على مدار العقود الماضية، تحدث كثيرون بين الحين والآخر عن ثورة قادمة للطاقة الشمسية، وكيف ستزيح النفط والغاز عن عرش الطاقة في العالم في غضون عقد، ولكنها بعد عدة سنوات لم تُحدِث التغيير الجذري الذي اعتقدناه، لتتكرر نفس التوقعات ونفس الإحباطات كل فترة، حتى أصبحت “ثورة الطاقة الشمسية” مع الوقت أضحوكة، بيد أن ما يجري منذ سنوات في بلدان عدة، من تطورات جديدة في تكنولوجيا الطاقة الشمسية، وازدياد رغبة حكومات الدول الكبرى في تعزيز وجودها على خارطة الطاقة البديلة لكبح التلوث، قد بدأ يُحدِث بالفعل الثورة التي طالما تمناها كثيرون.
على مدار السنوات الست الماضية، نمى قطاع الطاقة الشمسية بحوالي 50% سنويًا، وهو معدّل أسرع من أي مصدر آخر للطاقة، كما هبطت أسعاره بنسبة 80% منذ العام 2005، ليصبح أقدر على منافسة النفط والغاز والطاقة النووية، وهو نمو دفع وكالة الطاقة الدولية إلى رفع توقعاتها بشأن الطاقة الشمسية، التي تمثل حوالي 1% من الطاقة في العالم اليوم، لتصبح 27%بحلول عام 2050.
يعود هذا النمو الحادث الآن في قطاع الطاقة الشمسية إلى أربعة أسباب رئيسية؛ أولها دعم الحكومات، حيث بدأت حكومات عدة في توفير الدعم للشركات المنتجة للألواح الشمسية والمستهلكين الراغبين في استخدامها؛ ثانيها النمو الصناعي لهذا المجال في الصين، حيث دخلت الصين المجال بقوة منذ عام 2005 باعتباره واحدًا من المجالات النامية في الصناعة والتكنولوجيا، وهي تنتج الآن بالفعل ثلثيّ الألواح الشمسية التي ينتجها العالم سنويًا، وبالطبع بأسعار أقل، مما يزيد من انخفاض سعر الطاقة الشمسية وقدرتها التنافسية؛ ثالثها التطور التكنولوجي، حيث أصبحت الألواح الشمسية أكثر كفاءة بنسبة وصلت تحويل 20% من طاقة الشمس الواقعة عليها إلى كهرباء.
السبب الرابع والأخير هو ظهور مبادرات لمساعدة غير القادرين على البدء في استخدام الطاقة الشمسية، حيث يحتاج الدخول في عالم الطاقة الشمسية إلى أسعار أولية كبيرة لشراء الألواح الشمسية ونصبها على أسطح المنازل، وهي إجراءات قد تكلف حوالي 20.000 دولار، ولا يمكن للكثيرين إنفاقها، وهو ما دفع الشركات إلى نظام ملكية الطرف الثالث، حيث تقوم الشركة بتوقيع عقود مع أصحاب المنازل تظل بموجبها مالكة للألواح الشمسية والمشغّل الرئيسي لها، في مقابل أجرة شهرية يدفعها السكان، وهو ما يوفّر المبالغ الطائلة التي يدفعونها إذا ما اشتروا الألواح بأنفسهم، وهو نظام رائج بالفعل في كاليفورنيا بالتحديد، حيث ينتشر بين ثلثيّ مستخدمي الطاقة الشمسية.
الشمس تنافس النفط والغاز
من المتوقع أن يستمر هبوط تكاليف الطاقة الشمسية بحوالي 10% سنويًا، لاسيما وأن التطور التكنولوجي لايزال مستمرًا، كما أن تقنيات تخزين الطاقة في بطاريات أصبحت تتحسن في السنوات الأخيرة، وهي تُعَد محورية لانتشار الطاقة الشمسية، التي تعتمد بالطبع على وجود الشمس بالنهار، وتحتاج إلى قابلية التخزين ليمكن استخدامها من البطاريات في المساء، وهو تخزين هبطت أسعاره هو الآخر بحوالي 70% في السنوات الخمس الأخيرة.
في الولايات المتحدة مثلًا، أصبحت الألواح الشمسية منافسًا بقوة في الولايات المُشمِسة، مثل هاواي وكاليفورنيا، ومن المتوقع أن يزداد انتشارها بين الكثيرين من مستهلكي الطاقة، خاصة أصحاب المواقع المميزة بالنسبة للشمس، لتنتشر في 25 ولاية بحلول عام 2050، أما الصين، فهي تضع على عاتقها الوصول إلى 70 ميجاوات من الطاقة الشمسية عام 2017، بينما تضع دول وسط أوروبا وأستراليا هي الأخرى نفسها بقوة على خارطة الطاقة الشمسية، لاسيما ألمانيا، رائدة الطاقة الشمسية في العالم حتى الآن.
بالنسبة لجنوب أسيا وأفريقيا، فإن غياب البنية التحتية في مناطق كثيرة، وصعوبة الوصول إلى خطوط إمداد الكهرباء، سيكون للمفارقة ميزة للطاقة الشمسية، والتي لا تحتاج سوى نصب لوح شمسي في أي مكان؛ قرية نائية أو خيمة في صحراء أو تجمّع عشوائي، دون الحاجة للوصول إلى شبكة الكهرباء المركزية، وهو ما يعني أن ألواح الطاقة الرخيصة، خاصة الصينية، ستجد سوقًا كبيرًا لها بين مئات الملايين في الهند وأفريقيا اللتين يُعَد نصيبهما كبيرًا نسبيًا من طاقة الشمس نظرًا لموقعهما، وهو ما دفع رئيس الوزراء الهندي الجديد نارندرا مودي إلى إعلان خطته بتوليد 100 ميجاوات من الطاقة الشمسية بحلول عام 2022.
بالتبعية، بدأت صناعة المرافق تعاني من صعود الطاقة الشمسية التي لا تحتاج المرافق وتستقل عن الشبكات المركزية في بلدان كثيرة، ففي أوروبا فقدت صناعة المرافق نصف قيمتها في السوق نتيجة صعود الطاقة المتجددة بشكل عام، كما بدأت نظيرتها الأمريكية في مواجهة نفس المصاعب، حيث تعاني شركات المرافق من تضاؤل رأس المال الجديد نظرًا لتراجع استهلاك الكهرباء من المنازل التي تستخدم ألواح شمسية.
بهذا الشكل بدأ صعود الطاقة الشمسية يصبح ملموسًا، وهو لا يؤثر فقط على سوق الطاقة وشركات المرافق، بل أيضًا على سوق العقارات، حيث تشهد تصميمات المنازل تحولات هذه الأيام ليصبح اللوح الشمسي جزءًا أساسيًا من المنزل، كما بدأت شركات البناء تضع أعينها صوب الأماكن التي تتلقى أشعة للشمس بشكل أكبر والعزوف عن الأراضي ذات الظروف البيئية غير المناسبة، أضف إلى ذلك أن البلدان ذات الحرارة العالية وقلة الموارد المائية، مثل دول الخليج، قد تتجه إلى استخدام الطاقة الشمسية لتحلية المياه وضخها، وهو اتجاه بدأت فيه بالفعل السعودية رُغم صعوبة منافسة أسعار النفط الرخيصة فيها.
التحديات القادمة
التحدي الأبرز الذي يواجه الطاقة الشمسية في الفترة المقبلة سيكون رغبة شركات المرافق في فرض رسوم على المنازل التي تحصل على كهرباء من الشبكة المركزية وتستخدم ألواح شمسية في نفس الوقت، وهو وضع منتشر بالطبع نظرًا لتراجع الطاقة المولّدة من الألواح في الشتاء، مما يعني أن تنافسية الطاقة الشمسية ستبدأ في مواجهة إجراءات من منافسيها لتعديل الكفة لصالحهم، كما ستفتح تلك المسألة باب النقاش حيال ما إذا كان على الطاقة الشمسية أن تكون مربوطة بالشبكة المركزية أم لا.
التحدي الثاني سيكون بالطبع هبوط أسعار الغاز الطبيعي بعد ثورة شيل الأمريكية، والتي تنمو بقوة الآن وتُنذِر ربما بتاطؤ ثورة الطاقة الشمسية، على الأقل على المدى القريب، حيث يعتقد كثيرون أن نمو الأسواق في الولايات المتحدة والهند وأمريكا اللاتينية وأفريقيا سيخلق طلبًا متناميًا على الغاز بشكل يرفع أسعاره على المدى الطويل، وبالتالي يحفظ مميزات وتنافسية الطاقة الشمسية التي تقل تكاليفها بشكل مستمر ومضمون للأسباب المذكورة آنفًا، على عكس أسواق النفط والغاز التي تتقلب أسعارها بشكل غير متوقع حسب السوق العالمي.
التحدي الثالث سيكون، كما كان دومًا، تشكيك غير المقتنعين بقدرة الطاقة الشمسية على التوسع في السوق، حيث لايزال البعض يرى أنها وإن لم تتأثر بالسوق مثل النفط والغاز، إلا أنها في استهلاكها تتأثر بالظروف البيئية، وهو أمر ربما أسوأ، ولكن الرد من أنصار الطاقة الشمسية هو أن التقدم الحادث في تخزين الطاقة سيتيح لها المنافسة، كما أن البعض يعتقد أنها حتى ولو تأثرت بالبيئة، فإن الاعتماد عليها بالتوازي مع الشبكات الرئيسية سيخفف في النهاية من استهلاك النفط والغاز ويخفف التلوث في نهاية المطاف.
ما إذا كانت جماعات الضغط المهتمة بالنفط والغاز، والمشككون في جدوى الطاقة الشمسية، ستكون لهم الكلمة في النهاية هو أمر ستكشفه السنوات القادمة، ولكن مع توسّع الأسواق العالمية، لا يبدو أن أحدهما سيوجه للآخر الضربة القاضية، فالنفط والغاز سيبقيان لأسباب كثيرة، والطاقة الشمسية ستظل تتوسع وتنخفض أسعارها على عكس ما يقول البعض، وستصل حصتها من سوق الطاقة العالمي إلى ما لا يقل عن 20% مستقبلًا.
***
قد يبدو هذا إفراطًا في التفاؤل، ولكن ما جرى لسوق السيارات في مطلع القرن العشرين قد يكون مناسبًا لتوقّع مسار الطاقة الشمسية في الفترة المقبلة، فحين بدأت السيارات تسير في الشوارع الأمريكية بتسعينيات القرن التاسع عشر، تعرّضت للتهكّم باعتبارها عربات دون خيول لا مستقبل لها، لتصبح هناك سيارة لكل 10.000 أمريكي بحلول عام 1900، ثم تبدأ السيارات في الرواج أكثر مع ظهور نموذج تي T الذي صممه فورد، ليرتفع الرقم إلى 900 سيارة لكل 10.000 أمريكي عام 1920، وما جرى بعد ذلك بالطبع غني عن الخوض فيه، فنظرة على شوارع اليوم تقول لنا عما جرى لسوق السيارات على مدار القرن الماضي.