طرد المغاربة من الجزائر أو ما يعرف بـ “المسيرة الكحلاء” هي عملية تهجير قسري شملت 350 ألف مغربي وذوي أصول مغربية مقيم بالجزائر، بعد قيام المغرب بضم الصحراء الغربية في حين رفضت الجزائر السيادة المغربية عليها ودعمت جبهة البوليساريو.
كانت عملية التهجير صبيحة عيد الأضحى في 18 ديسمبر 1975 في ظل نظام حكم الراحل هواري بومدين، ورغم مرور سنوات على هذه الحادثة، يعتبر هذا الملف من بين الملفات العالقة بين البلدين، ليضاف إلى ملفات أخرى سببت وتسبب حالة توتر دائم بينهما.
المغرب يواصل ضغطه الدبلوماسي
غادر يوم الأحد وفد من جمعية المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي، وهي جمعية تعنى بملف المطرودين، في اتجاه جنيف السويسرية للمشاركة في أشغال الدورة الثامنة والعشرون لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لطرح قضية العمال المغاربة المرحلين من الجزائر على أنظار هذا المجلس.
يأتي ذلك بعد مرور خمس سنوات من إصدار اللجنة الأممية المكلفة بتتبع الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم لتوصيتها، التي دعت من خلالها السلطات الجزائرية إلى تسوية ملف المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي، وتعويض جميع المرحلين الذين سُلبت ممتلكاتهم من طرف الدولة الجزائرية في يوم عيد الأضحى عام 1975، والمقدر عددهم بـ 40 ألف مغربي.
محمد الهرواشي رئيس الجمعية، أكد أنه ستُمنح لهم الفرصة في عدة دقائق للحديث أمام المجلس، مشيرًا أن حديثهم سيتركز على استعراض لمحة تارخية عن العمل الإجرامي الذي أقدمت عليه السلطات الجزائرية، ثم استعراض المراحل التي مر بها الملف وصولاً إلى التوصية الأممية بتسوية وضعية المرحلين.
وقد أكد الهرواشي أيضًا على أن الجزائر أصبحت في موقف حرج بالنظر إلى أنها لم تقدم على أي إجراء منذ أن أوصت اللجنة المذكورة بالتسوية، بل أكثر من ذلك يؤكد المتحدث نفسه أن السلطات الجزائرية تحاول طمس الملف بكل الطرق والسبل، معتبرًا تقديم الجمعية لصورة عن وضع وظروف ترحيل الضحايا منعطفًا جديدًا في الملف ويشكل ضغطًا متزايدًا على السلطات الجزائرية، كما أشار إلى أنه وبالإضافة إلى المشاركة في أشغال المنتدى، ستعمل الجمعية على توقيع عدة اتفاقيات للشراكة مع مجموعة من الجمعيات الدولية النشطة في مجال حقوق الإنسان، وذلك لتعزيز حضور ملف المرحلين في الملتقيات العالمية.
وفي هذا السياق، دعا الهرواشي إلى تجاوب الدولة المغربية مع توصيات أممية سابقة، تخص الطرف المغربي، وهي الصادرة عن اللجنة نفسها التي طالبت الجزائر بتسوية ملف المرحلين.
يذكر أن “جمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي” وجهت عريضة إلى الهيئات الحقوقية والمدنية والسياسية المعنية بالملف للضغط على الحكومة، لتفعيل توصيات اللجنة الأممية المذكورة التي انعقدت خلال الفترة الممتدة بين 9 و13 سبتمبر 2013 بجنيف السويسرية، والتي دعت من خلالها الحكومة المغربية إلى ضرورة اتخاذ التدابير الضرورية من أجل تحسين وضعية المغاربة المعنيين بالطرد الجماعي التعسفي من الجزائر، وتكثيف الجهود الدولية من أجل التسريع بحل هذا الملف العالق، وحثتها أيضًا على ضرورة تقديم معطيات دقيقة حول التدابير المتخذة في هذا الصدد خلال التقرير الدوري المقبل.
السينما تخلد الرواية المغربية
بادر المخرج المغربي محمد اليونسي مؤخرًا إلى تثبيت الرواية المغربية لملف المسيرة الكحلاء من خلال إنتاجه لفيلم الوشاح الأحمر الذي اعتبره نقل فني لأحداث واقعية حدثت ومازالت تحدث كل يوم مع المغاربة والجزائريين من ضحايا الطرد والتهجير القسري الذي فرضته السلطات الجزائرية منذ ما يزيد عن ربع قرن.
ويتطرق الفيلم لموضوع شائك لم يسبق أن تناولته السينما المغربية، ويتعلق الأمر بمأساة المغاربة المرحلين من الجزائر، والحدود المغلقة بين البلدين.
وينتقل الشريط من أحداث بسيطة إلى قضايا معقدة وكبيرة من خلال تسليط الضوء على قضية سياسية كبيرة انطلاقًا من مأساة زوجين (لويزا من الجزائر ولحبيب من المغرب) فرقتهما الآلة العسكرية بالجزائر وعاشا بعيدين عن بعضهما.
وتبدأ الحكاية من حالة لحبيب، الذي ينتظر مولودًا جديدًا، وهو عائد من السوق بعد أن اقتنى بعض الحاجيات بطلب من الممرضة التي تشرف على زوجته في المستشفى، وبينما هو في الطريق للمستشفى، توقفه دورية عسكرية ليتم طرده عبر الحدود البرية، وهنا تبدأ معاناة زوجين كان يجمعهما الحب وفرقت بينهما السياسة.
وفي تصريح للصحف المغربية، قال متقمص دور البطل، الممثل كريم السعيدي، بأن نجاحه في تقمص شخصية لحبيب يعود بالأساس إلى كونه من ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر، مشيرًا إلى أنه من أب ناضوري وأم تازية أقاما فترة في الجزائر قبل ترحيلهما، في مشهد درامي خال من أي حس إنساني ترك جرحًا غائرًا في صدره.
للجزائر رواية أخرى
مثل كل القضايا العالقة بين الدولتين، فإن للجزائر رواية أخرى، فمنذ سنتين تقريبًا طالبت الجزائر المغرب بدفع أكثر من 20 مليار دولار تقول إنها ممتلكات وحقوق 14 ألف جزائري صادر المغرب ممتلكاتهم عام 1973 في إطار سياسة المغربة، وذلك ردًا على تمسك المغرب بحقوق مواطنيه الـ 350 ألف الذين طردوا من الجزائر عام 1975.
وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الجزائرية عمار بلاني وقتها بأن مئات المواطنين الجزائريين طردوا من المغرب وصودرت ممتلكاتهم دون تعويض، وبالإضافة إلى ذلك كانت آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية ومئات الممتلكات والعقارات العائدة لملكية مواطنين جزائريين تعرضت للتأميم دون تعويض، وهو ما حدث يوم 2 مارس 1973، مضيفًا أن المغرب عوض كل الجنسيات باستثناء الجزائريين.
وأضاف أن الدولتين اتفقتا إبان رئاسة عبد العزيز بلخادم للدبلوماسية الجزائرية خلال اجتماعين بين مسؤولين مغاربة وجزائريين ضمن لجنة القنصلية الاجتماعية المنبثقة عن لجان تطبيع العلاقات بين البلدين التي عقدت على التوالي في 25 يونيو 2003 في الجزائر العاصمة وفي الرباط يوم 21 يونيو 2004، على تسوية ملف المنازعات المتعلقة بالملكية، على أساس المعاملة بالمثل لكن للأسف كانت محاولات الحكومة المغربية لتمرير حلول على المقاس نسف تلك المساعي وظلت هذه الالتزامات مجرّد حبر على ورق ولم يتم الرد عليها بالنسبة للمغرب.
وأوضح بلاني أن المغاربة الذين هُجِروا من الجزائر نهاية 1975 لم يكونوا من أصحاب الممتلكات الشخصية في الجزائر، وإنما هم من المستأجرين للعقارات والأراضي العائدة لملكية الدولة الجزائرية أو لأطراف ثالثة.
هو ملف ضمن ملفات أخرى عالقة بين البلدين منذ حقبة الاستقلال، ورغم الامتياز الذي يسجل لكلا الدبلوماسيتين في علاقة بملفات القارة السمراء فإن الاثنتين سقطتا وتسقطان اليوم في امتحان العلاقة المباشر بين الجارتين.