عندما قامت الثورة الفرنسية عام 1789 ضد كل آيات الظلم والقهر والفقر التي تسبب بها الملك الذي كان قد عاث بالأرض الفساد وأنهك النظام السياسي؛ حيث كان نظام دكتاتوري ظالم لا يعترف بالفقراء لعدم دفعهم الضريبة وكان يقتصر على رجال الدين والإقطاعيين والنظام الاقتصادي، الذي كان يخدم الملك وحاشيته وأطماعهما فقط وكان يهمل الطبقة الفقيرة وطبقة الكادحين.
سعت جميع الدول الملكية المطلقة – وعلي رأسها المملكة البريطانية، المملكة النمساوية، مملكة روسيا البيضاء (بروسيا)، والقيصرية الروسية – في ذلك العصر بكل مأوتيت من قوة السيطرة علي هذه الثورة وقطع أجنحتها كي لا تتسع رقعتها وتتصدر مبادئها إلى دولهم، ففور اندلاع الثورة الفرنسية قامت هذه الدول بمحاربة فرنسا الثورة واستمرت هذه الحروب الضروسة إلى عام 1815، بعد هذا العام قامت هذه الدول الخمس بعقد معاهدة فيينا التي تم فيها تحجيم قوة فرنسا وتعطيل ثورتها وإعادة النظام الملكي لها، ولكن هذه المعاهدة لم تنجح، حيث إنه في تاريخ 1830 انطلقت الشرارة الثورية في فرنسا من جديد، ونجحت في عزل الملك شارل العاشر وتنصيب “لو فيليب” كملك دستوري، يتعهد بحماية الدستور والقرارات البرلمانية كما يتعهد بحل مشكلة الكادحين وتوفير الحياة الكريمة لهم، بعد قيام ذلك الملك أيضًا بإهمال ما تم الاتفاق عليه، خرج عليه الشعب الفرنسي من جديد عام 1848 وقاموا بعزله وتأسيس النظام الجمهوري كحل جذري للانتهاكات الدستورية والمشاكل الاجتماعية التي كانت تواجه المجتمع الفرنسي في ظل الحكم الملكي، كما نجح الشعب الثوري الفرنسي في آخر المطاف في نقل مبادئ الثورة الفرنسية، مبادئ ثورة 1789، 1830، 1848، إلى شعوب الدول الأوروبية التي عملت علي القضاء علي الثورة الفرنسية في مرحلتها الأولي عام 1789، والتي خضع بعضها، مثل المملكة النمساوية والبروسية والبلجيكية والهولندية، لشروط الثورات الإصلاحية.
الظاهرة التاريخية هذه بكل حذافيرها وتفاصيلها تنطبق على وضعنا الحالي، نجد أنه عندما انطلقت الثورات المطالبة بالعدالة والإصلاح في أكثر من مجتمع عربي، عملت بعض الدول الملكية العربية، المعروفة بعينها والتي لا داعي لذكرها، بالعمل على تقويض هذه الثورات بنفس الأسلوب الذي اتبعته الدول الغربية؛ وهو محاربة هذه الثورات بالانقلاب العسكري المباشر عليها، ولكن الاختلاف البسيط بين الأسلوب الغربي والعربي المقوض للثورات هو أن في النظام الأوروبي الملكي قامت دولة بنفسها بالهجوم العسكري على بلد الثورة، ولكن في النظام العربي قامت الدول العربية الملكية باستئجار بعض الأراجوزات لتقوم بهذا الدور، فزرعت في مصر السيسي وفي ليبيا حفتر وقوت شوكة الحوثيين في اليمن، ودعمت الأسد بشكل غير مباشر من خلال إهمالها دعم الثوار السوريين.
التاريخ عبر، ولكن هذه الدول الملكية المطلقة لم تتعظ أو لا تريد أن تتعظ من هذه العبر، فأطماع المُلك المطلقة كلفت هذه الدول نفسها الكثير، من خلال دعمها تلك الثورات ظننًا منها أنها تستطيع إخماد روح الحرية والعدالة والمساوة وتجنيب نفسها هذه الشرار الثورية، لا أحد يستطيع استعباد الناس وسلب حقوقهم؛ فالله خلقهم أحرارًا وكتب لهم الحقوق العادلة التي تحميهم وتساوي بينهم، فإذا كان هذه الحق قد كتب في الدستور الإلهي كيف يمكن للإنسان الضعيف أن يمنعه عن أهله، ولكن الأمر يحتاج من أهل هذا الحق الصبر والإصرار والمثابرة لأخذ هذا الحق!! فهذه الثورات التي انطلقت في عدة دول عربية ستستمر وسيكتب لها النجاح أجلاً أم عاجلاً وستحرق بشرارتها كل من حاول إطفاءها وإخمادها بإذنه تعالى.