مما لا شك فيه أن سبب دخولي السجن هو إرهاب الصحفيين عن قيامهم بعملهم وخاصةً الصحفيين الأجانب، وذلك بعد أن قامت السلطة الحالية في مصر بمحاولات مستميتة لكبح أصوات كثير من الإعلاميين والصحفيين، وكذلك غلق القنوات ومصادرة الصحف أو غلقها، فعجزت السلطة عن وقف الآلة الإعلامية الغربية على عكس الحالة المصرية، لذا لجأت لاستخدام أساليب الترهيب والتخويف للصحفيين وخاصة العاملين بوسائل الإعلام الناطقة بلغاتٍ أجنبية، أبرزها الجزيرة الإنجليزية والبي بي سي والسي إن إن وغيرها من وكالات الأنباء ذات السيط والرواج القوي في الغرب، وخاصة تلك التي تتمتع بثقةٍ ومصداقية عند الجماهير في الخارج، والتي لا تخضع للضغوط السياسية في غالب الأحيان.
كشاب مصري أمارس مهنة الإعلام ولاأزال طالبًا في آخر سنة من دراستي تعرضت للاختطاف والاعتقال والتعذيب والتهديد بالقتل ومصادرة كل حقوقي والتي مُنِعت من الحصول على أقلها، فكل هذا لا تقوم به السلطات من فراغ، ولكن تقوم به بسبب خوفها من انتقال الحقيقة وسط الجماهير، وتغيير الرأي العام من خلال الدور المحوري الذي تلعبه وسائل الإعلام في فضح ممارسات السلطة التي لاتزال تشعر بالتهديد بالرغم من إغلاق العديد من المنافذ الإعلامية المعارضة لها، والتي باتفاقي أو اختلافي مع مهنيتها وتبعيتها لقوى سياسية معينة إلا أن أحدًا لا ينكر أن تلك الخطوة قيدت الكثير من حرية الرأي والتعبير في مصر.
فالبعض اُعتقل والبعض أُصيب والبعض خاف والبعض سكت، حتى إن البعض قُتل في الأنشطة والفعاليات والتظاهرات المناوئة للسلطة والسبب فقط حمل كاميرا أو الكتابة بقلم أو استخدام حساب على الفيسبوك أو تويتر، ولكن مع كل هذا لم تنجح السلطات الحالية في مصادرة آخر منابر التعبير عن الرأي بحرية وهي مواقع التواصل الاجتماعي على الرغم من محاولاتها الدؤوبة لفعل ذلك لتلحقها بقتلاها من المنابر الأخرى المصادرة.
بعد اعتقال الصحفيين المعارضين للنظام وجميع الذين يشتبه فيهم بالقيام بمحاولات تغريد خارج السرب، لم يتبق سوى الخانعين وماسحي جوخ الأنظمة المتعاقبة، إلا أن هناك بصيصًا من الأمل جاء من جهة الشباب كالعادة الذي يعي تمامًا أن ما يحدث في مصر هو تقييد لحرية الرأي والصحافة ومصادرة على حرية تدوال المعلومات التي كسرها الشباب في عالمهم الخاص في كواكب التواصل الاجتماعي، فانعزل الشباب عن وسائل الإعلام الحكومية والخاصة التي لا تُسبح إلا بحمد النظام، فجعلها الشباب وكأنها تحادث نفسها وعجزة الدولة المتعايشين مع عفنها.
فاللجوء إلى موقع التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومة وللسؤال عن الحقيقة جعل لوبي القنوات الخاصة والإعلام الحكومي ينشطوا على هذه المواقع لمحاولة خلق رأي عام بداخلها، وحتى مع الأساليب الجديدة التي ذهبت لها السلطة ووزارة الداخلية بالتحديد بتعاقدات مع بعض الشركات الأمريكية لمراقبة ولتحليل المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي لرصد الأصوات والأقلام التي تنتقد السلطة وتدعو للتظاهرات أو حتى تعبر عن آرائها وتؤثر في الرأي العام الشبابي، ومن ثم محاولة تعقبهم واعتقالهم.
تقف السلطة الآن عاجزة تمامًا عن السيطرة والتحكم في هذه الظواهر التي كسرت هيبتها وكسرت حظر النشر الذي تعاني منه الدولة بأكملها، فلا شك أن هذا الجيل الجديد من الصحفيين يرهبون الأنظمة الاستبدادية حتى مع تطور أساليب القمع والمراقبة التي بدأت تعتمدها هذه الدول للحد من نشاطهم إلا أنها إلى الآن لم تنجح في قصف هذه الأقلام الحرة ولعل دولنا تتمنى أن تعود بالزمن إلى الخلف – لو استطاعت – حيث يسهل القمع والتنكيل بعدم وجود وسائل تدوال معلومات مثل التي مني بها هذا العهد الذي لم يرح حتى الديكتاتور في ديكتاتوريته كما لم يرح الثائر في ثورته.
ولأثبت لكم أن هذا الجيل لن يُقلِع عن إرهاق هذه الأنظمة التي عفى عليها الزمن، ها أنا ذا خرجت من سجني وواصلت الكتابة ولو بغير اسمى الحقيقي ولكن ليس العبرة بمن يكتب باسمه الحقيقي فحسب، العبرة بمن يكتب الحقيقة رغم كل هذا الإرهاب الممارس علينا.
تجربة صحفي مصري شاب معتقل سابق بسبب نشاطه الإعلامي.