الحركات الكوردية في كل من العراق وتركيا وإيران وسوريا تختلف إحداها عن الأخرى في تطورها وبنيتها ونشاطها وقيادتها رغم وحدة الهوية والثقافة والتاريخ، وجميعها كانت تحت سلطة الدولة العثمانية حتى فرقت اتفاقية سربيل زهاب بين العثمانيين والصفويين في 1639 لأنها رسمت الحدود بينهم ورغم ذلك بقيت الغالبية الكوردية تحت سلطة الدولة العثمانية حتى سقطت الدولة العثمانية في 1920.
وكان بين الكورد والسلطنة مواثيق وعهود وأنظمة، ومن هنا ثار محمود الحفيد في العراق وسعيد الكوردي في تركيا ضد الإنجليز وضد أتاتورك، ثاروا لأنهم فقدوا العقد الاجتماعي الذي كان يربطهم مع السلطان وقامت على أنقاضه دول قومية لا تعترف لهم بوجود ولا هوية ولا تقرير مصير.
وما حصل بعد 1920 من انتداب بريطاني للعراق، جعل للمنطقة الكوردية خصوصية تختلف عن باقي مناطق العراق في طريقة تعامل الإنجليز معها، وهو أول دليل على اهتمام المجتمع الدولي أو اعترافه بقضية كورد العراق، إضافة إلى استبدال اتفاقية سيفر بلوزان وهي دليل على عدم اعتراف المجتمع الدولي لكورد تركيا بحق تقرير المصير.
ولقد أدى ذلك مع تسلط أنظمة قمعية على العراق وسوريا وإيران وتركيا، والتي دفعت الكورد إلى مجموعة ثورات أغلبها فشل في تحقيق الهدف، وربما كان فشل تجربة دولة مهاباد دليلاً آخر على عدم اعتراف المجتمع الدولي بحق تقرير المصير لكورد إيران
وبقي المجتمع الدولي يتابع تطور قضية كورد العراق بطريقة تختلف عن قضية كورد باقي الدول خلال القرن الـ 20، حتى كان عام 1990 الذي رسم بعده المجتمع الدولي خارطة طريق لإقليم كردستان الحالي في العراق.
إقليم كردستان الحالي تمت زارعة بذرته الأولى في 1920، وتم رسم خارطته على الأرض في 1990، وتم ترسيمه دستوريًا بعد 2003 في دستور المرحلة الانتقالية ثم في دستور جمهورية العراق في 2005.
هذه التطورات تعطي دليلاً قويًا على التزام المجتمع الدولي بحق تقرير مصير الكورد في العراق، بخلاف إخوانهم في إيران وتركيا وسوريا، وربما كانت حادثة اعتقال أوجلان في الـ 1999 دليلاً آخر على عدم اعتراف المجتمع الدولي لكورد تركيا بحق تقرير المصير، وتجربة كوباني وما صاحبها من عدم وجود حظر جوي دليلاً على أن كورد سوريا ليس لهم مثلما لكورد العراق، إذ يطالب المجتمع الدولي لهم فقط بحقوق وحريات، وليس بحق تقرير المصير.
وحتى قضية حلبجة وما حصل لكورد العراق بعد اتفاقية الجزائر في 1975 من قيام شاه إيران بقطع الدعم عن كورد العراق مقابل نصف شط العرب، هو دليل في الحالتين يضاف لمثال مهاباد أن إيران ترفض أن يكون لكوردها حق تقرير المصير ويساندها في هذا المجتمع الدولي، ولا تريد أن تقف عضدًا لكورد المنطقة لئلا ينقلب وقوفها معهم إلى الداخل الإيراني خصوصًا إذا أضفنا أن لإيران يد في أحداث حلبجة أكبر مما للآخرين!
وعودة لكورد العراق وحق تقرير المصير فإن انسحاب أمريكا من العراق في 2011 دون حل قضية المادة 140 جعل وضع الكورد وكذلك وضع العراق غير مستقر وإلى أي اتجاه يتجه.
إذ إن العراق منذ 2003 حتى 2014 كان عبارة عن إقليم + 15 محافظة، والدستور ينص على أن العراق بلد اتحادي وهذه نقطة عدم تطابق بين الواقع على الأرض وبين نص الدستور بالإضافة إلى بقاء المادة 140 معلقة، حتى جاءت أحداث داعش في يونيو 2014 لتضع الكورد وإقليم كردستان أمام واقع فرض عليهم أن يحاربوا وحدهم دفاعًا عن حدود إقليمهم وكأنها حرب استقلال، وهنا وقف المجتمع الدولي معهم بصورة واضحة، كما كان موقفه معهم بعد عام 1990.
أقول حرب استقلال لأنها ربما تكون فرضت تطبيق المادة 140 حربًا لا سلمًا، ومن هنا أتوقع أن العراق يتجه نحو الفدرلة، وأن إقليم كوردستان أمام مفترق تاريخي يسمح له ان يختار ويفرض ربما خيار الكونفيدرالية، بعد أن فرض سابقًا خيار الفيدرالية فيمكن أن أقول إنه مثلما كانت 2003 نقطة انطلاق النظام العراقي من المركزية إلى الفيدرالية، فإن 2014 ربما تكون قد رسمت نقطة الانتقال نحو الكونفيدرالية، وهنا يثبت المجتمع الدولي رؤيته وموقفه أن كورد العراق هم نواة العراق الجديد، بل نواة الشرق الأوسط الجديد بعد تركيا وإيران.
فتركيا وإيران والكورد هم حلفاء جدد للمجتمع الدولي بدلاً من حلفائه القدماء من إسرائيل وأنظمة سايكسبيكو، ومثما استبعد قيام دولة كوردية قومية تضم كورد المنطقة كلهم في وقت انتهى فيه زمن الدول القومية والدينية، خصوصًا مع عدم اعتراف المجتمع الدولي لهم بحق تقرير المصير كما أسلفنا، ومثال الدول القومية التي انتهى زمانها هنا انهيار دول العرب القومية الواحدة بعد الأخرى منذ 2003، وكما استبعد قيام دول قومية مركزية فإنني استبعد قيام دول دينية كداعش مثلاً، فإنها كإسرائيل لم يعد بإمكانهما تأسيس دول دينية سواء بسواء.
فالشرق الأوسط الجديد يتجه نحو كونفيدرالية أو فيدرالية شرق أوسطية، فتح أبوابها الكورد واعتراف المجتمع الدولي لهم بحق تقرير المصير، وربما تكون مصالحة أردوكان أوجلان آخر عنقود عدم اعتراف المجتمع الدولي لغير كورد العراق بحق تقرير المصير.
وختامًا فإنني أجمل أدلة عدم اعتراف المجتمع الدولي لغير كورد العراق بحق تقرير المصير:
1- استبدال اتفاقية سيفر بلوازن.
2- اهتمام وثيقة الانتداب البريطاني للعراق بكردستان العراق 1920.
3- 1946 فشل تجربة مهاباد الإيرانية.
4- اتفاقية الجزائر في 1975.
5- حلبجة 1988.
6- خطوط طول وعرض طيران 1991 في العراق.
7- اعتقال أوجلان 1999.
8- دستور العراق 2003-2005.
9- 2014-2015 كوباني
10- مصالحة أردوكان أوجلان2012-2015.