كيف يقاتل تنظيم الدولة؟ تكتيكات التنظيم في الحرب

alalam_635450856076293021_25f_4x3

هناك قاعدة معروفة تقول إن “الجيوش تحارب كما تدربت” وهذه من الثوابت التي توضع فى الاعتبار عند دراسة تكتيكات أي جيش نظامي؛ فالجيوش لها برامج إعداد عسكري ثابتة تبدأ من التدريب الفردي للجندي ثم تدريب التشكيلات القتالية بمختلف أحجامها بداية من الفصائل حتى الفرق والفيالق.

وفي كل مستوى هناك تكتيكات قتالية تناسبه؛ فهناك تكتيكات صغرى في الفصائل والسرايا ثم تظهر فكرة معركة الأسلحة المشتركة في الكتائب وتزيد في الألوية وهكذا دواليك حتى نصل لشكل الحرب الحديثة التي تتعاون فيها كافة الأسلحة بشكل متزامن وهذا يكون واضح جدًا في التشكيلات الكبرى كالفرق والفيالق.

وتبعًا لذلك هناك دائمًا خطط ممنهجة لإعداد الضباط لقيادة التشكيلات، وكلما انتقل ضابط لقيادة تشكيل أكبر يحصل على دورات إعداد خاصة وهذا يؤدي بالضرورة لوجود تجانس تام في الجيوش النظامية؛ فالكل تقريبًا تلقى نفس مستوى التدريب ونفس العلوم العسكرية، والتجهيزات والمعدات متشابهة بين التشكيلات وهناك ثبات في التشكيلات؛ فلن تجد فصيلة مدرعة تضم دبابات أكثر من أخرى وهكذا.

كل هذا لا ينطبق أبدًا على الميليشيات أو الجيوش شبه النظامية؛ فالتدريب أساسه فردي وقد يتضمن بعض التكتيكات الصغري إن سمحت الظروف وليس هناك  تجانس حقيقي بين معسكرات التدريب المختلفة باختلاف المدربين والمدارس العسكرية التي جاءوا منها وظروف التدريب والأهداف المخطط لها في عملية الإعداد العسكري.

 فلو ضربنا مثال بالوضع في سوريا؛ نجد أن هناك عسكريين سابقين خدموا في الجيش المصري والعراقي (جيش صدام) والجيش العربي السوري وبعض القوقازيين كانوا جنودًا في القوات الجورجية (بعد مرحلة تحديثها بمقاييس الناتو) وهناك من كان في القوات الروسية وخصوصًا التشكيلات المحمولة جوًا والوحدات الجبلية.

وليس هناك دورات منتظمة لإعداد القادة والضباط بل يتم الاعتماد على الأكثر خبرة وإن كان بعضهم كان في الأصل ضابط في الجيش العراقي السابق أو الجيش العربي السوري قبل الثورة؛ وهذا يجعل من الصعب جدًا الوصول لتصور دقيق للتكتيكات التي يتبعها تنظيم الدولة في معاركه.

 نعم هناك بعض التكتيكات على مستوى التشكيلات الصغرى لكن على المستوى الأكبر ليس هناك ثوابت يمكن تحديدها وتتبع مسارها خلال المعارك.

للوصول لإجابة مقبولة على السؤال المطروح في بداية الموضوع “كيف يقاتل تنظيم الدولة؟” لجأت لطريقتين:

الأولى دراسة بعض معارك التنظيم المهمة وخصوصًا في مرحلة ما بعد الانتصارات الكبري في العراق.

الثانية دراسة الإجراءات التي لجأ لها التحالف الدولي لمواجهة التنظيم وكيف سلح البشمركة وقوات حماية الشعب وغيرهم لمواجهة التنظيم.

الجزء الأول المتعلق بدراسة معارك التنظيم في مرحلة ما بعد الانتصارات الكبرى في العراق، من خلاله يمكن استنتاج ومعرفة بعض الثوابت التكتيكية التي يمارسها التنظيم.

سبب التركيز على المعارك الكبرى في سوريا والتي حدثت بعد معركة الموصل، أن التنظيم امتلك معدات وتجهيزات كافية تتيح له مرونة كاملة في القرار العسكري، فهو ليس مضطرًا للجوء لتكتيكات بعينها كما كان يحدث في السابق بسبب نقص الأسلحة والمعدات اللازمة.

هذه الأسلحة كانت في الأصل ملك لبعض فصائل الجيش الحر وبعض الفصائل الإسلامية كجيش الإسلام بقيادة زهران علوش ويقال إن مصدرها السعودية، واستخدمها التنظيم بشكل مكثف في معارك العراق.

معارك دير الزور

جرت هذه المعارك في الفترة من أبريل إلى يونيو عام 2014 وانتهت بانتصار تنظيم الدولة وتخلي جبهة النصرة عن مناطقها في دير الزور.

سنلاحظ أن المعارك مرت بمرحلتين:

المرحلة لأولي بدأت مع هجوم تنظيم الدولة على البوكمال من عدة محاور يوم 10 أبريل وفشل الهجوم في تحقيق الهدف منه ثم انكساره لاحقًا نتيجة هجمات النصرة المضادة، كانت خسائر تنظيم الدولة كبيرة نسبيًا ولم يستطع مجاراة النصرة في خفة حركتها داخل البوكمال، وفي النهاية سقطت حواجز التنظيم واضطر للانسحاب بعد ازدياد خسائره.

في تلك المرحلة لجأ التنظيم لعمليات التفخيخ والعمليات الانتحارية ضد حواجز النصرة ومراكز قيادتها لكن لم تكن ذات تأثير كبير، كما لجأ لاغتيال القادة العسكريين للنصرة وحلفائها في جيش الإسلام وحركة أحرار الشام، وكانت أبرز نجاحاته اغتيال أبو محمد الأنصاري أمير النصرة في إدلب.

تغير سير المعارك بشكل جذري بعد الانتصارات في الموصل وحصول التنظيم على كميات ضخمة من الأسلحة النوعية والمعدات دفع بأكثرها في اتجاه المعارك فى دير الزور، أيضًا تغيرت تكتيكات التنظيم فلجأ للقصف المدفعي والصاروخي المكثف وخصوصًا على مدينة الشحيل وهي موطن أغلب أمراء النصرة والحاضنة الشعبية الأهم لهم في دير الزور.

يمكن اعتبار هذا القصف إستراتيجي؛ فصحيح أنه لا توجد أهداف عسكرية معينة يتم قصفها لكن الضغط على أهالي وعشائر قيادات النصرة أثمر بشدة؛ فاضطرت النصرة للتراجع فهي لا تملك قوة مدرعة لشن هجوم مضاد لإزاحة مدافع وراجمات التنظيم من أماكنها، ويبدو أن جيش الإسلام (التنظيم الذي يملك قوة مدرعة كبيرة نسبيًا وسلاح مدفعية قوي) لم يدعم النصرة في معاركها وجرى تبادل اتهامات بالتقاعس بين الطرفين، وتلى التراجع سلسلة  من الانسحابات، وفي النهاية أصبحت المنطقة الشرقية خالية تمامًا من أي وجود للمعارضة السورية وأصبحت قاصرة على تنظيم الدولة مع عدة جيوب للنظام السوري.

التنظيم اتخذ عدة إجراءات لفرض سيطرته وضمان الاستقرار في المنطقة؛ فقام بعمليات إعدامات جماعية ضد عائلات وأفراد اتهمهم بدعم النصرة، وتلاها ماعرف بمذبحة عشيرة الشعيطات والتي قامت بانتفاضة مسلحة انتقامًا لقتل بعض أفرادها؛ فكان رد التنظيم القبض على رجال العشيرة وإعدام المئات منهم (تم إعدام مابين 400 – 700 فرد بناء على تهم تتضمن الردة والخروج على الحاكم .. إلخ).

 نلاحظ أن أبرز التغيرات في تكتيكات داعش بعد وصول الأسلحة والمعدات من العراق كان الاستخدام المكثف للقصف المدفعي واللجوء لعمليات تطويق كبيرة بدون التورط في اشتباكات مباشرة مبكرة (اقتراب غير مباشر)، ثم تلاها عملية حصار مع مشاغلة مستمرة بغرض الاستنزاف؛ مما اضطر في النهاية مقاتلي النصرة إلى الانسحاب كأفراد عن طريق التسلل للخارج خصوصا أنه لم تحدث محاولة واحدة من حلفائهم للقيام بهجمات مضادة لكسر الحصار.

النصرة وحلفاؤهم في حركة أحرار الشام ركزوا دائمًا على اقتناء أسلحة خفيفة ومتوسطة؛ ففي أغلب معاركهم مع النظام كانوا يميلون لتدمير الأسلحة الثقيلة بعد الاستيلاء عليها لمجرد وجود عطب بسيط بها، بينما تنظيم الدولة اهتم جدًا بتكوين ترسانة من الأسلحة الثقيلة وسعى دائمًا للحصول على الدبابات والهاوتزرات وكانت هي الأسلحة المفضلة بالنسبة له أثناء تقاسم الغنائم (فترة العمليات المشتركة قبل حدوث الاقتتال الداخلي).