ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
نشرت منظمة أوكسفام الخيرية والمهتمة بقضايا الغذاء والتنمية في الدول الفقيرة تقريرًا حول دور البنوك في رفع أسعار الغذاء وتجويع الفئات الفقيرة، اتهمت فيه بنوك فرنسية بممارسة سياسيات غير أخلاقية تهدف للربح على حساب معاناة الفقراء.
ربما لا يعلم عملاء هذه البنوك الفرنسية أنهم يشاركون في تجويع أناس آخرين على سطح هذا الكوكب عبر إيداع مدخراتهم لديها، وقد يتفاجأون عند اكتشاف أن هذه البنوك تستمر في نهب أموال طائلة عبر المضاربة على أسعار المواد الأولية الفلاحية رغم الضغوطات التي تمارسها منظمة أوكسفام عليها، وهي كونفدرالية من المنظمات غير الحكومية التي تكافح ضد الفقر وغياب العدالة في مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والإنسانية وتمارس أنشطتها في تسعين دولة.
ورغم الوعود بالتوقف عن المضاربة في سوق الأغذية، فإن هذه البنوك تواصل ممارساتها دون أي اكتراث بالمعايير الأخلاقية، متجاهلة القوانين التي تم التصديق عليها والتي بقيت حبرًا على ورق ولم تطبق أبدًا على أرض الواقع.
لذلك أطلقت أوكسفام حملة في فرنسا في شهر فبراير من سنة 2013 تحت عنوان “البنوك تتمعش من الجوع”، وقد استهدفت الحملة في ذلك الوقت أربع مجموعات مصرفية هي BNP Paribas وSociété Générale وBanque Populaire et Caisse d’Epargne بالإضافة إلى Crédit Agricole.
وتتمثل العملية في أنه عندما يقوم البنك وعملائه باستثمار مئات الملايين أو حتى المليارات في قطاع المضاربة على أسعار المواد الأولية الفلاحية، فإنه يتسبب في تذبذب الأسعار في الأسواق الفلاحية؛ مما يجعل الحصول على الأغذية أمرًا بعيدًا عن متناول الشعوب الأكثر فقرًا في العالم، وإن كان الأمر لا يمثل مشكلة بالنسبة للبلدان الغنية فإنه يمثل معضلة حقيقية في بعض البلدان الأخرى والتي يمثل ثمن وجبة واحدة في اليوم ما قيمته خمسة وسبعين بالمائة من الدخل اليومي.
وقد قام البرلمان الفرنسي منذ سنتين بالتصويت لفائدة قانون يحد من عمليات المضاربة في سوق الأغذية وتمت المصادقة عليه من قِبل أعضاء البرلمان وتعهدت البنوك المعنية بهذا القرار بتخفيض أو إيقاف هذه العمليات الغير أخلاقية.
ولكن بعد مرور عامين هل احترمت هذه البنوك تعهداتها وتحملت مسؤولياتها؟ وهل قامت الحكومات من جهتها بتشجيع الشفافية في أسواق السلع الغذائية وتأطير أنشطة المضاربة؟ وهل قامت البنوك بإصلاحات داخلية؟
تبدو النتائج غير مبشرة؛ فهذه البنوك لم تحترم تعهداتها ومسؤولياتها وواصلت الحكومة الفرنسية سياسة غض الطرف عن المضاربات على المواد الأولية الفلاحية ومشتقاتها.
ورغم أن بنك Crédit Agricole قد قام باحترام تعهداته، إلا أن بقية البنوك لم تسر على منواله، فبنك BNP Paribas تنكر لوعوده، وSociété générale قام بتنفيذ بعض منها غير أنه لايزال على رأس البنوك الفرنسية المضاربة على المواد الأولية الفلاحية، أما بالنسبة لمجموعة Banque Populaire et Caisse d’Epargne فإنها المجموعة الوحيدة التي لم تقدم أية تعهدات منذ البداية وواصلت مضارباتها، أما فيما يخص الحكومة فإنها تتباطأ في القيام بدورها المتثمل في إجراء إصلاحات في القطاع المصرفي.
ولئن كان بنك BNP Paribas يحمل شعار “بنك لعالم يتغير” فإن هذا التغير يسير في اتجاه مصالح البنك وليس مصالح الإنسان، فقد أنشأ هذا البنك في سنة 2013 عشرة صناديق استثمارية تقدر قيمتها بمليار و419 مليون يورو من أجل المضاربة على المواد الأولية الفلاحية، ثم تعهد لفرع منظمة أوكسفام في فرنسا بإلغاء اثنين فقط من هذه الصناديق العشرة.
أما بنك Société Générale والذي يحمل شعار “معًا لتطوير روح الفريق”، فقد خسر تحت قيادة جيروم كيرفيال ما قيمته خمسة مليارات، وقد كان هذا البنك سنة 2013 يدير أربعة صناديق للمضاربة على المواد الأولية، وتعهد البنك لمنظمة أوكسفام فرنسا بإيقاف نشاط صندوق منها كان موجهًا للمضاربة في المواد الفلاحية وتحويل الصندوقين الآخرين إلى سيولة نقدية مع التعهد بعدم إنشاء صناديق جديدة لنفس الهدف.
أما بنك Banque Populaire et Caisse d’Epargne فقد رصد سنة 2013 ميزانية واحدة للمضاربة على المواد الأولية الفلاحية بقيمة 620 مليون، ولم يتعهد بأي تنازلات.
وأخيرًا بنك Crédit Agricole الذي قام بتمويل خمسة وسبعين بالمئة من ميزانيات مدارة بالمشاركة مع بنك Société Générale بقيمة سبعة وسبعين مليون، قد قام بإلغاء جميع هذه الميزانيات وإيقاف جميع الأنشطة المتعلقة بالمضاربات.
نتائج السباق وأسعار الأسهم
خلال صيف سنة 2014 أجرى الخبراء أبحاث جديدة حول البنوك المعنية بالدراسة الأولى، وخلصت الأبحاث إلى وجود ثلاثة بنوك فرنسية توفر لعملائها خدمات تمكّنهم من المضاربة على أسعار المواد الأولية الفلاحية وهي BNP Paribas, la Société Générale و Banque Populaire et Caisse d’Epargne عبر الوسيط المختص في تمويل وإدارة الأعمال Natixis.
وهو ما يعني أن العملاء بإمكانهم المضاربة من وراء شاشة الحاسوب وفي داخل المكاتب المكيفة بدون أي شعور بتأنيب الضمير ثم الحصول على أرباح، دون أن يعوا بمشاركتهم في تجويع 800 مليون شخص حول العالم أي بنسبة شخص من كل تسعة أشخاص.
أصدرت منظمة أوكسفام بيانًا قالت فيه إنه يجب على البنوك الفرنسية أن تتخذ بأسرع ما يمكن إجراءات رادعة استنادًا إلى توصيات المنظمة حول الوضع الحالي، كما يجب على هذه البنوك الإيفاء بوعودها في الآجال المحددة، ولكن قبل كل شيء يجب على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها وأن تلعب دورها التنظيمي في ظل الحاجة الملحة لتطبيق إصلاحات بنكية تتعلق بالشفافية وتنظيم أسواق مشتقات المواد الفلاحية الأولية، وقد حان الوقت لتنفيذ الوعود التي تعهد بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خلال حملته الانتخابية حول حظر وسائل المضاربة والميزانيات المرصودة للمضاربة في أسعار المواد الأولية الفلاحية.
يُذكر أن أوكسفام كانت قد نشرت في عام 2011 تقريرًا حذرت فيه من أن العالم يسير نائمًا متهاديًا نحو كارثة إنسانية ناشئة عن ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية، وقدرت المنظمة أن هذا الارتفاع قد يصل في عام 2030 إلى ما بين 120% – 180% عن الأسعار الحالية وأرجعت هذا الصعود إلى التغيرات المناخية التي يشهدها كوكب الأرض وغياب العدالة في توزيع المواد الغذائية وانتشار المضاربات التجارية التي قامت وسوف تقوم بها البنوك والبورصات على السلع الأولية الفلاحية ومشتقاتها، بالإضافة لأسباب أخرى مثل الوقود الحيوي الذي يتزايد استخدامه والذي يُستخرج من المواد الغذائية وبالتالي يحرم منها الضعيف والفقير، وذكرت المنظمة أن البلدان الأشد تأثرًا بتلك العوامل ستكون في القارة الأسيوية ووسط إفريقيا وسيكون وقع الأزمات على نحو 900 مليون من البشر شديدًا ولا يمكن التنبؤ بنتائجه.
المصدر: موقع أغورافوكس