توتر غير مسبوق بين قيادات العدالة والتنمية في تركيا

21153

أيام عصيبة تلك هي التي يمر بها أحمد داوود أوغلو، رئيس وزراء تركيا، محاولًا وحده على ما يبدو إطفاء النيران التي اشتعلت بين الحكومة من ناحية، والرئاسة ممُثلة في أردوغان من ناحية أخرى، حيال المسألة الكردية، فبينما أعرب الرئيس صراحة عن اعتراضه على مسار الحكومة في المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني، ردت الحكومة بأنها تعرف جيدًا ما تقوم به وأن أردوغان من المفترض أنه على علم به، ليظهر داوود أوغلو في مؤتمر صحافي قائلًا إنه ليس ثمة سوء تفاهم أبدًا بين الحكومة والرئاسة!

لم يكن ذلك فقط هو المأزق الوحيد الذي وُضِع فيه داوود أوغلو، فقد احتاج إلى تهدئه الأجواء مرة أخرى بعد المشاحنات التي جرت أمس الأول بين عُمدة أنقرة، مليح گوكتشك، ونائب رئيس الوزراء بولنت أرِنتش، وتبادلا فيها الاتهامات بالفساد والعمل لصالح حركة كولن، والتي تناصب الحكومة والحزب العداء الآن، حيث صرّح داوود أوغلو بأن تصرّف كليهما غير مقبول، وأنه لن يتوانى عن محاسبة من يهددون سُمعة الحكومة قبل الانتخابات المقبلة.

المسألة الكردية

بينما ظهرت إلى السطح خطة الحكومة لتكوين لجنة مستقلة متفق عليها بين الحكومة وحزب الشعب الديمقراطي الكردي لمتابعة عملية السلام مع الأكراد، في محاولات لحل المسألة الكردية بشكل نهائي، وهو السؤال الوحيد العالق في تركيا اليوم من تركة أتاتورك بعد إنهاء هيمنة الجيش والنخبة العلمانية المتطرفة على السياسة والدولة، نشر القائد الكردي المسجون عبد الله أوجلان دعوة يحث فيها حزب العمال الكردستاني على عقد اجتماع في أقرب وقت لمناقشة نزع سلاحهم، ليرد أردوغان بعد ساعات باعتراض واضح على فكرة اللجنة من الأساس، ويُظهِر للعلن خلاف بين الرئاسة والحكومة فيما يخص الملف الكردي.

“حكومتنا تعتبر تلك الخطوة صحيحة، ونحن نملك خطة طريق توضّح توزع المسؤوليات في هذه العملية، فالحكومة هي من يدير البلاد، وإنه لمن المستحيل ألا يكون الرئيس على عِلم بهذه التطورات والخطوات، فهو يعلمها جيدًا، كما أننا ناقشناها بالتفصيل في مجلس الأمن القومي وفي الاجتماعات الأسبوعية مع رئيس الوزراء”، هكذا رد نائب رئيس الوزراء بولنت أرِنتش، والذي دعا إلى التركيز مع المصادر الحكومية فقط فيما يخص المسألة الكردية، ووصف تعليقات أردوغان بالعاطفية.

لم تخرج أي ردود فعل مباشرة من أردوغان حتى الآن، إلا أن أحد المصادر المقربة منه في حزب العدالة والتنمية أعرب عن  ذهوله مما جرى، في حين عبّر محمد متينر، عضو بالبرلمان مقرّب من أردوغان، عن أسفه لتصريحات أرِنتش، “أنا حزين جدًا، استخدام كلمة التعليقات العاطفية لوصف الرئيس أشعرتني بعدم الارتياح”.

من جانبه، نشر صحافي محسوب على أردوغان حسب مصادره الخاصة، أن الرسالة الأصلية التي بثها عبد الله أوجلان كانت تحتوي على أجزاء إضافية حُذِفَت طبقًا لطلب أردوغان، منها أنه حدد موعدًا لعقد اجتماع حزب العمال الكردستاني، 15 أبريل، وهو ما يسبق الانتخابات البرلمانية بعدة أسابيع، بالإضافة إلى حديثه عن التاريخ المشترك للأكراد والأتراك، وإشارته إلى سليمان شاه، الذي نُقِل ضريحه مؤخرًا من موقعه بسوريا إثر تهديد داعش له، وهو ما رأي أردوغان أنه محاولة من أوجلان لكسب نقطة على حسابه، وهو المتباطئ نوعًا ما في مواجهة داعش، وتفريق الرأي العام التركي.

من ناحية أخرى، يقول البعض إن محاولات أوجلان كسب شرعية سياسية لن تلقى قبولًا عن الأتراك، خاصة الشرائح القومية منهم، وهي ليست هيّنة بالطبع، وهو ما دفع أردوغان للاعتراض على سير المحادثات مع الأكراد بشكلها الحالي نظرًا لحرصه على الخروج بأغلبية كبيرة لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية القادمة ليتمكن من تعديل الدستور، وتغيير نظام الجمهورية التركية من برلماني إلى رئاسي، حيث يضع أردوغان صوب عينيه الحصول على 400 مقعد من المقاعد الـ 550 في البرلمان، وهو أمر قد يهدده تراجع شعبيته بين القوميين والأتراك، وقد يكون سببًا في الخلاف حول خطوات الحكومة الأخيرة.

مشاحنات لفظية بين أرِنتش وگوكتشِك

لم تكد تنتهي الأزمة بين أردوغان وأرِنتش حتى نشبت مشاحنة لفظية بين أرِنتش وعُمدة أنقرة مليح گوكتشِك يوم 23 مارس، حيث هاجم الأخير أرِنتش على حساب تويتر الخاص به واصفًا إياه دون مواربة بكونه على صلة بحركة كولن، التي أصبحت من ألد أعداء الحزب سياسيًا منذ حوالي ثلاثة أعوام، في محاولة لتفسير مواقفه الأخيرة من أردوغان، ومطالبًا إياه بالاستقالة.

بدوره، رد أرِنتش واصفًا عُمدة أنقرة بـ “معدوم الكرامة والأدب”، وقال بأنه هو الذي يمتلك علاقات مريبة مع الحركة و”يجلس في أحضانها”، متهمًا إياه ببيع أنقرة “قطعة قطعة” لصالحها، وأنه سيفضح كافة معاملاته بعد الانتخابات البرلمانية، بعد أن كان معارضًا لترشيحه لمنصبه في 2009 و2014، وهو ما دفع گوكتشك إلى الإعلان عن مقاضاته لأرِنتش على تصريحاته، ليبدأ المدعي العام في أنقرة بفتح ملفات كليهما منذ يومين.

بدوره، التقى داوود أوغلو بنائبه وبعُمدة أنقرة يومي 23 و24 مارس، قبل أن يلتقي الرئيس مجددًا، في محاولة منه لاحتواء الأزمة، أو الأزمتَين إن جاز القول، “لقد تناقشنا في كل المسائل بالتفصيل، وسنتخذ الخطوات المطلوبة، أما من يتمنون الفوضى في أوساط الحكومة سيخيب أملهم لأننا قادرون على تجاوز كافة المشكلات كما فعلنا في الماضي”، هكذا صرّح داوود أوغلو بالأمس بعد لقائه بأردوغان، دون الإشارة إلى أي قرار نهائي بخصوص اللجنة التركية الكردية المختلف عليها.

أما بعد…

على خلفية تلك الأحداث، وبغض النظر عن احتواء تلك الأزمة من عدمها، يبدو أن التوتر الجاري سيظل طويلًا وسيطال بطبيعة الحال المواقف حيال السيناريو المستقبلي للنظام السياسي في تركيا، وبالنظر للتغييرات التي يطمح أردوغان بإحداثها في النظام التركي قبل الوصول إلى عام 2023، الذي سيكون الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، يبدو أن الملف الكردي سيلعب دورًا حاسمًا في ماهية النظام الجديد، وبشكل لا يقل أهمية عن الدور الذي لعبه الإسلاميون في التحول نحو تركيا ما بعد أتاتورك خلال العقد الماضي، كما كتب عمر طاشبينار، الباحث المعروف في الشأن التركي.

بالإضافة إلى ذلك، تظل مسألة رئيس الوزراء المُقبِل مُعلّقة، فبينما اختفى عبد الله گول من الساحة السياسية تمامًا، وتشير بعض التوقعات إلى أن داوود أوغلو لن يستمر، أو بما لا يرغب، في رئاسة الوزراء، تشير بعض التكهنات إلى رغبة ما في الدفع بهاكان فيدان رئيسًا للوزراء، وهو رئيس جهاز الاستخبارات السابق الذي استقال من منصبه وأعلن نيته الترشح للبرلمان، وهو ما أثار الكثير من علامات الاستفهام، إذ لا يُعقَل بالطبع أن يكون رئيس الاستخبارات راغب بمقعد في البرلمان ليكون عضوًا فيه ليس إلا، وبينما لا يعرف أحد من هي الأطراف التي تميل لفيدان، إلا أنه من المعروف أنه ذراع أردوغان اليمين إن جاز القول، والمُمسِك بكافة خيوط السياسة التركية في الملف الكردي والسوري وملفات عدة في العلاقات الخارجية، خاصة في الشرق الأوسط.

“الصراع الجاري بين الحكومة والرئيس ليس صحيًا أبدًا لصورة الاستقرار التي طالما رسمها حزب العدالة والتنمية، وطالما نجح عبرها في تعزيز شعبيته والاستمرار في الحُكم، إنه توتر غير مسبوق منذ تأسيس الحزب عام 2001″، هكذا كتب الصحافي المقرّب من أردوغان عبد القدير سِلوي في جريدة يني شفق المحسوبة على حزب العدالة والتنمية منذ يومين، معبرًا عن قلق ينتاب الكثير من أنصار الحزب الآن جراء تلك الاضطرابات، والتي تأتي قبل أشهر قليلة من الانتخابات البرلمانية المُفتَرَض إجراؤها في السابع من يونيو المقبل.