ترجمة وتحرير نون بوست
شهدت السنوات الأخيرة تقاربًا في العلاقات بين إيران وعدد من بلدان أمريكا اللاتينية، مما أثار ضجة إعلامية خاصة على إثر اللقاءات ثقيلة الوزن التي جمعت هيجو تشافيز بمحمد أحمدي نجاد، غير أن التقارب الأخير بين واشنطن وطهران بسط ظلاله على هذه العلاقة التي أثرت سلبًا على الواقع الأمريكي اللاتيني إلى درجة إحياء توترات سابقة مع الولايات المتحدة؛ الأمر الذي أدى إلى تعطيل أعمال قمة الأمريكتين المزمع عقدها يومي 11 و10 أبريل المقبل.
وكان مقتل نائب عام ببوينس آيرس في 18 يناير 2015 وما تلاها من أوامر كان باراك أوباما قد وجهها لفينزويلا قد أعادت إلى ذاكرة البلدين وجيرانهما قدرة الاضطراب الدولي على الامتداد والتوسع، حيث ترك صدى هاتين الحادثتين الصادمتين بصمته على الواقع الجغراسياسي مع فارق في توزيع الأدوار، ففي حين لايزال الشمال الأمريكي متقلدًا مهمة تقييم التوجهات والسلوكيات السياسية، لم يعد الاتحاد السوفيتي السابق ومن بعده روسيا المضطلع بدور الفزاعة في أمريكا اللاتينية، حيث تم تمرير المشعل لإيران.
يذكر أن جنوب ريو غراندي كان قد اقتحم الأبواب المفتوحة للدبلوماسية الأمريكية التي تلت انقضاء الحرب الباردة، قبل أن تتولى بلدان أمريكا اللاتينية تأسيس كل من مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي واتحاد دول أمريكا الجنوبية؛ سعيًا منها لتيسير سبل التعاون والتواصل الإقليمية، مما ساهم فعلاً في خلق حلول بديلة وفض العديد من النزاعات في المنطقة، مما يدفعنا إلى التساؤل عما إذا كانت التوترات الدولية الجديدة قد تمكّنت من تجاوز القدرة الإقليمية بأمريكا اللاتينية.
من جهتها تعتبر الأرجنتين البلد الأكثر عرضة للتوتر بالمنطقة، إذ جعلها التواجد القوي للمجتمع اليهودي عرضة للمواجهات الإرهابية سنتي 1992 و1994 خاصة، في حين انطلق صراع الشرق الأوسط إلى بيونس آيرس حيث تم استهداف السفارة الإسرائيلية إضافة إلى مكاتب للجالية اليهودية هناك، هذا وقد أسفر الهجوم الأول عن مقتل 27 شخصًا وأودى الثاني بحياة 85، ولايزال البحث جاريًا عن منفذي العمليتين الذين لم يتم التعرف إليهما حتى الآن.
وكان القاضي الذي وكل بهذا الملف بداية من سنة 2004 قد طلب التحقيق مع ستة من المشتبه بهم، أحدهم لبناني الجنسية يرجح انتماؤه لحزب الله، في حين أفاد الإنتربول بأن الخمسة الآخرين هم إيرانيون مقربون من النظام، غير أن مجرى المحاولات المتعددة للتوفيق بين المتطلبات الاقتصادية ومقتضيات العدالة أودى بسير القضية، التي تم العثور على مدعيها العام مقتولاً رميًا بالرصاص في شقته في 15 يناير المنصرم، وكان ألبرتو نيسمان قد قام بتعليق عطلته بإسبانيا قبل 3 أيام من مقتله ليطالب، علنًا، بسماع إفادة رئيسة الدولة إثر اشتباهه في تعطيلها لمجرى القضية في سبيل المحافظة على التوافق مع إيران التي يرجح اضطلاعها في عملية اغتياله، يذكر أن صحفيًا من أصل أرجنتيني إسرائيلي كان أول من أورد خبر موت المدعي العام قبل أن تقوم إسرائيل بدعوته لأسباب أمنية لم يتم الإفصاح عنها.
من المستفيد من هذه الجريمة؟ لا يمكن أن تكون إيران نظرًا لالتزامها بسلسلة من المفاوضات مع إدارة باراك أوباما، ولا الرئيسة الأرجنتينية التي تسعى لتهدئة الأجواء تمهيدًا للانتخابات، لكن هذه العملية لم تخل من مخلفات وطنية وإقليمية، إذ صرفت النظر عن المساعي الرامية لتحديد هوية منفذ هجوم سنة 1994 لتتجه التحريات نحو التركيز على مسؤولية كريستينا كيرشنر في قضية مقتل ألبرتو نيسمان، في حين اختفت العلاقات مع طهران من جدول الأعمال إثر تخلف الأرجنتين عن ركب دول أمريكا اللاتينية مثل بوليفيا وفينزويلا التي تربطها صلة قوية بإيران.
هذا وكان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قد أفصح عن إجراء تنفيذي ضد فينزويلا في التاسع من مارس 2015، لتخضع كاراكاس بموجب هذا المرسوم الرئاسي لعقوبات بسبب “تهديدها لمصالح السياسات الخارجية للولايات المتحدة”. يذكر أن نفس العقوبات كانت قد سلطت على كل من روسيا إثر ضمها لشبه جزيرة القرم وبشار الأسد بسوريا بسبب لعنف الذي مارسه ضد شعبه، علاوة على اعتبار ممارسة كلتا الدولتين تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة، وبالعودة إلى سنة 2008، نجد نفس الأسلوب حاضرًا مع إدارة جورش بوش في تعاطيه مع كوريا الشمالية المُشتبه في احتضانها لنشاط نووي.
لكن فينزويلا لا تملك أسلحة نووية وليس لها نية الشروع في مشروع نووي ولا يمكن لها أن تمثل خطرًا على أمن وسلامة أمريكا بأي حال من الأحوال، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة سابقًا إلى التصريح بإمكانية التعايش مع هذه الدولة على الرغم من اختلافها مع النظام القائم فيها ودفع إدارة باراك أوباما إلى التفاوض مع شيوعيي كوبا، مما يدفع إلى التساؤل عن الصعود المفاجئ لهذا التوتر والتعريج على معاداة الكونغرس للسياسات الخارجية الأمريكية القائمة، حيث يتولى باراك أوباما حاليًا التفاوض مع إيران حول ملفها النووي في حين يسعى لإعادة العلاقات مع كوبا بعد انقطاع دام ثلاث وخمسون سنة، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، بادرت مجموعة من الجمهوريين إلى مراسلة طهران سعيًا منها لقطع سبل التوافق بين الولايات المتحدة وإيران، بينما قام مجلس الشيوخ بدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تولى انتقاد أي تقارب بين الإدارتين الأمريكية والإيرانية في خطاب له أمام مجلس الشيوخ، من جهة أخرى أعرب نواب جمهوريون وديمقراطيون عن أسفهم لانطلاق الحوار مع هافانا، وفي هذا السياق لاشك من أن كاراكاس التي سمحت لإيران ببناء سلسلة تعاون مع دول أمريكا اللاتينية هي منفذ باراك أوباما الدبلوماسي أمام معارضيه.
وتبقى العلاقات الدبلوماسية محفوفة بالتحديات والمجازفات، حيث يتوجب على باراك أوباما ملاقاة نظرائه الأمريكيين يومي 10 و11 أبريل في حين كان من المتوقع أن تكون هذه القمة السابعة للنصف الغربي منفذًا للمصالحة.
يُذكر أن الحوار الأمريكي الفنزويلي قد لاقى ترحيب الدول البوليفارية ومباركة حلفاء الولايات المتحدة الداعمة لبسط علاقات ثقة مع الإخوة كاسترو، هذا ومن المرجح أن تتصدر بنما الخلافات الجديدة، من جهتها بادرت دول أمريكا اللاتينية منذ أيام قليلة بترتيب لقاءات مع مختلف منظماتها للإجابة على التساؤلات القائمة حول المرسوم الرئاسي الأمريكي الذي يقضي بفرض عقوبات على فنزويلا.
المصدر: هافينغتون بوست