شاهدت منذ عدة سنوات حوارًا في برنامج تلفزيوني لبناني حول كتاب التاريخ في لبنان والاختلاف حول رواية ما حدث في الحرب الأهلية.
توجهت بالسؤال في اليوم التالي لأستاذي القدير في مادة “مدخل إلى التاريخ” وقلت: هل أنت راضٍ عن كتاب التاريخ الذي يدرس في المدارس؟ فأجابني بالنفي قائلًا: ليس لدينا كتاب للتاريخ.
يقول رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، الحائز على جائزة نوبل للآداب، ونستون تشرشل: “التاريخ يكتبه المنتصرون”.
ربما لا نملك تغيير كثير مما يجري في سوريا وفي غيرها من الأماكن التي تعرضت لأحداث مأساوية تسببت بها قرارات سياسية تبناها صُنَاع القرار ودعمتها شريحة من المجتمع، وربما لا نملك اختيار المنتصر، خاصةً في ظل تطور نظريات فض النزاعات وتلاشي احتمال فوز طرف بشكل مطلق، ولكن هذا شيء والسكوت عن تدريس هذه الأحداث من وجهة نظر مُرتكبيها أو القبول بغض النظر عنها شيء آخر.
تقول أستاذة التاريخ آن لو بير في مقدمة “السياسة، الكتب المدرسية والهوية الثقافية: الصراع في البوسنة والهرسك”: “ينشغل الساسة بالمشاكل المستعصية ونادرًا ما يُفكرون بالمدارس، وما إن حل السلام حتى مر وقتٌ دون أن يهتم أحدٌ بما يجري في المدارس، وعندما نظروا إلى النظام التعليمي، وجدوا أنه انقسم خلال الحرب إلى ثلاثة أنظمة، كل منها يُدرِس الجيل الجديد مجموعةً من القيم الاجتماعية والسياسية المتناقضة مع اتفاقية دايتون التي أدت إلى وقف الصراع”.
قرأت أن من أكثر كتب التاريخ المدرسية تفصيلاً هو الذي يُدرَس في الجامعات الألمانية، لا يُخفي الألمان أي شيء عن أطفالهم، ويقول مراقبون إن الكتاب لا يبحث عن أي عذر لهتلر أو النازية باعتبار أن الشعب الألماني كان الضحية الأكبر لأفعالهما.
وعلى الرغم من الجدل الذي لازال دائرًا في اليابان حول كتاب التاريخ الذي يُدرَس لطلاب المرحلة الثانوية، إلا أن كتاب التاريخ المدرسي في اليابان يتضمن حديثًا عن مراحل سوداء في تاريخ الإمبراطورية؛ مثل مجزرة نانكينغ في الصين التي قتل فيها الجيش الياباني ما يقدر بأكثر من 50 ألف شخص، وتصل بعض التقديرات لعدد الضحايا إلى 300 ألف.
يُمْكِن استخلاص عدة دروس مما سبق، وهذا ليس لمن سيُعِد كتاب التاريخ الجديد في سوريا حال وقف الصراع وحسب، وإنما لكل أم وأب وكل غيور على الجيل الجديد.
الدرس الأول من البوسنة والهرسك هو أن ما يُدرَس في كتب التاريخ لدى كل فصيل سياسي سيختلف عن الآخر، وكل فصيل سيسعى لتنشئة جيل يحمل القيم السياسية والاجتماعية التي تمثله؛ ولذلك فإن أي اتفاق جديد ينبغي أن ينعكس على الكُتب المدرسية، وهُنا يأتي الاختبار للجادين في إحداث تغيير حقيقي في قيم الجيل الجديد.
الدرس الثاني من ألمانيا هو أن ما ارتكبته أيدي أبناء البلد مهما وصلت بشاعته ينبغي أن يُكشف للجيل الجديد، وأن يتم تحميل المسؤولية دون البحث عن أي أعذار، وشرح أن الضحية الوحيدة كانت الشعب نفسه.
أما الدرس الثالث من اليابان فهو أنه مهما استمر الجدل السياسي فإن على الجميع أن يُقِر بما ارتُكِب من جرائم ويوثِقوا ذلك في كتب التاريخ المدرسية.
إن مما ينتظره المرء في كتاب التاريخ ولا شك الحديث عن الحضارة التي عمرت البلاد، والشخصيات التي سطرت تاريخها، ولكن هذا الكتاب في الوقت نفسه، ينبغي أن لا يغُض الطرف عن المآسي التي حلت بالبلاد، والمسؤولين عنها، بدلًا من أن يقرأ الطَالِب عن ذلك في الصحف العالمية وتبدأ الثقة تتبدد لديه بالنظام التعليمي في بلاده، وفي حالات كثيرة ببلاده نفسها.