انطلقت فعاليات الملتقى الدولي السادس للرواية العربية بالعاصمة المصرية القاهرة تحت عنوان “تحولات وجمال الشكل الروائي”، بمشاركة أكثر من مائتي روائي عربي وأجنبي.
هذه الدورة من الملتقى في هذا العام تستمر لمدة أربعة أيام وهدفها مناقشة مدى تفاعل الأدب وأهله مع قضايا المجتمعات العربية خاصة بعد الربيع العربي، وإلى أين تتجه الرواية العربية في ظل هذه الأوضاع المعقدة؟ كما تناقش قدرة الأديب على التأثير في هذا الواقع.
هذه المحاور المثارة في هذا الملتقى تجعل الكاتب العربي والقارئ أيضًا يطرح عدة أسئلة مضافة إليها، بالنقاش حول جودة اللغة في الرواية الحديثة والتي انتشرت بشكل مريع في الآونة الأخيرة بين الكتاب الشباب للتقنيات المستخدمة في الكتابة والتصوير الفني للتواصل مع هذا الواقع الحديث الذي يتسم بالسرعة الفائقة.
فإذا ناقشنا الأخطار التي تواجه الرواية العربية فقد أثيرت مؤخرًا في مناقشات الكتاب بقلق كبير مسألة مستقبل الكتاب المطبوع عامة، فنحن نعيش في زمن ثورة الاتصالات، حيث بإمكان أي قارئ أن يدخل إلى مواقع معينة على الإنترنت، ويقرأ ما يشاء من الكتب، ويحمّلها وهو جالس في بيته، هذا بالتأكيد يشكل تهديدًا للناشر والكاتب معًا، كما أن هناك العديد من الكتـّاب الشباب الذين لا يملكون المال لطباعة الكتب، يلجأون لنشر إنتاجهم على الإنترنت.
وإذا ذكرت مناقشات عن الرواية العربية والتهديدات التي تواجهها فيمكن رصد ظاهرة تدني مستوى الذوق في القراءة وذلك بسبب تسليط الأضواء على أنواع أدبية بعينها بل روايات بعينها لجذب الجمهور إليها والذي يقع تحت التأثير الدعائي وكأن الأدب صار سلعة، فظهر مصطلح الأكثر مبيعًا للحكم على جودة العمل الأدبي؛ وهو ما أدى إلى الفقر الإبداعي الحالي وظهور جيل من الأدباء المسوقين وتردد عناوين روايات بعينها على لسان الجمهور دون أن تخضع لنقد فني أو أدبي وأصبح المعيار هو “طلب الزبون”.
أما عن المشاكل التي يعاني منها أدباء الرواية من العرب بشكل عام فأبرزها نقص الحرية وتسـلـّط الرقيب، فالرقيب السياسي والثقافي حاضر في كل وقت، وسيطرة مفاهيم اجتماعية بالية على العقلية الثقافية الحكومية، وكذلك تحكم الدولة والسلطة في الثقافة والأدب وتوجيهه من خلال وزارات الثقافة التي لا تعرف عن الثقافة شيء.
مشكلات الرواية العربية لا تنتهي عند هذا الحد فسيطرة فصائل أيدولوجية على الثقافة والإنتاج الأدبي أمر جد خطير كما هو حادث في الدولة المصرية، حيث تجد تهميش الرواية والكاتب غير المنتميين إلى فصيلتهم الأيدولوجية؛ فباتت التقسيمة بين الكتاب إلى يساريين، ليبراليين، وإسلاميين ليقصي بعضهم الآخر في ساحة أدبية باتت أشبه بعراك ولكنه سياسي وليس أدبي.
الرواية العربية تطورت تاريخيًا وتأثرت بظروف الأمة العربية حيث كانت شرقية تراثية ثم غربية حديثة، وبسبب عشوائية التخطيط حدث التضخم السكاني بشكل سرطاني، وطغت العشوائيات الخالية من الخدمات الثقافية والترفيهية وتراجعت قيمة الكتاب والقراءة في حياة الإنسان العربي بسبب ضغوط الحياة.
الرواية العربية إن لم تخرج من البوتقة السياسية التي تأطرت بها في الفترات الأخيرة والتي تتحدث في ركاب السلطات سوف تستمر حالتها في التدهور وسوف يظل مفهوم السوق مسيطر عليها.
حتى هذا الملتقى الذي نتحدث عنه في بداية الحديث جرى وضعه في الأطر السياسية المصرية، حيث لا توجد مناقشة جادة لأسباب تدهور الرواية العربية إلا بإرجاع الأمر للخصومات السياسية، وهذا ما نؤكد أنه سحب للمشكلة وهروب منها من قِبل جيل الأدباء التقليديين الذين نبتوا على أيادي السلطات الحاكمة، فجاءت أجيال جديدة من الرواية لم يعتادها القراء، ولكن الأمر لم يحل حتى هذه اللحظة من حيث التمسك بالجذور الأدبية وما بين الرواية الحديثة السوقية.