ترجمة وتحرير نون بوست
يبدو أن حزب الليكود ومرشحه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وحزب الاتحاد الصهيوني ومرشحه إسحق هرتسوغ قد سيطرا على النتائج بعد انتهاء التصويت في إسرائيل يوم الثلاثاء الماضي.
حيث أظهرت النتائج فوز حزب الليكود بثلاثين مقعدًا مقابل 24 لأقرب منافسيه الاتحاد الصهيوني، بخلاف الاستطلاعات التي نشرتها القناة الإسرائيلية الثانية والتي كانت تشير إلى حصول نتنياهو على 28 مقعدًا، بفارق مقعد واحد لمصلحته عن حزب الاتحاد الصهيوني الذي حصل على 27 مقعدًا، وبخلاف استطلاعات قناة الحكومة الرسمية “القناة الإسرائيلية الأولى” والقناة المستقلة “القناة الإسرائيلية العاشرة” اللتان أظهرتا حصول كلا الحزبين على 27 مقعدًا.
ومع فوز الليكود بأغلبية الأصوات يليه الاتحاد الصهيوني ويليهما القائمة المشتركة بـ 14 مقعدًا وحزب كلنا بعشرة مقاعد، يجب على نتنياهو للوصول إلى رئاسة الوزراء أن يمر بتحالفات متشابكة وحسابات معقدة وتسويات كثيرة مع الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة الائتلاف، وهنا تبرز عدد من السيناريوهات المحتملة للحكومة المقبلة.
سبق للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وأن اقترح سابقًا ثلاث نتائج محتملة للحكومة الإسرائيل بعد المفاوضات، أحد هذه النتائج هي تشكيل حكومة تحالف أحزاب الوسط والوسط اليساري المعارضة لليمين الإسرائيلي، حيث يقود هذه الحكومة حزب الاتحاد الصهيوني وزعيمه إسحق هرتسوغ.
وهناك احتمال آخر يتمثل بتشكيل حكومة يمينية ضعيفة بقيادة نتنياهو بالتحالف مع حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف والأحزاب الأرثوذكسية الأصولية الأخرى، باستثناء حزب الاتحاد الصهيوني وأحزاب الوسط.
أما الخيار الثالث فهو “الائتلاف الكبير” الذي يضم حزب الليكود والاتحاد الصهيوني ضمن ائتلاف يشكلان به حكومة وحدة وطنية.
حكومة اليمين الضعيفة
يشير هيو لوفات منسق مشروع إسرائيل – فلسطين في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في حديثه لصحيفة ميدل إيست آي أن نتنياهو نجح بتغيير مسار الانتخابات خلال الأيام القليلة الماضية، حيث استطاع استقطاب الناخبين المنافسين لحزب الليكود اليميني، وخصوصًا – كما يتضح من النتائج – من حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف، والذي رُشّح سابقًا ليكون ثالث أكبر حزب في الكنيست، حيث لم يحصل هذا الحزب سوى على ثمانية مقاعد فقط، حيث يقول لوفات “أكثر الأحزاب المتضررة هو حزب البيت اليهودي بقيادة نفتالي بينيت، الذي تراجعت نسبته في الانتخابات، لذلك أعتقد أنه من الواضح تمامًا أن الكثير من المقاعد التي اغتمنها نتنياهو حصل عليها من بينيت”.
لكن انهيار البيت اليهودي يجعل تشكيل الحكومة اليمينية أكثر صعوبة، كما يقول الصحفي في ميدل إيست آي ميرون رابابورت، فنتنياهو نفسه لا يمكن أن يكون سعيدًا جدًا بهذه النتائج، لأن بعثه من الفناء السياسي جاء على حساب حلفائه السياسيين القدماء في البيت اليهودي الذي يتزعمه نفتالي بينيت، ويوضح رابابورت أن الحليف الآخر لنتنياهو، في حزب إسرائيل بيتنا وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، تراجعت مقاعده من 12 مقعدًا في الانتخابات السابقة إلى خمسة مقاعد في هذه الجولة، ونتنياهو يجب عليه أن يعتمد كليًا على موشي كحلون وزير الليكود سابق الذي استقال من منصبه بسبب العلاقات المتوترة مع نتنياهو، وشكّل حزب كلنا “كولانو” الذي حصل على عشرة مقاعد، ولكن التوصل إلى تفاهم بينهما سيكون صعبًا بالتأكيد.
تشير التسريبات أن نتنياهو بدأ بالفعل بمناقشات مع بينيت حول تشكيل حكومة ائتلافية، لكن هذه الحكومة ستواجه خيارات صعبة، لضعف مقاعد التكتل اليميني وعدم قدرته على إمداد التحالف بالأصوات الداعمة، ولكن مع ذلك أشاد نتنياهو بنتائج حزبه، حيث كتب في تحديث لصفحته الشخصية على الفيسبوك “رغم كل الصعاب: انتصار كبير لليكود، وانتصار كبير للمعسكر القومي برئاسة الليكود، وانتصار كبير للشعب الإسرائيلي”.
توازن اليسار الذي يصعب تحقيقه
من الواضح أن هرتسوغ لا يمكنه تشكيل ائتلاف بدون الليكود، حتى ولو تم دعمه من أحزاب الوسط واليسار مثل أحزاب كلنا ويوجد مستقبل “11 مقعدًا” وميرتس “خمسة مقاعد”، لأن دعم هذه الأحزاب لن يكون كافيًا، وهذا الواقع يضعه أمام التحالف مع الأحزاب الأرثوذكسية المتشددة مثل شاس “سبعة مقاعد” ويهدوت هتوراه “ستة مقاعد” أو التحالف مع القائمة العربية المشتركة.
من غير المحتمل أن تكون الأحزاب اليهودية المتشددة على استعداد للتشارك مع أحزاب مثل يوجد مستقبل – الذي حصل على رابع أعلى مركز بالانتخابات -، خاصة بعد أن انتهج هذا الحزب بشكل رئيسي سياسة معارضة تجنيد المتشددين المنتمين للأحزاب الأرثوذكسية في الجيش الإسرائيلي، في ظل الحكومة الائتلافية السابقة، حيث يقول لوفات “سيكون من الصعب موازنة هذا التحالف”، مشيرًا إلى أن الأحزاب المتشددة دينيًا تكره حزب يوجد مستقبل العلماني أكثر من أي حزب آخر.
يتابع لوفات بقوله إن البديل الآخر الوحيد لهرتسوغ هو السعي للحصول على دعم من القائمة المشتركة، وهي القائمة التي يهيمن عليها العرب والتي تبين أنها ستكون مفتاح الحل ضمن الائتلاف، حيث حلت بالمركز الثالث وفقًا لنتائج الانتخابات، وجاء تشكيل هذه القائمة لمواجهة القانون الذي أقره الكنيست بزيادة نسبة الأصوات المطلوبة لدخول الكنيست، ما يعرقل وصول القوائم الصغيرة، حيث قام الحزب الشيوعي حداش والحزب القومي العربي والقائمة العربية الموحدة والقسم الجنوبي من الحركة الإسلامية، بتشكيل ائتلاف استطاع بعث حياة جديدة ضمن السياسة العربية – الإسرائيلية.
ويقول زعيم القائمة المشتركة أيمن عودة “وصلنا إلى أهدافنا، نحن ثالث أكبر حزب، وصلت نسبة التصويت بين السكان العرب إلى أعلى مستوى منذ عام 1999، وسوف نقوم بمنع اليمين من تشكيل الحكومة المقبلة، القائمة المشتركة هي قصة نجاح: نحن في قلب الحدث التاريخي”.
مع ذلك، فإن قلة يعتقدون أن الاتحاد الصهيوني سيوافق على تشكيل ائتلاف مع القائمة المشتركة، حيث يقول دانييل ليفي رئيس برنامج الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “الأحزاب المدعومة من المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل تعتبر تقليديًا غير صالحة للشراكة في ائتلاف مع الأحزاب الإسرائيلية، وهذا السياسة هي نقطة الضعف المميتة في الديمقراطية الإسرائيلية التي تفتقر للشمولية”، ويضيف ليفي أن سياسة الاتحاد الصهيوني ستعقّد – على الأرجح – المفاوضات الائتلافية بالنسبة للحزب، لكنه قال بذات الوقت “إذا كان هرتسوغ وحلفاؤه المحتملين على استعداد للعمل مع القائمة العربية المشتركة سواء بضمها كجزء رسمي من الائتلاف، أو التعامل معها كمجموعة دعم من الخارج، فإن المهمة ستكون أسهل”.
الائتلاف الكبير
يبقى الائتلاف الكبير هو الخيار الأهم، وهو الخيار الذي حصل بالفعل على موافقة الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الذي وصفه بأنه السبيل الوحيد لوقف “التفكك السريع للديمقراطية في إسرائيل”، ويشير رابابورت أنه “في هذه اللحظة، يبدو تشكيل حكومة وحدة وطنية مع هرتسوغ السيناريو الأكثر احتمالًا، لأنه سينقذ حياة نتنياهو السياسية، ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار التجارب السابقة، فإن مثل هذا التحالف سيؤدي إلى جمود على الساحة الدولية والفلسطينية، وهذا ليس خبرًا سارًا لإسرائيل، ولا حتى لنتنياهو ذاته”.
ولكن البعض الآخر يرى بأن الحملات الانتخابية المكثفة في الأيام والأسابيع الماضية، زادت من الانقسامات الحادة بين الليكود والاتحاد الصهيوني، حيث اتهم الأول الأخير بتهديد أمن إسرائيل، وفي يناير رفض نتنياهو بشكل قاطع أي اتفاق مع هرتسوغ ووصفه بأنه “راديكالي يساري ومعادي للصهيونية”.
ويقول ليفي “اعتقد أن احتمالية تشكيل الائتلاف الكبير تتضائل يومًا بعد يوم، فهو ليس ائتلافًا مستحيلًا، ولكن أعتقد أنه أصبح آخر الخيارات المطروحة، لأن تصريحات الطرفين صعّبت جدًا من مهمة اجتماعهما في ائتلاف واحد”.
ولكن في أعقاب نشر النتائج، نقلت صحيفة هآرتس عن بعض المسؤولين في الليكود توقعاتهم بتشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث قال المسؤول الذي لم يذكر اسمه “نتنياهو لا يريد تشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن أحيانًا تجد نفسك بلا خيار، وفي هذه الحالة، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن رئيس الوزراء سوف يوافق على دفع الثمن الباهظ الذي حدده الاتحاد الصهيوني، والذي يقوم – من بين أمور أخرى – على وضع بينيت أو ليبرمان في التشكيلة المعارضة، حتى يستطيع هرتسوغ إقناع حزبه بتشكيل الائتلاف مع نتنياهو”.
بالإضافة إلى ما تقدم، فإن أحد النتائج الهامة التي ستنتج عن تشكيل التحالف الكبير، هو تحول القائمة المشتركة إلى أكبر معارضي الائتلاف الحكومي في إسرائيل.
لا يوجد يمين أو يسار
دائما وخلف ستارة الانتخابات الإسرائيلية، تقبع مسألة تستولي على اهتمام العالم أكثر من التنافس الحزبي في الداخل الإسرائيلي، وهي مسألة الاحتلال وتوسعه ومعاملة الفلسطينيين.
بالنسبة للبعض، أصبحت الانتخابات خيارًا واضحًا حول ما إذا كان يجب أن يتم استئناف محادثات السلام مع السلطة الفلسطينية، أو ما إذا كان ينبغي التخلي عن العملية برمتها، ويبدو أن نتنياهو أجاب عن هذا السؤال بشكل واضح عندما صرّح أنه لن يمضي قدمًا في محادثات بإقامة الدولة فلسطينية فيما إذا تم انتخابه مرة أخرى.
كما يشير معلقون آخرون أن هرتسوغ ليس لديه أي نية – أو قدرة – حقيقية لمتابعة محادثات السلام بهدف السماح بإقامة الدولة الفلسطينية، حيث يقول جدعون ليفي في مقالة نشرها على موقع سي إن إن يوم الإثنين “ليس هناك دلائل على أن هرتسوغ لديه نية لإنهاء الاحتلال في أي وقت قريب”، وأضاف “خطط السلام موجودة بالفعل ومشروحة بتفصيل كبير، المطلوب قدوم زعيم إسرائيلي شجاع لتنفيذ إحدى هذه الخطط، وهيرتسوغ – على الأقل في هذه المرحلة – لا يبدو قادرًا على القيام بذلك”.
من جهتهم اختار العديد من الفلسطينيين مقاطعة الانتخابات بدلًا من المشاركة في انتخابات لنظام يشعرون بانتقاص حقوقهم ضمنه، حيث قال زاهي نجيدات المتحدث باسم القسم الشمالي من الحركة الإسلامية (الحزب الذي لم ينضم إلى القائمة المشتركة): “نحن لا نهتم بالانتخابات الإسرائيلية، ولا نؤمن أن الكنيست سيحل أي قضية فلسطينية”، وأضاف “يوم الانتخابات بالنسبة لنا مثل أي يوم آخر، لا يوجد يمين أو يسار في السياسة الإسرائيلية، فالجميع يخدمون هدف واحد، ومنذ دخول العرب لأول مرة إلى الكنيست لم يحصل أي تغيير، الكنيست هو مؤسسة إسرائيلية أُنشئت لخدمة مصالح الإسرائيليين، ولن يعمل على حل مشاكلنا، وبالنسبة لنا ثقتنا هي في شعبنا ومقاومته”.
المصدر: ميدل إيست آي