تعيش منطقة الشرق الأوسط على وقع تحولات كبرى قد تؤدي إلى تغيير وجه المنطقة، أمر لطالما هدد به الأمين العام لحزب الله اللبناني، الشيخ حسن نصر الله، لكن رغم كون نصر الله كان يوجه وعيده إلى الكيان الصهيوني إلا أن ذلك تجلى على أرض الواقع بأن المستهدف منه حقًا هو كل دول منطقة الشرق الأوسط دون استثناء وربما في مقدمتهم المملكة العربية السعودية.
عوامل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية
في الوقت الذي لم يصح فيه بعد شق كبير من العالم من صدمة هزيمة البرازيل أمام ألمانيا على أرضها في نصف نهائي كأس العالم لكرة القدم، يفيق العالم على فاجعة أكثر زلزلة من الأولى وهو يشاهد رجلاً ملتحيًا متشحًا بالسواد يعلن نفسه خليفة على المسلمين ويدعو لمبايعته، خبر هال السامعين وجلب أنظار المتابعين لأخبار منطقة الشرق الأوسط، فالمنطقة دخلت في دوامة من العنف منذ زمن ولم تستطع إلى اليوم الخروج منها، فمنذ سقوط نظام صدام حسين الذي كان يمثل جدار الصد الأول في وجه التوسع الإيراني الذي يحاول أن يجد موطأ قدم له في الدول العربية على شاكلة حزب الله الذي أوجده في لبنان، وجد الفرس الفرصة مواتية للتغلغل في المجتمع العراقي وتهديد الوجود العربي.
ولم يتوقف الإيرانيون حدّ التغلغل في المجتمع ومؤسسات الدولة بل تمادوا من خلال تشجيع وكلائهم على انتهاك حقوق القبائل العربية في العراق ليصل الأمر في العديد من الأحيان إلى حرق قرى عربية بالكامل، أما في سوريا فإن نظام بشار الأسد لم يتوان عن ارتكاب الفظائع حيث استخدم شتى أنواع الأسلحة بحق شعب أعزل خرج مطالب بالحرية والعدالة، ليرد النظام بحرية قتل المتظاهرين دون تفريق بينهم فالكل أعداء لاستمرار حكمه.
تنظيم الدولة يتهاوى
كل هذه العوامل دفعت إلى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية السني المتطرف أو ما يعرف إعلاميًا بتنظيم “داعش”، كردة فعل على ما قال عنه التنظيم بأنه تمادي الشيعة في هضم حقوق أهل السنة بالعراق وسوريا، لكن غلو التنظيم ورفضه لكل من يخالفه حتى من أهل السنة ألّب عليه الرأي العام العربي والعالمي، بالإضافة إلى ذلك قام التنظيم بإعدام العديد من الصحفيين على مرأى ومسمع من العالم؛ ليتشكل تحالف دولي ضده بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة بعض الدول العربية وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية والأردن أيضًا، ليصبح المشهد يصور عربًا سنة يقصفون عربًا سنة آخرين، أمر يسحب البساط من تحت أقدام الكاتب الأمريكي صامويل هتنجتون الذي أنتج مفهوم صدام الحضارات وأرجعه إلى أسباب ثقافية بما فيها الدين عوضًا عن الأيديولوجيات القديمة التي قسمت العالم إلى رأسمالي واشتراكي، ليبرالي وشيوعي، والتي تعود كلها لأسباب اقتصادية.
تشكّلت تنظيمات شيعية عديدة في الأراضي العربية التي تشهد صراعًا من ذلك تنظيم “جحش” جيش الحشد الشعبي في العراق، والباسيج السوري، وإن كان الهدف المعلن لهذه التنظيمات هو محاربة تنظيم الدولة الإسلامية إلا أنها على أرض الواقع قامت بانتهاكات عديدة بحق السنة حتى أولئك المناوئين للتنظيم، وساهم العداء المتصاعد ضد التنظيم والذي يعود إلى غلوه وتطرفه أفول نجمه في الأوساط العالمية التي كانت تراهن على روافد التنظيم من الكيانات المسلحة لإسقاط نظام الأسد، في ضعفه وسيره نحو التهاوي بحيث أصبح يقاتل منفردًا على جبهات متعددة.
إيران تحارب في دول عربية
أثبت الصعود المفاجئ للحوثيين الزيديين في اليمن والذين يتبع زعيمهم عبد الملك الحوثي المذهب الإثنا عشري الذي يُعد المذهب الرسمي في إيران، أن المخطط الإيراني يهدف إلى إحكام قبضة الأخيرة على المنطقة والسير نحو تكوين الهلال الشيعي، لكن ذلك لا يدحض المقولات الرائجة بأن الإيرانيين يحاولون إثبات وجودهم كقوة إقليمية لا تفرق بن الناس على أساس المذهب أو الطائفة وليس أدل على ذلك من تزويدها لحركة حماس السنية بالسلاح لمواجهة الكيان الصهيوني.
وفي هذا السياق وردت تصريحات لمسؤولين إيرانيين بارزين من ذلك تصريح علي مؤنسي وهو نائب الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي قال إن إيران كونت إمبراطوريتها وعاصمتها بغداد، تصريح واجهه العرب بصمت فظيع يؤكد بأن إعادة ترتيب البيت الداخلي بعد الثورات العربية أرهق العديد من الدول التي اعتبرت الإسلام السياسي هو الخطر الداهم، ليداهمهم التمدد الفارسي الذي أصبح أكثر فتكًا بالمنطقة.
وتفيد بعض مراكز الدراسات الغربية بأن إيران تعد العدة لحرب شاملة على تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الرقة السورية التي تعد أحد أهم معاقل التنظيم، كما تؤكد أن لإيران ووكلائها من العرب الشيعة مخططًا يتمثل في الحرب على أربعة وجهات هي: حلب وجبال القلمون والرقة ومثلث درعة -القنيطرة – دمشق.
في الختام يبدو أن إيران تخطط لتوسيع نفوذها وتحسين موقعها مما ينعكس إيجابيًا على المفاوضات بخصوص ملفها النووي، في الوقت نفسه أصبح تنظيم الدولة المحسوب على السنة يقاتل العرب والفرس سنة وشيعة منفردًا، وإن كان هو المتسبب بخسران الدعم جراء تماديه في التطرف، وحتى الدور التركي الذي جعل من أراضيه نقطة عبور للمجاهدين والسلاح ونقطة لترويج النفط المهرب من سوريا قد تراجع نتيجة تزايد الضغط الدولي؛ لتجد إيران نفسها اللاعب البارز في قتال في بلدين عربيين (العراق وسوريا) تخلى العرب عن الفصل في مستقبلهما.