ماذا تعرف عن الحرب الدولية الثالثة التي قامت بين عامي 1885 و1891، والتي اندلعت حين أعلن العثمانيون الحرب على بلغاريا، ليدخل معهم اليابانيون والفرنسيون في الحلف الكبير، في مواجهة تحالف سانت بطرسبرغ الذي ضم بريطانيا والصين والنمسا وروسيا، ولتنتهي الحرب بمعاهدة فرانكفورت التي خضعت بمقتضاها مؤسسات الخلافة للإدارة الفرنسية اليابانية، قبل أن تندلع الثورة الديمقراطية العثمانية وتؤسس لبرلمان عثماني لأول مرة؟
لا تحاول أن تدعي أنك تعرف أي شيء عنها لأنها في الحقيقة لم تقع أصلًا! نعم، الحرب الدولية الثالثة، مثلها مثل الحرب العالمية الثالثة التي اندلعت عام 2006 حين دخل الروس وأوكرانيا وانتهت باستسلامهم أمام الألمان، هي مجرد واحدة من آلاف القصص والحكايات المنسوجة على موقع ألت هيستوري Althistory، مختصر كلمة التاريخ البديل Alternative History، والذي يقوم على فتح الباب لعشاق التاريخ بتخيّل مسار أحداث مختلف لما جرى على مدار القرون السالفة، ملتزمين بنوع من الجدية والعقلانية في كتابة هذا التاريخ البديل.
تغيير الواقع على ما يبدو قد أصبح أمرًا شبه مستحيل، ودراسة التاريخ أصبحت شديدة الملل، ليدفعا بالبعض إلى اللجوء للخيال، ونسج ما تمنوّا رؤيته بتفصيل مُمِل على الموقع، والذي قد يبدو للقارئ غير الدارس للتاريخ، ولمن لا يعرف ألت هيستوري، تاريخًا حقيقيًا بالفعل.
الكُل هنا يبحث عن ضالته أو حلمه، من تقويم جديد غير مستند للدين يبدأ بتأسيس مدينة روما بدلًا من ميلاد المسيح، في محاولة واضحة لعلمنة التأريخ الأوروبي، وحتى اتحاد الدول العربية الذي تقوده السعودية، وإمبراطورية البريطانيين التي وصلت إلى القارة القطبية الجنوبية، وتركستان الشرقية التي انفصلت عن الصين، وبالطبع، الدولة العثمانية التي لاتزال موجودة حتى اليوم ويرأسها عبد الله گول بشخصه، تحت اسم الفيدرالية العُثمانية!
مستخدمو الموقع تعدوا ذلك أيضًا، فإذا فتحت صفحة لبنان على سبيل المثال وجدتها في إحدى النسخ ضمن إمبراطورية بريطانيا وفرنسا، وفي نسخة أخرى فهي بدون مسلمين على الإطلاق، ربما رأى أحد المستخدمين أن المسلمين هم سبب المشكلات في لبنان فاختار أن يحذفهم منها على الإطلاق، اللبنانيون الذين لا يجدون رئيسًا الآن، رئيسهم لايزال ميشيل سليمان في التاريخ البديل.
أما سوريا فلا يختلف التاريخ البديل في أنها قد انهارت، إلا أن الأسباب مختلفة تمامًا؛ يرجعها مؤلفو التاريخ إلى التحالف السوري مع السوفييت الذين قاد ضدهم الغرب معركة شرسة تُدعى “يوم القيامة”، حيث هاجمت الولايات المتحدة سوريا بالصواريخ النووية عام 1983، في التاريخ البديل رفعت الأسد هو أيضًا جزار حماة، حيث كُتب أنه قمع بوحشية انتفاضة للإخوان المسلمين قبل عام من المعركة الكبرى، وبعد يوم القيامة، كانت هناك حرب أهلية أدت إلى تأسيس دولة تُدعى الجزيرة، كاتب التاريخ متمهل في كتابته ويخبرنا أنه لم ينته من رواية الأحداث بعد.
في مصر كان الأمر مختلفًا، فبحلول معركة يوم القيامة لم تكن البلاد طرفًا في حلف وارسو الذي أسسه الاتحاد السوفييتي ولا في حلف الناتو الذي قاد الحرب ضده، لذلك فلم تكن هدفًا للضربات النووية من كلا الطرفين، لكن البلاد حولها كانت قد تأثرت بشدة، الأردن على سبيل المثال فقدت أكثر من نصف سكانها، لكن حكومة المملكة لاتزال على رأس السلطة، أما في إسرائيل فإن الصاروخ النووي الذي استهدف القدس تم إسقاطه قبل أن يصل لهدفه مما أنقذ الحكومة أيضًا، السودان وليبيا والجزائر جميعهم سقطوا في حرب أهلية مريرة بحسب التاريخ البديل.
الإخوان المسلمون في مصر حكموا بعد الحرب الأهلية التي تبعت المعركة الكبرى لسنوات، لكنهم ضيقوا على الحريات، وانطلقوا في حرب مع إسرائيل عام 1987، إسرائيل المنهكة من معركة يوم القيامة قامت بقصف القاهرة بالصواريخ النووية ما قتل 11.5 مليون شخص في أول يوم أو أول أسبوعين، إذ اختلف في ذلك المؤرخون البدلاء، أما مبارك فكان قد أُعدم بعد محاولته الفرار لإسرائيل بعد انتفاضة شعبية ضده في بداية الحرب الأهلية، ويبدو أن كاتب التاريخ المصري يشعر بالحنين لفترات سابقة، إذ أعاد حزب الوفد ليرأس الحكومة بعد أول انتخابات برلمانية، كان ذلك في 1994، تلك الانتخابات كانت نتيجتها أن اُختير كمال الجنزوري رئيسًا للجمهورية، وهو الذي حكم حتى 2012 بعد ثلاث فترات رئاسية كل منها ست سنوات، أما الذي تلاه فكان محمد علي، أمير الصعيد!
الحنين لدى كاتب التاريخ المصري تمثل بوضوح في رؤيته للتوسع العسكري المصري في السودان وليبيا، حيث اجتاح الجيش المصري جيرانه الجنوبيين والغربيين، كما أن لديه إحساسًا بالمسؤولية إذ إنه أوجد حلولاً لمشكلة السكان في مصر عبر تخيله لمشروع دلتا أخرى خلاف دلتا النيل الأصلية، وهو ما غير من ديموغرافية مصر.
الخليج لم يسلم من التعديل، فلا أثر للملكة العربية السعودية، لكنها فقط اتحاد خليجي يضم الكويت ومسقط وعُمان (!) والبحرين وقطر والإمارات، أما السعودية وأجزاء من إيران والعراق وسوريا وتركيا فإنها تشكل خلافة جديدة اسمها الخلافة العباسية، أو خلافة آل البيت، ويروي التاريخ البديل كيف خطب الخليفة في المسلمين قائلاً إنها المرة الأولى التي يجتمع فيها العرب والأتراك سوية، مشهد يبدو مؤثرًا لشخص حركي إسلامي.
ليس ألت هيستوري هو الموقع الوحيد، ولكن هناك مواقع أخرى مثل ألترنيت هيستوري Alternate History، وهو منتدى بالأساس يدخل عليه المهتمون بالتاريخ ويطرحون أسئلة عن أحداث حقيقة، محاولين نسج تبعات نتائج مختلفة لها؛ ماذا لو انتصر النازيون في الحرب العالمية الثانية؟ ماذا لو نجحت حضارة الأزتك في وقف التوسّع الإسباني في المكسيك؟ ماذا لو كان الصينيون قد تحولوا للزرادشتية تحت تأثير الروابط مع الفُرس بدلًا من البوذية تحت تأثير قُربهم من الهند؟ كيف كانت لتكون ثقافتهم؟
أيضًا، هناك موقع يوكرونيا Uchronia، وهي كلمة على وزن يوتوبيا، والذي يكتب التاريخ البديل في صورة روايات خيالية، كما توجد قناة على اليوتيوب باسم ألترنيت هيستوري هاب Alternate History Hub، تقوم بنشر مقاطع فيديو في صورة أسئلة، ماذا لو لم تسقط الإمبراطورية الرومانية؟، ماذا لو لم يتم استعمار أستراليا من قِبَل الأوربيين؟، بالإضافة إلى بلدان وحضارات بديلة، مثل هذا الفيديو الذي يطرح مجموعة من البلدان أو النُظم السياسية التي يُمكن أن تكون موجودة بدلًا من تلك الموجودة حاليًا.
قد يقول قائل بأن هذا مجرد ضرب من الخيال العلمي، ولكنه في الواقع ليس كذلك، ويمكنك أن تجد على موقع أذر تايملاينز Other Timlines (وتعني مسارات زمنية أخرى) تعريفًا دقيقًا لماهية التاريخ البديل، والفرق بينه وبين الخيال المحض، فالتاريخ البديل هو نوع من الخيال العلمي الذي يقوم على افتراض عدم وقوع حادثة معيّنة، أو حدوثها بشكل مختلف، وهو ما يعني التزام القائمين عليه بالسياق الواقعي الذي وقعت فيه الحادثة، وكل تفاصيل الواقع آنذاك.
قد يكون هذا في الحقيقة أقرب إلى تنمية الوعي بالتاريخ بشكل مبتكر، ليس من باب معرفة معلوماته وحقائقه، ولكن من باب القدرة على استشراف آفاقه إذا ما وقعت أحداث مفاجئة في المستقبل، فالمهتمون بالتاريخ بالبديل قد يكونوا يومًا ما، ونظرًا لكتاباتهم الواقعية وإن كانت غير حقيقية، أقدر على توقع مسار أحداث معيّنة، كما جرى مع الحرب العالمية الثالثة التي توقعوا فيها بالفعل دخول الروس إلى أوكرانيا، أو ربما توقعهم بانفصال سيبريا في أقصى شرق روسيا عن الاتحاد الروسي، وهو أمر تنبّأ به في الحقيقة مفكرون وإستراتيجيون مثل جورج فرديمان في ورقته عن ملامح العقد القادم الذي نشرته شركة ستراتفور.
خريطة بديلة للعالم بعد انتصار الشيوعية في الحرب الباردة تُظهِر توسع الهيمنة الروسية في أوروبا لتصل لفنلندا وتستحوذ على جزء من شمال غرب الولايات المتحدة، في حين تتحد الهند مع أستراليا في حلف عسكري واحد مناوئ لها، بينما تتوسع مصر لتحصل على السودان وليبيا ودول الخليج، ويمتد سلطان الصين إلى فيتنام وتايلاند وماليزيا إلى جنوبها