ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
أربع سنوات من الحرب، شهدت فيها سوريا انهيارًا للاستثمار إثر مغادرة جل الشركات الأجنبية، فبعد أن كان هذا القطاع يدر نحو الـ 2.6 مليار دولار، أي ما يقارب الـ 2.5 مليار يورو، أدت الصراعات القائمة إلى انخفاض حاد للاستثمار الأجنبي المباشر شمل البلدان المجاورة مثل الأردن ولبنان الذي يُعد أكبر شريك اقتصادي لفرنسا بالمنطقة.
وفي حين كان من المتوقع أن تشهد سنة 2013 إجراء ات تحدد مصالح فرنسا في سوريا، بات من الصعب الآن التوصل إلى إحصاءات موثوقة، ناهيك عن تحديد الشركات المتبقية في البلد.
البترول: إنتاج شبه منعدم
يُعد البترول مصدر الاستثمار الأجنبي الأول في سوريا، أدى قرار فرض العقوبات الأوروبية على نظام بشار الأسد والتي تقضي بحظر تصدير معدات صناعة النفط والغاز إلى إيقاف شركة توتال (أولى الشركات الفرنسية المهتمة بالبلد) لكافة أنشطتها وإجلاء موظفيها في ديسمبر 2011.
هذا وتقر ناقلة البترول التي أُنشئت في سوريا إثر ائتلاف تجاري مع شركة النفط السورية سنة 1988 في تقريرها السنوي لـ 2013، بحفاظها على فرع محلي لا يحمل الصبغة التجارية، يُذكر أن شركة توتال قد قامت سنتها بدفع ما يقارب الـ 0.5 مليون يورو للمنظمات الحكومية السورية على شاكلة مساهمات وضرائب لدعم خدمات القطاع العام السوري قصد المحافظة والعناية بهذا المكتب وموظفيه.
من جهتها توضح شركة بارسي الوضع في آخر نشرة اقتصادية لها حول سوريا “لقد أثبتت العقوبات البترولية نجاعتها، إذ لم تعد سوريا قادرة على استيراد البترول الذي كان يوفر 25% من عائدات النظام، فقد أقر وزير النفط والثروة المعدنية سليمان العباس بانهيار 96% من الإنتاج البترولي منذ انطلاق الأزمة مما دفع سوريا إلى التعويل على إيران”.
انسحاب لفائدة لبنان أو مصر
يُعد مصنع الأجبان “بال” من أول المصانع الفرنسية التي قامت بإنشاء وحدات إنتاج في سوريا (سنة 2005)، غير أنه قام بنقل تجهيزاته ومنتجاته من مصنع دمشق إلى مواقع أخرى بالشرق الأوسط تحت وطأة تأزم الأوضاع بالبلد في يوليو 2012، كما توضح الشركة التي حافظت رغم ذلك على مبانيها، حيث يحيل بقاء مكتب الشركة في بيروت إلى إمكانية إعادة تمركزها خاصة مع ضم مصر إلى منطقة الشرق الأوسط، يذكر أن “بال” تمتلك مركز إنتاج بكل من تركيا وإيران.
كما أبقت شركة “آر ليكيد” التي كانت قد ثبتت وحدة إنتاج الأوكسجين بدمشق سنة 2010 على مكتبها بالعاصمة، في حين يتوقع أن يقوم مصنع عدرا للأزوت والأرجون السائل بالمساهمة في تزويد سوق الغاز في جميع أنحاء منطقة المشرق العربي.
أما “شنيدر إلكتريك” التي كانت قد أرست مكتبها سنة 1998، فقد اتسم نشاطها بالكثافة حتى بداية الألفية الثانية، وذلك في إطار سعي مؤسسة توليد الطاقة السورية إلى تعزيز نظام تغذية مدينة دمشق بالطاقة عبر إرساء محطات ومولدات، وتؤكد شركة شنيدر اليوم سحب عدد من موظفيها السابقين وتوجيههم إلى لبنان، منوهة إلى اقتصار نشاطها على بعض الموزعين والعملاء، غير أن تقريرًا لأنشطتها سنة 2014 كشف عن محافظتها على ما يقارب الـ 15 مشروعًا ويشمل السفارة الإيرانية، نزلاً كبرى والمركز التجاري “كارفور”، وكان رائد المحلات التجارية بفرنسا قد أعلن سنة 2008 على افتتاح محل تجاري ضخم (هايبر ماركت) بسوريا، مشيرا إلى تميز وريادة هذه المبادرة التي عوينت آثارها سنتي 2009 و2010، في حين يشير التقرير السنوي الأخير إلى مزاولة المركز التجاري لنشاطه سنة 2013 قبل أن يغلق أبوابه العام الماضي.
من جهتها لم تجمد شركة لافارج لمنتجات البناء نشاطها سوى السنة المنقضية، مع محافظتها على عنوان سوري لموقع لها على الإنترنت ومكتب بدمشق، هذا وتقدر قيمة أصولها التجارية بما يقارب الـ 450 مليون يورو.، يذكر أن مصنع الأسمنت الخاص بالشركة قد شهد أشرس المعارك بين تنظيم الدولة والأكراد منذ سبتمبر الماضي مما أثر قطعًا على الوضع الاقتصادي المتهرئ، إذ إنه يُعد ثاني أهم مستثمر أجنبي بعد شركات البترول، علاوة على توفيره لآلاف مواطن الشغل بحلب شمال سوريا.
انقسام الناتج المحلي الإجمالي إلى اثنين
وعمومًا، لم يعد للشركات الفرنسية وسيط في سوريا بعد انتقال بعثتها الاقتصادية بدمشق إلى الجارة لبنان، حيث تم تحويل عنوان صفحة الإرشادات إلى تلك بلبنان، علاوة على غلق سفارتها وتعليق خدماتها الاستشارية بسوريا منذ مارس 2012.
وفي تقرير دولي نشرته “بارسي”، اعتبرت الشركة أن “الأزمة الداخلية، العزلة الإقليمية والعقوبات الاقتصادية التي أقرها الاتحاد الأوروبي اولولايات المتحدة أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادي بسوريا، حيث نأى بعض رجال الأعمال بأنفسهم عن النظام وشهد النظام المالي العام تأزمًا حادًا مما أدى إلى انخفاض العملة السورية بنسبة 200% منذ بداية الأزمة”.
يذكر أن الناتج المحلي الإجمالي قد انهار إلى النصف بين سنتي 2010 و2013 (60 مليار دولار سنة 2010 مقابل 33.5 مليار دولار في 2013 و31.9 سنة 2014).
المصدر: صحيفة لوموند الفرنسية