “لدينا عمل كثير للقيام به، هذا حزين، فنحن لدينا منتجات أفضل”.
كما ذكر التقرير أن أول أولوية في إستراتيجية سامسونج الآن هي “هزيمة آبل”، فهي موجودة في ثاني صفحة من إستراتيجيتها لعام 2011، كتبت أسفلها: أن كل شيء يجب أن يوجه لهذا الهدف.
اختتم التقرير بحقيقتين، أن سامسونج تتبع إشاعات آبل، لذا فإن أرادت آبل نصب فخ لها فما عليها إلا أن تسرب إشاعات خاطئة، كما ذكرت أن التقليد كان متبادلًا وليس مقصورًا على شركة واحدة، ففي بريد إلكتروني أرسله ستيف جوبز بخصوص حربه المقدسة مع الآندرويد، كان قد ذكر أن عليهم اللحاق بالآندرويد “في الأشياء التي لازلنا فيها في المؤخرة”، قاصدًا الإشعارات والحديث والربط وأشياء أخرى.
الإعلانات الساخرة: الجانب المرح من الحرب
تميزت سامسونج بإعلاناتها الساخرة من الآيفون والآيباد، ففي العام الماضي نشرت على صفحتها الرئيسية: “لا أحد سوف يشتري هاتفًا كبيرًا”، خمنوا من الذين غيروا رأيهم!
وكانت هذه الجملة مأخوذة عن ستيف جوبز في أوائل إطلاق الآيفون والذي حرص أن تكون له شاشة صغيرة بناء على هذا المبدأ، واستمرت سامسونج في السخرية من كون الآيفون 6 أكبر في الشاشة ليشبه جالاكسي نوت الذي سبقه بعامين كاملين في الحجم، مطلقة وسمًا ترويجيًا، “أكبر من مجرد زيادة في الحجم”.
وكانت أول ضربة إعلانية قوية وجهتها سامسونج في 2011 عندما صورت طابورًا طويلًا من المشترين الذين ينتظرون شراء آيفون 4S، مصورة مرور الساعات عليهم، ثم دهشتهم إزاء سامسونج، ولم يشتهر هذا الفيديو بسبب المقارنة بين الميزات بل بسبب سخريته من مشتري آبل، لتكرر الضربة ضد الآيفون 5 مقارنة المزايا، ومصورة إياه كاختيار الآباء ذوي “الدقّة القديمة”، اما بالنسبة لآيفون 6 فقد أصدرت سامسونج هذه المرة سلسلة من ست فيديوهات ساخرة، صممت لتخطف الأضواء من إطلاق الآيفون السادس وبالمقابل تسلط الضوء على جالاكسي نوت 4، ففي الفيديو يقول الرجل لصديقه الذي يتأتئ ويتجمد كل دقيقة: ألا تستطيع أن تقوم ببث مباشر؟ أنت تعمل في التكنولوجيا! ملمّحًا إلى الحرج الذي حدث لشركة آبل عندما انقطع بثها المباشر عدة مرات قبل ذلك بفترة قليلة في حفل إطلاق الآيفون 6.
أما الإعلان الثاني فيسخر من الشاشة الكبيرة، حيث يقول الصديقان بفرحة عارمة إن هذا ما انتظراه منذ سنتين قد أتى أخيرًا، ثم يأخذان في الصياح العالي حتى يتوقفا فجأة ويقولان: لكن لحظة، شاشة أكبر؟ كل الهواتف لديها شاشات أكبر.
الثالث يسخر من عدم امتلاك الآيفون لقلم رسم واضطرار الشخص للرسم بإصبعه، وفيديو آخر يتناول مشكلة بطارية الآيفون، الفيديوهات الست تمت عنونتها بـ “الأمر لا يحتاج إلى عبقري ليدرك ذلك”، ويعني أن أي أحد قادر على رؤية الفرق، ست ضربات مرة واحدة، حاز كل فيديو منهم على ما يزيد عن مليون مشاهدة.
حرب سامسونج وآبل: إلى متى؟
كانت شركة سامسونج قد أعلنت قريبًا عن نيتها عن الإفصاح عما كلفته إياها هذه الأربع سنين المتواصلة من الحرب، كما قال شخص مقرب من آبل إن هذا القتال اللانهائي قد استنزف الشركة عاطفيًا واقتصاديًا، وكانت انتقادات كثيرة توجه لشركة آبل لإيقاف سياستها في إبعاد الخصوم عبر براءات اختراعها المكلفة، وأن الخاسر الحقيقي في هذا النزاع سيكون المستهلك.
وكباقي قضايا سامسونج، بقيت الشركة تنمّي نفسها بالتوازي معها، وطورت هواتف جديدة لدرجة أن بعض الناس الذين عملوا مع آبل قالوا إن الشركة الكورية منافس قوي الآن ولم تعد مجرد ناسخة، بل أصبح لمنتجها شخصيته وملامحه المميزة الخاصة به، وبعد أكثر من ألف يوم من المعركة المستمرة، ربما على الشركتين اللتين أعلنتا اكثر من مرة عن فشل التسويات، أن تنظرا طويلًا إلى الأرض المحروقة من خلفهما، قبل أن تقررا الاستمرار في صراع يعد الأطول والأعنف والأكثر استنزافًا في تاريخ الشركات التقنية حتى الآن.