للقاطنين بدول العالم المتقدّم، أو بالمدن الكبرى في البلدان النامية، مثل القاهرة ولاجوس وجوهانسبرغ، لا يجد معظمنا صعوبة في التواصل مع طبيب للحصول على كشف بمقدار طول أو قصر نظره، ومن ثم التوجه إلى متجر لشراء نظارات بعدسات مناسبة حسب الذوق الشخصي، بيد أن رواج أطباء العيون وتجارة النظارات ليس أمرًا مسلمًا به في مناطق أخرى من العالم، لاسيما في بلدان كثيرة بالقارة الأفريقية، والتي تعاني من فقر بنيتها التحتية بشكل يعيق وجود ما يكفي من منشآت طبية ومراكز لإنتاج وتوزيع المواد اللازمة لصنع النظارات، كما أن نفقات تشغيل مراكز طبية وتعيين أطباء على مستوى جيد فيها عادة ما تكون باهظة.
“في مناطق كثيرة بأفريقيا جنوب الصحراء، هناك في المتوسط حوالي متخصص عيون واحد لكل مليون شخص، مقارنة بحوالي واحد لكل 8.000 في بريطانيا”، هكذا يقول جوشوا سيلفر، الفيزيائي البريطاني، ومدير مركز النظر في العالم النامي بجامعة أوكسفورد الذي يعمل على مواجهة التحديات المختلفة التي تواجه شتى أنواع اعتلال النظر في البلدان الفقيرة، حيث يصعب على من يعيشون على أقل من دولار في اليوم الحصول على نظارة، خاصة إذا ما احتاجوا للسفر إلى المدن الكبرى في بلادهم.
تباعًا، يؤدي تفاقم مشكلات النظر لدى هؤلاء إلى انخفاض إنتاجيتهم في العمل، وبالتالي زيادة عوامل فقرهم وتهميشهم في السوق، علاوة على انخفاض قدرتهم على مواصلة حياتهم بشكل طبيعي والتمتّع بها، واحتمالات تدهور نظرهم بشكل أكبر في المستقبل، إذ يُعَد ضعف النظر، طبقًا للأمم المتحدة، ثاني أبرز سبب للإصابة بالعمى في العالم، وهو أمر قد يكون صعب أن يستوعبه من يبدّل نظاراته بسهولة، ولكن الكثيرين من فقراء أفريقيا يعرفونه جيدًا.
النظارات المتكيّفة
في مواجهة تلك التحديات، قام سيلفر باكتشاف أسلوب جديد لتغيير انحناء العدسات عام 1980، عن طريق ضخ أو شفط سائل شفاف بين جانبي العدسة، ليزداد أو يقل انحناؤها حسب الحاجة، وهو اكتشاف بدأ العمل عليه خلال العقد الماضي لإنتاج نظارات تتيح لأكثر من 90% من ذوي البصر الضعيف أن يقوموا بتصحيح نظرهم بشكل شخصي، فقط عن طريق ضبط عجلتين صغيرتين على نظاراتهم تقومان بضخ زيت السيليكون من سرنجة صغيرة إلى عدسات النظارة، والتي تقوم طبقتان من البلاستيك الصلب بحمايتها بينما يتغيّر شكلها.
حين تنتهي من ضبط العدسات عند الانحناء المناسب لنظرك، كل ما عليك هو إما إغلاق تلك العجلات الصغيرة بإحكام عن طريق قِفل، أو فصل السرنجات جملة واحدة، لتحصل على نظارتك في غضون دقائق، وإن كان هناك من شكّك في قدرة البعض على تحديد نظره بدقة، مثل الأطفال، والذين تجري بحوث الآن للتأكد من قدرتهم على استخدام أدسبِكس، إلا أن الغالبية العظمى من المتطوعين الذي جرّبوا النظارات أثبتت قدرتها على تحديد انحناء العدسات الملائم لها.
تكمن فوائد آدسبِكس في خفضها للتكاليف بشكل كبير، والبساطة والسرعة التي تعمل بها، وانخفاض تكاليف تصنيعها المتوقع إذا ما تم إنتاجها على نطاق واسع لمئات الآلاف ممن يحتاجونها، وكذلك قدرة المتطوعين على توزيعها وتعريف الناس بكيفية تشغيلها حتى ولو لم تكن لهم خلفية طبية معقّدة، وهي مسألة ستتيح انتشارها بين ربوع القارة الأفريقية التي يشح فيها متخصصو الطب.
مع ذلك، تواجه آدسبِكس تحديات بطبيعة الحال كأي اختراع جديد، أبرزها أنها لا تقدم حتى الآن علاجًا للإستيجماتيزم (اللابؤرية)، أضف إلى ذلك أن التعرّف على الإستيجماتيزم ليس من السهل أن يقوم به المريض بنفسه، ويحتاج غالبًا إلى طبيب لتشخصيه، على عكس طول أو قصر النظر الذي نشعر به بسهولة، أيضًا، هناك حالات شديدة لطول وقصر النظر تبلغ حدًا يحتاج معه صاحبها إلى نظارات خاصة، وبالتالي يصبح تصحيح نظره صعبًا باستخدام نظارات أدسبِكس.
في حوار له مع مجلة فيزيكس وورلد Physics World، تحدث سيلفر عن بدء توزيع نظارات آدسبِكس بالفعل، والتي وصلت لـ 500 لاجئ سوري في الأردن العام الماضي، والأبحاث التي يعمل عليها الآن لتحسين جودتها وتيسير استخدامها وتوزيعها بشكل أكبر، حيث يقوم الفريق البحثي الخاص به في مركز النظر في العالم النامي بتركيب نسخة مطوّرة تُعرَف بنظارة “نيو آدسبِكس” New Adspecs، كما يعمل على محاولة تحسين شكلها لتكون أفضل من الناحية الجمالية.