لم يكن يوم أمس يومًا عاديًا لدى التونسيون الذين استقبلوا صباحهم بخبر عمل إرهابي استهدف سائحين أجانب أثناء زيارتهم لمتحف باردو الواقع على بعد أمتار من مؤسسة سيادية وهي مجلس نواب الشعب، ورغم أن حرب تونس على الإرهاب ليست وليدة اللحظة إلا أن عملية الأمس مثلت تحولاً جوهريًا في طبيعة المعركة وتفاصيلها؛ فبعد أن انحسر مجال النشاط الإرهابي على الشريط الحدودي التونسي – الجزائري خاصة، وبعد أن كان المستهدف أولاً وأخيرًا أعوان الجيش والحرس التونسيين، سجل التاريخ يوم الأربعاء 18 مارس من سنة 2015 كأول عملية بهذا الحجم تستهدف سائحين في قلب العاصمة؛ لتخلف حسب حصيلة أولية قابلة للارتفاع 22 قتيلاً و42 جريحًا من جنسيات مختلفة.
#تونس_السليبة تستنصر “الخليفة”
شهدت الساحة التكفيرية مؤخرًا هجرة منظمة نحو تويتر بديلاً عن الفيسبوك الذي تم كشف تعامله مع مخابرات عدة دول، ومنذ الإعلان عن تنظيم الدولة، بادر أنصارها في تونس بإطلاق هاشتاج #تونس_السليبة، اختزالاً لرؤيتهم للبلاد التي يعتبرونها دولة كفر لا تحكم شرع الله وجندها طاغوت واجب قتالهم.
ومن خلال متابعة مئات الحسابات لهم، لا يمكن إلا أن تنبهر بالدينامكية التي خلقوها في هذا الموقع من خلال التبادل السريع للمعلومات فيما بينهم باستعمال خاصية “الريتويت” وأيضًا من خلال المشاركة الجماعية في حملات إعلامية سواء تلك التي تهدف إلى لاستقطاب والتحريض على ما يسمونه الجهاد أو التي تندرج في سياق الحرب النفسية الموجهة لقوات الأمن التونسي.
مع تواتر أخبار يعتبرها مناصرو تنظيم الدولة “فتحًا مبينًا”، خاصة بعد مبايعة جماعات مختلفة لها وآخرها بوكو حرام، أُطلقت على تويتر حملة استنصار للبغدادي، خليفتهم، تترجاه فيه أن يوجه جانبًا من الإمكانيات المُتاحة لإلحاق تونس بـ “ساحات الوغى” وتخليصهم من دولة الكفر.
يذكر بأن مُعتنقي فكر السلفية الجهادية في تونس سبق وأن انقسموا إلى شقين؛ بين شق اعتبر تونس أرض جهاد ودفع نحو المواجهة مع الدولة وشق آخر قدّر بأن مناخ الحرية الذي وفرته الثورة في تونس كفيل بتحويل الأخيرة إلى حاضنة لتفريخ المُقاتلين عبر الدعوة والأدلجة ثم إرسالهم للتدرب والقتال في الجبهات المفتوحة مثل ليبيا وسوريا والعراق.
ورغم تبني كتيبة عقبة بن نافع لأغلب العمليات المسجلة ضد الأمن والجيش التونسيين، يتضارب الحديث حول ولائها، إن كان لتنظيم القاعدة في المغرب العربي الذي سبق وبايعه أو لتنظيم الدولة بعد بروزه، وبحسب آخر المعطيات التي لا يمكن تأكيدها، يظهر الحديث عن رسالة وجهها أمير التنظيم في نيجيريا يطالبها فيها بإعلان البيعة للبغدادي إلا أن الكتيبة طالبت بمهلة زمنية لإتمام ذلك متعللة بأنها بصدد إعداد وتنظيم صفوفها وبأنها لازالت في مرحلة الغربلة.
وناس يوجه #الذئاب_المنفردة
برز هاشتاج #الذئاب_المنفردة يوم 4 يناير إثر القبض على 3 شبان أقدموا على ذبح عون أمن في ريف مدينة الفحص واعترفوا بما نُسب إليهم وذكروا في سياق اعترافاتهم بأن المبادرة تعود لهم وبأنهم اختاروا الهدف والوسائل بشكل منفرد.
فالذئاب المنفردة لم ترد في الحقيقة نسبة للشبان المذكورين أعلاه وإنما إشارة إلى تكتيك إرهابي نظر له أنور العولقي، القيادي السابق في تنظيم قاعدة اليمن، من خلال مقالات نشرت بين سنتي 2010 و2011 في مجلة ” Inspire ” لسان حال تنظيم القاعدة الناطق بالإنجليزية، وجميع ما أورده من تكتيك يلائم البنية الهيكلية للتنظيمات المحاصرة والمتناثرة يتلخص في أن تقرر خلية لا يزيد عناصرها على بضعة أفراد المبادرة باختيار الهدف والتوقيت والمكان، واستعمال أبسط الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف.
وفيما يبدو أنه استجابة لاستنصار “متساكني تونس السليبة” الذين تضرروا من النجاحات الأمنية الأخيرة التي حالت دون أن يحافظ تنظيمهم المحلي على هرمية واضحة وبالتالي غياب مؤسسة التوجيه والقرار، نُشرت كلمة للقيادي السابق في أنصار الشريعة (تنظيم تم تصنيفه إرهابيًا في عهد حكومة علي لعريض) بولاية المهدية، وناس الفقيه، على اليوتيوب، وجه من خلالها رسائل لوزارة الداخلية وأعلن عن بداية الغزوات العسكرية في تونس، وقال إن وزارة الداخلية تقوم بحملات تشويه ضد المنتسبين للتنظيم، وأن ذلك أتى على “خلفية عجزهم عن مواجهة عجزهم في محاربة مقاتلي التنظيم في جبال البلاد”، وأضاف أن الأيام القادمة حبلى بالأحداث التي ستتغير بها أحوال المسلمين، وقال محرضًا الشباب على الجهاد “لقد أقام الله سوق الجهاد في تونس والمجاهدون في الجبال من مهاجرين وأنصار يرقبون هبتكم”، ونصح في الأخير الذين يريدون تنفيذ عمليات أن يتشاوروا مع من قال “إنهم أهل السبق والخبرة من المجاهدين”.
هذا التسجيل الصوتي المشفر مثّل دعوة واضحة لفك الحصار عن مقاتلي كتيبة عقبة بن نافع ودعا إلى أخذ المبادرة وعدم الانتظار؛ وهو ما يعني عمليًا إعطاء الضوء الأخضر للمضي في تكتيك الذئاب المنفردة.
#غزوة_تونس
يبدو أن الخلايا النائمة تلقت بوضوح توجيه الفقيه؛ فقبل أن تكتمل 24 ساعة على نشر كلمته، بادر إرهابيان إلى تنفيذ هجوم باردو الذي أودى بحياة 22 شخصًا منهم 20 سائحًا ينحدرون من جنوب أفريقيا وفرنسا وبولونيا وإيطاليا وتونسيين، في حين بلغ عدد الجرحى 42 من جنسيات إيطالية وفرنسية ويابانية وبولونية إضافة إلى روسي واحد و6 تونسيين.
وما إن تم الإعلان عن إطلاق للنار في محيط مجلس نواب الشعب، حتى أطلق هاشتاج #غزوة_تونس الذي مثّل جزء من العملية الإرهابية برمتها.
وفي تعليق على الحادثة، كتب أبو كنانة الأنصاري، أحد المستبشرين بالعملية (لم نتمكن من تحديد موقعه القيادي) مقالاً نشره بعنوان “أتظنوننا قد انتهينا؟” قال فيه من ضمن ما قال “الناظر منكم فيما حدث اليوم وما سبقه من أحداث برهن على ضعفكم الأمني والاستخبارتي الذي تتبجحون به علينا ليلاً ونهارًا في إعلامكم، كما لاحظنا من بعض المقاطع المرئية التي نُشرت في مواقع التواصل الاجتماعي خوفكم ورعبكم وهلعكم من أبطال قلة باعوا دنياهم واشتروا ما عند الله”، مضيفًا “إننا نبشركم بقدوم الدولة الإسلامية إلى أرض القيروان أرض عقبة، ولكن المسألة مسألة وقتية فاستعدوا وارعدوا وازبدوا فإن هؤلاء القوم شرابهم الدماء وأنيسهم الأشلاء يحبون الموت كما تحبون أنتم الخمر والنساء، واعلموا أن ذلك اليوم آتٍ تحقيقًا لا تعليقًا بإذن الله، فقد رأيتم اليوم أن فئة مؤمنة قليلة قتلت 22 بينهم صليبيين وطواغيت فكيف بمئة أو ألف، أترك لكم الإجابة”.
وقد عبّر زعماء الأحزاب وممثليهم عن استنكارهم الشديد لهذه الحادثة كما نظمت حركة النهضة وقفة للتنديد بالإرهاب أمام المسرح البلدي.
بالنظر إلى كل ما سبق، يبدو أننا إزاء تحول جوهري سينقل المعركة من الحدود إلى المدن وسيحرر المبادرة تأسيًا بفكرة الذئاب المنفردة وهو ما يُؤذن بقادم صعب لتونس إذ إننا قد نشهد في الفترة القادمة عمليات مفاجئة متناثرة سيصعب على المؤسسات النظامية حصرها ومجابهتها.