ترجمة وتحرير نون بوست
وحيد القرن الأبيض الشمالي متجه نحو مصير الديناصورات، فمع وجود خمسة مازالوا على قيد الحياة – ثلاثة في كينيا، واحد في أمريكا، وواحد في جمهورية التشيك – يبدو أن مصير الانقراض لا مفر منه، وبعد أن نجا هذا الحيوان لملايين السنين تحت أعتى الظروف، لم يستطع هذا النوع البقاء تحت حكم البشر حديثي العهد بالأرض.
وحيد القرن الأبيض هو أحد الأنواع الفرعية المهددة بالانقراض، كون ما تبقى من سلالة وحيد القرن على الكوكب والبالغة 28.500 يمكن أن تكون تحت تهديد الانقراض أيضًا، جرّاء تجارة الحياة البرية غير المشروعة، وهذه التجارة التي وصلت قيمتها إلى 12 مليار جنيه إسترليني “18 مليار دولار” سنويًا، انضمت إلى تجارة المخدرات والأسلحة والإتجار بالبشر باعتبارها أحد أكبر مضاربات الجريمة في العالم، وتعتبر أفريقيا نقطة الصفر في هذه “الحرب البريّة” التي يخسرها دعاة حماية البيئة، في ظل تزايد ذبح الحيوانات على نطاق صناعي لتلبية الطلب المطرد على القرن والعاج في البلدان الأسيوية الحديثة العهد بالغنى.
سيتم مناقشة الحلول العاجلة هذا الأسبوع في مؤتمر كاسان بوتسوانا، حيث سيجتمع السياسيون ودعاة حماية البيئة في مؤتمر لاحق لمؤتمر لندن الذي هلل له الكثيرون في العام الماضي باعتباره حل للأزمة، حيث استضافت الحكومة البريطانية هذا المؤتمر الذي كان برعاية الأمراء تشارلز وويليام وهاري، ووقعت 46 دولة على “إعلان لندن” الذي وعد بالتصدي للفساد، واعتماد تشريعات لفرض عقوبات أكثر صرامة ضد الصيادين، وتجنيد المزيد من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، وفي ذاك الوقت صرّح وليام هيج – وزير الخارجية حينها – بقوله “أعتقد أننا اليوم قد بدأنا في تحويل دفة الأمور”.
ولكن بعد مرور أكثر من عام، وعندما سيتم استعراض النتائج العملية الناجمة عن تطبيق إعلان لندن في قمة كاسان، من المرجح أن يتبين التقاعس في تطبيق التزامات الإعلان؛ فالحملة التي يقودها المشاهير لرفع مستوى الوعي في الصين وفيتنام، المستورد الأول لقرون وحيد القرن التي يتم استعمالها كعناصر في الطب الشعبي أو كرمز للوضع الاجتماعي، لم تنجح في تخفيض الصيد غير المشروع، حيث تم قتل 1215 وحيد قرن العام الماضي في جنوب أفريقيا، بنسبة تزيد بـ 20% عن عام 2013.
220 شمبانزي، 106 قرود من نوع إنسان الغاب، 33 قرد بابون، و15 غوريلا، فقدوا من البرية على مدى الأشهر الـ 14 الماضية، وفقًا لتقديرات الشراكة من أجل بقاء القردة العليا، كما أن الفيلة مازالت مهددة أيضًا، وذلك مع اصطياد أكثر من 20.000 فيل سنويًا على الأقل ما بين عامي 2011 و2013 وفقًا للأمم المتحدة، وذلك على الرغم من أن دول مثل كينيا وتنزانيا وأوغندا حاولت محاربة اصطياد الفيلة ولكن لم يتحقق لها سوى قدر ضئيل من النجاح خلال العام الماضي.
وقال الدكتور باتريك بيرجن المدير التنفيذي لمؤسسة الحياة البرية الأفريقية “الأرقام لاتزال ترتفع، وهذا يصيبنا بالحزن، إن الأعداد الأكثر حساسية هي أعداد وحيد القرن في جنوب أفريقيا، ففي ظل اتجاه الأعداد إلى التناقص الكبير، لا أعتقد أننا بدأنا أساسًا بحل المشكلة”.
يمكن القول إن أكبر إخفاق منذ مؤتمر لندن هو الفشل في اعتقال ومحاكمة وإدانة سوى عدد قليل من أعضاء المافيا التي تعمل في تجارة الحياة البرية العابرة للحدود، حيث يشير بيرجن أنه حضر اجتماع في الآونة الأخيرة يشيد بالتقدم الحاصل في مجال حماية الحياة البرية، ولكن عندما تم الانتقال لموضوع الملاحقات القضائية الناجحة لأعضاء المافيا، أطبق الصمت ضمن الاجتماع.
وتابع بيرجن بقوله “نحن لا نرى أشخاصًا يسجنون، من السهل أن نضع المزيد من الكلاب في المطارات، أو نعمل على تدريب المزيد من الأشخاص، ولكن المجتمع الدولي لن يحصل على نتيجة مجدية، ولن يتعامل مع الموضوع بشكل جدي، إلا عندما نرى أشخاصًا يساقون إلى السجن، نحن بحاجة لغلبة الملاحقات القضائية والأحكام الصادرة بحق تجار الحياة البرية، بحيث ترسل هذه الملاحقات والإدانات رسالة إلى باقي التجار بأن الموضوع لا يستحق المخاطرة”.
يتقاسم هذا القلق مع بيرجن منسق برامج وحيد القرن توم ميليكين في مؤسسة ترافيك “Traffic” وهي شبكة ترصد الاتجار بالحياة البرية، حيث يقول “في خضم هذا الموضوع، السلطة القضائية في العديد من البلدان لازالت متخلفة عن اللحاق بالركب، فمنذ فترة تم اعتقال رجل أبيض من جنوب أفريقيا بعد اعتقال جماعته، ويقال إنه أحد التجار الرئيسيين، ولكن مع ذلك خرج بكفالة؛ الجريمة المنظمة يمكن أن تكون أفضل مدافع قانوني في البلاد، والمتورطين في جرائم وحيد القرن يحيطون أنفسهم بالقانونيين والحقوقيين بشكل كبير”.
دولة جنوب أفريقيا هي موطن لـ90% من تعداد وحيد القرن في أفريقيا، حيث عينت الدولة مؤخرًا لجنة مؤلفة من 21 خبيرًا لدراسة جدوى تجارة قرون وحيد القرن القانونية، ولكن ميليكين اتهم اللجنة بالفشل في تحقيق النتيجة أو في إظهار الإرادة السياسية، حيث قال “أحد أكبر خيبات الأمل تتمثل بعدم مشاركة وعدم اهتمام جنوب أفريقيا بإيقاف تجارة وحيد القرن غير المشروعة، فعلى الرغم من أن هذا البلد لديه سجل مميز في المحافظة على وحيد القرن تاريخيًا، لكنه يعد حاليًا بؤرة لتجارة قرون وحيد القرن، حيث إن أغلب هذه الحيوانات تقتل في جنوب أفريقيا، وبدأنا نستشعر وجود أدلة تشير إلى فساد داخلي في جنوب أفريقيا يساعد ويحرض هذه التجارة، ولم نشهد رد فعل من الحكومة تجاه ذلك”.
أربعة من أصل خمسة صيادين لوحيد القرن في جنوب أفريقيا يأتون من دولة موزمبيق المجاورة، وهي أحد أفقر دول العالم، حيث يتم إغراء القرويين بواسطة وعود المال، وتقول كاثي دين مديرة حملة إنقاذ وحيد القرن الدولية “إن سجل موزامبيق منذ مؤتمر لندن في غاية السوء، حيث جاء التقرير الأول الذي أعدته الدولة في وقت متأخر، وهو بالكاد يساوي سعر الورق الذي طبع عليه، إنه فشل حقيقي في إبراز النوايا الحسنة”.
على نطاق قضية الإفلات من العقاب، فإنها تجلت بوضوح في موزمبيق بقضية بارثولوماوس غريل، الصحفي الألماني لصحيفة دير شبيغل، حيث ذهب إلى موزمبيق للتحقيق في سلسلة التوريد من جنوب أفريقيا من خلال وسطاء للمشترين في فيتنام، ويصل سعر الكيلو غرام الواحد من قرون وحيد القرن لمبلغ 65.000 دولار – أغلى من الذهب- ، وعندما زار غريل منزل زعيم المهربين في تلك المنطقة، تم احتجازه كرهينة من قبل الحشود الغاضبة وتم تهديده بالقتل، وبالمقابل لم تعمد الشرطة المحلية لتقديم المساعدة، حيث بدت وكأنها طوع بنان زعيم المهربين.
من جهة أخرى تعتبر تنزانيا أكثر بلد يتم فيها قتل الفيلة بمعدل يقارب 10.000 فيل في عام 2013، ولكن مع ذلك، وعلى النقيض من غياب جنوب أفريقيا الواضح في مؤتمر لندن، فقد حضر الرئيس التنزاني جاكايا كيكويتي إلى المؤتمر، وأُثني على جهوده التي اتخذها لتشديد تطبيق القانون خلال العام الماضي؛ ففي ديسمبر تم اعتقال فيصل علي محمد، وهو من زعماء الجريمة والقيادي البارز في تجارة العاج، من قِبل عملاء الإنتربول في دار السلام.
هيلين كلارك، مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، زارت الدولة الواقعة شرق أفريقيا بعد مؤتمر لندن، وصرحت للجارديان بقولها “إحدى الأشياء المهمة التي كانت تنزانيا تسعى للقيام بها هي رفع مستوى الوعي لدى القضاء حول خطورة الجريمة، والدور السلبي الذي تضطلع به هذه التجارة الإجرامية في تخريب آفاق تنزانيا”، وأضافت كلارك التي كانت رئيسة وزراء نيوزيلندا سابقًا “بعملية حسابية بسيطة يمكنك أن تتبين أن الفيل وهو على قيد الحياة يدر حوالي المليون دولار على الاقتصاد الوطني على مدار حياته، أما في حال تم قتل الفيل، فكم سيكسب السكان المحليون، بضع مئات من الدولارات؟ هذا المبلغ الذي يعد كبيرًا بالنسبة لهم، هو عبارة عن مبلغ نثري عندما يتعلق الأمر بالمنافع العامة، إن وقف هذه التجارة يتطلب من الدولة التعبئة الإيجابية للمجتمعات المحلية واتباع سياسات التنمية الجادة، وإلا سيتجه السكان إلى هذه التجارة لتأمين دخلهم”.
سياسيو تنزانيا يدركون ضرورة معالجة الفقر للوصول إلى معالجة التجارة غير المشروعة للفيلة، حيث يقول الوزير والمرشح الرئاسي المحتمل لهذا العام جينواري ماكامبا “يجب علينا مساعدة القرى التي تحيط بالمحميات بطريقة لا يشعر سكانها بضرورة مساعدة الصيادين على الصيد لتأمين دخلهم”، وأضاف “إذا لمست المجتمعات المحلية فوائد الحفاظ على الفيلة التي تنعكس على نمط معيشتهم، فإنهم سيكونون أول المدافعين عن الحياة البرية”، وتابع ماكامبا موضحًا “إن قضايا الصيد الجائر وقطع الأشجار هما مسألتان متعلقتان بطريقة الإدارة الحكومية وبمشاكل الفقر، والفساد هو مركز هذه المشاكل، فإذا استطعت إيجاد الحلول للفساد، تكون قد قطعت منتصف الطريق للتعامل مع مشكلة الصيد الجائر”.
بجميع الأحوال، ومهما كانت أوجه القصور، فلا يمكن إنكار فضل مؤتمر لندن في زيادة الوعي العالمي نحو قضية الاتجار غير المشروع بالحياة البرية، وبوضع تجارة الحياة البرية على جدول الأعمال الدولي؛ ففي عام 2014، وللمرة الأولى منذ سنوات، تم ضبط أغلبية شحنات الحياة البرية غير الشرعية على الأراضي الأفريقية، بدلًا من ضبطها من قبل السلطات الدولية خارج أفريقيا، ومن جهته أعلن الأمير وليام عن تشكيل فريق عمل للتعاون مع شركات الطيران وشركات الشحن لوقف نقل شحنات الحياة البرية غير المشروعة.
في وقت سابق من هذا الشهر قام الرئيس الكيني أوهورو كينياتا بحرق 15 طنًا من العاج لإظهار معارضة الدولة لهذه التجارة، وحذت إثيوبيا حذو كينيا، عندما قامت بتدمير كامل مخزونها من العاج الذي يقدر بـ 6.1 طن من العاج الخام والمنحوتات والحلي والمجوهرات، وعلى ذات الصعيد، شرّعت تايلاند قوانين وأنظمة جديدة حول تجارة العاج غير المشروعة، وشنت حملة ضخمة ضد العاج شملت أكثر من مليون شخص.
أما الصين فقد كانت مشاركتها في القضية “قفزة كبيرة إلى الأمام”، وفقًا لأحد المسؤولين البريطانيين، حيث وجدت دراسة حديثة أن وعي المستهلك الصيني حول تأثير تجارة العاج وقرون وحيد القرن على الحياة البرية الأفريقية، نمت بسرعة خلال العامين الماضيين بعد حملات التوعية العامة الكبرى، التي ضمت مشاهيرًا مثل الأمير وليام والرياضي ديفيد بيكهام والممثل جاكي شان.
ومع ذلك يشير ميليكين إلى ملاحظة قد تغيب عن ذهننا وتتمثل بقوله “نحن نميل إلى الاعتقاد بأن الناس ستتأثر بذات الرسائل التي تؤثر بنا، ولكن يمكن أن يكون لهذه الرسائل تأثير معاكس، فالناس يريدون أن يثبتوا ثرواتهم ومكانتهم، وإذا قلنا لهم أن وحيد القرن له قيمة نادرة، فإنهم قد يقولون: انظروا لي، يمكنني ابتياع قرنه”، وأضاف “على المجتمع البيئي أن يتراجع قليلًا ويتساءل، ما الذي نحاول تحقيقه؟ يجب علينا أن نتصرف بذكاء ونلعب بطريقة مختلفة، وربما يجب علينا سحب شعاراتنا، مازلت أعتقد أن المشاهير يمكن أن يخدموا القضية، ولكن علينا أن نكون ناضجين لندرك أن مجرد إقناع مادونا بالدخول إلى الحملة لن يحل كل شيء”.
المصدر: الجارديان