مثّل الهجوم الإرهابي الذي شهدته منطقة باردو بالعاصمة التونسية، نقطة تحول مفصلية في سياق حرب البلاد على الإرهاب مع تغيير الأهداف ومناطق التحرك. أحداث باغتت الجميع سلطة وإعلامًا وشعبًا، وبعد مرور ثلاثة أيام على هذه الفاجعة، من المفيد أن يتوجه التونسيون نحو تقييم مستوى تعاطيهم مع الإحراج الإرهابي قبل الفعل وما بعده.
الأمن التونسي يحتاج مزيدًا من المعالجة
تكتيك الذئاب المنفردة الذي يتبناه اليوم كلا من داعش وتنظيم القاعدة، هو تكتيك فرضته البنية التنظيمية لمثل هذه الجماعات، التي عادة ما تدفعها الملاحقة الأمنية إلى الاكتفاء بتكوين مجموعات صغيرة منفصلة عن بعضها البعض، وقد مثّل غياب الترابط التنظيمي بين هذه الخلايا نقطة تميز لفائدة هذه الجماعات في حربها على الدول وأجهزتها وجيوشها النظامية، ولا أدل من ذلك نجاح الأخوين كواشي في تنفيذ عملية في قلب باريس واستهداف مقر مجلة شارلي إيبدو، الذي كان دائمًا محل توقع بالاستهداف.
من جهة أخرى، لا يجب أن يمنعنا الإقرار بصعوبة التعاطي مع مثل هذه الجماعات من أن نشير إلى مواطن الخلل الحقيقية متى توفرت، فأن يصل إرهابيان، بما لهما من أسلحة كلاشينكوف وقنابل يدوية وأحزمة ناسفة حسب مصادر من وزارة الداخلية، إلى التجول في محيط مركز سيادي مثل مجلس نواب الشعب، أمر يطرح عدة تساؤلات عن مدى جدية الجهاز الأمني في التعاطي مع الخطر الإرهابي الداهم.
في ذات السياق، من المعلوم أن عنصر المفاجأة يحتاج قدرات استخباراتية في المستوى حتى يتم التعاطي معه، ورغم العمليات الاستباقية السابقة التي تمكّنت عبرها وزارة الداخلية من كشف مخازن للأسلحة، وبالنظر إلى ثقل العملية في رمزيتها وما خلفته من خسائر بشرية، يمكننا الحديث عن فشل استخباراتي.
لطالما مثلت المؤسسة الأمنية في تونس مظهرًا من مظاهرالاستبداد، بحكم تحويلها إلى أداة تضييق على الحريات خدمة للدكتاتور، إلا أن هذا الجهاز بعد الثورة ومع تغيير نظام الحكم، ومع تكثف النشاط الإرهابي بات ذي أهمية إستراتيجية في حرب البلاد على الإرهاب وهو مايستوجب تأهيلاً وتكوينًا للارتقاء بمستوى منتسبيه.
الإرهاب يُراهن على إفلاس البلاد
سارع الجيش الإلكتروني الداعشي الذي غزا موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” للإشادة بعملية باردو والاحتفال بعملية الذئاب المُنفردة والتبشير بعمليات لاحقة ومتنوعة.
بالإضافة إلى مظاهر “الاحتفال”، تم تداول رسالة منسوبة للجناح الإعلامي لهذا التنظيم المعروف بـ”أفريقية للإعلام” تولت توصيف مراحل تنفيذ العملية ثم تعديد مكتسباتها، وبالإضافة للسائد من النقاط التي تندرج ضمن الحرب النفسية على قوات الأمن، من خلال التباهي بقدرة شخصين على تحقيق كل هذه الخسائر، تم الاحتفاء بالانعكاسات المباشرة على الاقتصاد التونسي، من خلال تضمين الرسالة لمؤشرات البورصة التي كستها حمرة الانهيار، إذ تحدثت الرسالة عن “انهيار حاد في البورصة التونسية بعد عملية بسيطة قام بها شخصان فقط، فما بالك لو حصل هجوم منظم ومتزامن على عدة أهداف عسكرية وحيوية وسياحية؟”
كما تحدثت في نقطة أخرى عن “توفيق الله سبحانه وتعالى للعملية ومباركته لها، بعد أن نتج عنها ضرب رافد كبير من روافد اقتصاد هذه الدويلة (ما يسمونه بالسياحة) بعملية بسيطة قام بها موحدان مسلمان مؤمنان ضعيفان، فصارت دول أسياد الطواغيت تحذر رعاياها من السفر الى تونس وتطالبهم بالعودة إلى بلادهم”.
حادثة باردو وما نُشر على إثرها من استبشار بتأثير الضربة على الاقتصاد التونسي، يُؤكد ما قيل دائمًا عن اندراج هذه العمليات ضمن فلسفة إدارة التوحش، فانهيار الاقتصاد يؤدي حتمًا لانهيار الدولة، وغياب الدولة يساوي بالضرورة فوضى يحبذها أهل التكفير.
انحدار وعي بعض النخب
مثلت أحداث شارلي ايبدو فرصة حقيقية لتأمل كيف ساهمت الفاجعة في توحيد الفرقاء السياسيين الفرنسيين، وإلى أي مدى ارتقى إليه وعي النخب الفرنسية لما يقتضيه ذلك السياق وتلك الظروف.
على عكس ما سُجل في فرنسا، تحركت الماكينة الإعلامية التونسية بقنواتها العمومية والخاصة بتنسيق غريب نحو تحميل المسؤولية لحكومة الترويكا (الحكومة التي أفرزتها انتخابات المجلس التأسيسي)، واعتبار أن كل ما حصل ويحصل يعود إلى سوء تقدير وسوء تعاطي مع هذا الملف.
إدارة إعلامية أحيت من جديد ما شهدته تونس سابقًا من استثمار مثل هذه الحوادث استثمارًا سياسيًا، رغم أن اللحظة العصيبة لا تتحمل ذلك، وهو ما طرح تساؤلات حول مدى نضج بعض النخب التي لا تستطيع ترتيب الأولويات بطريقة تُقدم الالتزام الوطني على الانتصار الذاتي للأيديولوجيا أو للحزب وأيضًا حول مهنية بعض القنوات ووسائل الإعلام.