ترجمة وتحرير نون بوست
يحاول المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، برناردينو ليون، جمع قطيع السياسيين الليبيين المتناثر باتجاهات سياسية متباينة حول طاولة واحدة من أجل التفاوض على معاهدة سلام، ووضع حد للقتال، وتشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على الحفاظ على تماسك البلاد، وتمكينها للعمل كعضو موثوق ضمن المجتمع الدولي، قادر على استلام المساعدات الدولية الخاصة بليبيا.
بدأ ليون منذ عدة أشهر جولة أولية من المحادثات بين المؤتمر الوطني العام المنتهي الصلاحية في طرابلس، وبين مجلس النواب الليبي في طبرق المنتخب حديثًا والمثير للجدل قانونيًا وانتخابيًا، وتم نقل هذه المحادثات في وقت لاحق إلى جنيف بعد إضافة قائمة موسعة من المشاركين الذين يمثلون مجموعة أكبر من الجماعات والخصوم، بما في ذلك ممثلين عن البلديات المحلية.
قبل حوالي الأسبوع، دارت أخيرًا المناقشات في المغرب حول القضية الجوهرية والأساسية المتمثلة بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حيث تم اقتراح خطة لتشكيل هذه الحكومة، توجه بعدها المشاركون إلى ليبيا لمناقشة الاقتراح مع جماعاتهم السياسية، ومن ثمّ عادوا إلى المغرب في نهاية الأسبوع الماضي لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق، ولكن الخطة لم يتم تنفيذها لأن مجلس النواب الليبي طلب تأجيل البت بالخطة حتى نهاية هذا الأسبوع.
المرحلة الليبية الغريبة
في هذه الأثناء، عقد ليون – بالاشتراك مع الحكومة الجزائرية – جولة من المناقشات مع أطراف ليبية ناشطة تم اختيارها بعناية؛ حيث يظهر هؤلاء ضمن المرحلة الليبية الغريبة كممثلين عن منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، ومعظمهم في الحقيقة يمثلون أنفسهم فقط، وهم ليسوا نوابًا في مجلس النواب أو أعضاء في المؤتمر الوطني العام، وغير ممثلين حتى في الحكومات المحلية.
ولكن هذا الواقع ليس مخيبًا للآمال بالنظر إلى الواقع اليائس الآخر، الذي يشير إلى أن العديد من الجماعات والقوى الليبية الأخرى لم يتم تمثيلها أو استشارتها في الحوار الليبي الذي يجري برعاية الأمم المتحدة، وفي الواقع يمكن القول إن الشريحة العظمى من الليبيين غير ممثلين أو مشاركين في الحوار الليبي بأي شكل من الأشكال.
تتركز الأنظار حاليًا على جولات الحوار الرسمي هذا الأسبوع في المغرب، والتي من المزمع عقدها يوم الخميس المقبل، والتي ستحدد فيما إذا كان هذا الحوار قادرًا على الوصول إلى إطار عام لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وقادرًا على تحديد من سيرأسها.
المشكلة تكمن أن ليبيا والليبين جميعًا وصلوا إلى مرحلة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، واعتمادًا على الكيفية التي يتم الإحصاء بها، يمكن القول إنه منذ عام 2011 وحتى الآن وصل حوالي ستة رؤساء وزراء وحكومات مؤقتة وانتقالية إلى الحكم في ليبيا، حتى إن إحدى هذه الحكومات تم انتخابها ولكنها لم تستلم مهامها، كون التشكيلة الحكومية لمصطفى أبو شاقور تم رفضها في عام 2013 من قبل تحالف غريب يسمى تحالف القوى الوطنية، تم بين الإخوان المسلمين وأعداء هذا التنظيم.
كما تم حل مجلس وزراء آخر، برئاسة أحمد معيتيق، بعد أن تم الطعن بقانونيته من قِبل خصومه أمام هيئة غريبة ومستحدثة لهذا الشأن خصيصًا تسمى المحكمة العليا، حيث تفاجأ الكثير من الليبيين حينها بوجود كيان لديهم يسمى المحكمة العليا ولكنهم لم يسمعوا به قط سابقًا.
إذًا، يمكن القول إن المشكلة كانت تتمثل دائمًا، ليس بتشكيل الحكومة بحد ذاتها، إنما بقدرة أي حكومة من الحكومات التي تم تشكيلها حتى الآن على استلام الحكم وممارسة السلطة واحتكار استخدام القوة في البلاد.
وربما أصبح جميع من على هذا الكوكب يعلم، أن الحكومات الليبية المتعددة التي تم تشكيلها في السنوات الأربع الماضية تمت إقالتها من مكاتبها، كما واجه الوزراء داخل مكاتبهم في بعض الأحيان أعضاء ميليشيات يوجهون بنادقًا إلى رؤوسهم لإجبارهم على توقيع شتى القرارات التي تخدم مصالح المليشيات، زد على ذلك حادثة اختطاف رئيس الوزراء من غرفته في الفندق، حيث اشتكى الأخير علنًا أن حتى ملابسه الداخلية قد تم سرقتها ضمن هذه العملية.
رحمة المليشيات المسلحة
حتى الآن، كانت الحكومات الليبية تعيش تحت رحمة الميليشيات المسلحة والعصابات الإجرامية، وفي ظل عدم وجود جيش نظامي حقيقي يمكن الاعتماد عليه، يقول الليبيون على سبيل الدعابة “إن الجيش الليبي هو أقوى عاشر جيش في ليبيا”.
وفي خضم السيرك الذي تعيشه ليبيا، لا أحد يحبس أنفاسه أملًا في أن يُنتج عن لقاء يوم الخميس في المغرب أي شيء أكثر من كيان يساعد الأمم المتحدة على الادعاء أمام الكاميرات بأن “العملية الطويلة من الجهود الدبلوماسية تكللت بالنجاح”.
هذا التشاؤم ناجم – في جزء كبير منه – عن فقدان عاملين أساسيين في العملية الليبية؛ الأول يتمثل بعدم وجود صفقة كاملة وخريطة طريق جديدة، وطريقة لإعادة تفعيل الانتقال الليبي الشامل بشكل ثابت، وذلك بعد أربع سنوات من الفشل الذريع، هذا العامل من شأنه – إذا تحقق – أن يضمن اعتماد الحكومة الجديدة على المساعدات الدولية، وربما حتى على القوة العسكرية لحماية أعضائها وتأمين المراكز الحضرية في ليبيا، بما في ذلك العاصمة طرابلس وبنغازي ومصراتة وسبها.
والعامل الثاني يتمثل في استبعاد جماعات كاملة من العملية الانتقالية في ليبيا ومن مباحثات الأمم المتحدة المتعلقة بها، وهؤلاء يشكلون حوالي 2 مليون منفي مبعثرين بين مصر وتونس والإمارات العربية المتحدة والأردن وتركيا، ومعظمهم من الحلفاء والمسؤولين السابقين في نظام حكم معمر القذافي.
بناء على ما تقدم، علينا أن نتساءل كيف يمكن لاستبعاد 25% من سكان ليبيا أن يساعد على إعادة بناء ليبيا، في ضوء جميع ما تعلمناه من الملحمة الجارية في العراق.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية