يعيش اليمن أوضاعًا صعبة بسبب فشل تحقيق الانتقال السياسي للسلطة بعد ثورة فبراير 2011 في ظل صراع بين عدة قوى داخلية على عدة قضايا منها الصراع بين الشمال والجنوب وبين النظام السابق وقوى الثورة وكذلك الجيش وتنظيم القاعدة وصراعات قبلية أخرى في ظل صعود متزايد لجماعة الحوثي التي تسيطر على عدة مدن يمنية رئيسية.
وقد صعد اليمن إلى واجهة الأجندة الدولية بعدما قامت جماعة الحوثي بالسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء والمقرات السيادية فيها في 21 سبتمبر 2014، ومنذ ذلك التاريخ شهدت الأوضاع أحداثًا دراماتيكية كان أبرزها حالة الفراغ السياسي والدستوري التي تسببت بها استقالة الرئيس عبدربه منصور هادي ورئيس الحكومة خالد بحاح احتجاجًا على سلوك الحوثيين، وما تلا ذلك من قيام الحوثيين بإصدار إعلان دستوري في 6 فبراير 2015 بعد فشل الحوار الذي قام به المبعوث الأممي جمال بن عمر.
وقد سبق هذه الأحداث مقدمات دموية؛ حيث شهد عام 2014 مصرع حوالي 7 آلاف يمني منهم 1000 من المؤسسة العسكرية و500 من تنظيم القاعدة وحوالي 5000 من جماعة الحوثي خلال المعارك في مدن مثل عمران ومأرب وصنعاء.
يوجد في اليمن عدة قوى فاعلة تفاوتت فاعليتها خلال السنوات الماضية وفقًا لتغير موازين القوى ومنها:
اللقاء المشترك
ويتكون من عدة تيارات مختلفة إسلامية ويسارية ويتبنى منهج الحوار، وشكل منذ 2006 أكبر التيارات المعارضة لنظام علي عبد الله صالح، ويعد حزب التجمع من أجل الإصلاح من أكبر الأحزاب المشاركة فيه، وقد كانت أحزاب اللقاء المشترك من المكونات الأساسية للثورة ضد نظام عبد الله صالح، وتملك بعض هذه الأحزاب قوات عسكرية لكنها لم تنخرط في المواجهة مع الحوثيين عندما دخلوا إلى صنعاء.
وقد واجهت أحزاب اللقاء المشترك خلال السنوات الثلاث الماضية صعوبات كثيرة بسبب محاولات إفشالها من خلال التنسيق بين الحوثيين والنظام السابق، وحاولت التوصل لحلول عن طريق الحوار مع الحوثيين إلا أن ذلك لم ينجح، وتعد حاليًا القوة السياسية الأقدر على مواجهة الحوثيين في حال نسقت جهودها مع بقية الأحزاب في الداخل ومع الدول المجاورة وتحديدًا مع السعودية.
الحوثيون
حركة زيدية متمردة نشأت بمحافظة صعدة في شمال اليمن، تنسب إلى بدر الدين الحوثي وتعرف بالحوثيين أو جماعة الحوثي أو حركة أنصار الله أو الشباب المؤمن، بدأت نشاطها فعليًا في 2004 وخاضت خلال 2004 و2005 حروبًا مع النظام اليمني، وكانت جماعة الحوثيين تقول في السابق إن الوضع الذي تعيشه يتسم بخنق الحريات، وتهديد العقيدة الدينية، وتهميش مثقفي الطائفة الزيدية، وتحاول تكريس حقوقها في الحياة السياسية اليمنية عبر قوة السلاح غير أن السلطات اليمنية تؤكد أن الحوثيين يسعون لإقامة حكم رجال الدين وإعادة الإمامة الزيدية. [1] وتسيطر جماعة الحوثي حاليا على 8 محافظات يمنية بقوة السلاح مما جعل أطراف داخلية وخارجية تتهما بالقيام بانقلاب عسكري بعد قيامها بتضليل القوى الأخرى من خلال عملية الحوار
النظام السابق
ويمثل هذا التيار حزب المؤتمر الشعبي ويعتقد أنه مازال يدين بالولاء للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ويشكل قوة في البرلمان اليمني وفي الجيش اليمني مثل القيادي العسكري عبد العزيز الذهب، وقد اتهم الرئيس عبد ربه منصور أركان النظام السابق بالوقوف خلف سيطرة الحوثيين العاصمة [2] ويحاول النظام السابق إثبات أنه كان الأفضل من أجل استقرار اليمن وبدونه سوف تسير اليمن إلى الفوضى أو الاقتتال الداخلي.
القاعدة
وهي مكون مهم في المشهد اليمني ولها مسار تاريخي طويل من أهم نقاطه استهداف المدمرة الأمريكية كول في 2002 واندماجهم مع الجناح السعودي تحت اسم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وقد تصاعدت قوته بعد الثورة وسيطر على محافظة شبوة، وتبدو القاعدة حاليًا غائبة عن السجال السياسي الحاصل حاليًا في اليمن، وقد خسرت كثيرًا بعد ظهور تنظيم الدولة للخلافة في العراق؛ مما جعلها تفقد الكثير من عناصرها. [3]
ولكن سيطرة الحوثيين على صنعاء تعد فرصة للقاعدة من أجل استعادة نشاطها بزخم أكبر وربما تقوم على غرار ما فعله تنظيم الدولة في العراق وسوريا بإقامة ولاية في جنوب اليمن. [4]
ويذكر في هذا السياق أن تنظيم القاعدة في اليمن قد تبنى عملية شارلي إيبدو في فرنسا في يناير 2015 وأكد أنه قام بتمويل العملية ومتابعتها، وتولي الولايات المتحدة اهتمامًا خاصًا بمكافحة القاعدة في اليمن وقامت باستهداف عدد منهم من خلال طائرات بدون طيار.
الحراك الجنوبي
هو تكتل قوى سياسية جنوبية ينزع إلى الانفصال وإحياء جمهورية الجنوب، وقد انطلق في 2007 احتجاجًا على تهميش الجنوب وأبرز قواه المجلس الأعلى للحراك الجنوبي برئاسة حسن باعوم وعلي سالم البيض المتهم بعلاقات مه إيران، هناك خلاف بين فصائله على الانفصال التام والفيدرالية، وقد دخل الحراك الجنوبي إلى الحوار الوطني وكانت نظرته خصوصًا فيما يتعلق بمستقبل الدولة أن الحل حل فيدرالي يقسّم اليمن إلى إقليمين، وهو ما لم يؤخذ به في مخرجات الحوار حيث كان الرأي مع تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، وقد أضعف سقوط صالح وتعيين رئيس جنوبي كثيرًامن موقفهم [5]
القبائل
تشكل القبائل ركيزة أساسية في التركيبة الاجتماعية في اليمن، وهي كيانات لها أعرافها وتقاليدها ومسلحوها، وقد أثر نفوذها في المشهد السياسي – بشكل سلبي – على تحديث الدولة اليمنية ومؤسساتها، والقبائل في اليمن هي 3 تجمعات كبيرة هي حاشد وبكيل ومذحج، وتشير الإحصاءات أن في اليمن 200 قبيلة منها 168 في الشمال والبقية في الجنوب وقد اعتمد عليها علي صالح طوال 30 عامًا، ثم شاركت هذه القبائل ضده خلال الثورة كما وقفت أمام جماعة الحوثي في بعض المناطق وخصوصًا في 2013 و2014. [6] ولكن أقوى هذه القبائل هي حاشد وبكيل ومنتشرة عي شمال ووسط اليمن وقبائل آل معيلي ووائلة في مأرب وقبيلة يافع في الجنوب.
وتمثل القبائل أكثر من 85% من الشعب اليمني ويرى بعض الكتاب أنها ترفض المشروع الإيراني في اليمن والمتمثل في الحوثيين، ويعتقد أن القبائل هي القوة العسكرية التي من الممكن أن تواجه الحوثيين، وأنها الجهة التي يمكن أن تقوم بأدوار الدولة بعد انهيارها المفاجئ إلى أن يتم التوصل لحلول مستقبلية. [7]
مكون الشباب أو شباب الثورة
لعبت هذه الفئة دورًا مهمًا خلال الثورة من خلال 500 ائتلاف اختلفت حسب أهدافها وأماكن تواجدها وكان من أبرزها حركة 15 يناير ومنسقية شباب الثورة وحركة 3 فبراير ومجموعة الثورة الطلابية ولا شك أن المكون الشبابي الثوري – وحتى ولو كان غير بارز في الصفوف الأمامية للمشهد السياسي اليمني الحالي – إلا أنه أثّر في الساحة تأثيرًا ملموسًا بل دفع بكثير من السياسيين للتفكير بشكل آخر بداية الثورة. [8]
وبالرغم من أن استقالة الرئيس فتحت المجال للشباب للعودة للتظاهرات إلا أن الشباب في اليمن حاليًا يفتقر إلى التنظيم والقيادة الموحدة، ويُعتقد أن دورهم المستقل عن القبائل والأحزاب سيكون تأثيره ضعيفُا في المدى القريب، حيث إن الفترة التي غاب فيها الشباب عن مسرح الأحداث منذ توقيع المبادرة الخليجية أظهرت سيطرة قوى أخرى.
[1] جماعة الحوثيين في اليمن، الجزيرة نت، 12 أغسطس 2009. https://www.aljazeera.net/news/arabic/2009/8/12/%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86
[2] صحيفة القدس العربي، الرئيس اليمني: أركان النظام السابق والحوثيون وراء أحداث صنعاء، 25 سبتمبر 2014 .
https://www.alquds.co.uk/?p=226156
[3] علي بكر، اختبار الرئيس: لماذا تصاعد نشاط تنظيم “القاعدة” في اليمن؟، السياسة الدولية، 13 مارس 2013.
https://www.siyassa.org.eg/NewsQ/2256.aspx
[4] لينا الخطيب، خسائر القاعدة في سوريا قد يعادلها فوز في اليمن، مركز كارنيغي للشرق الأوسط 18/2/2015.
[5] ما هو الحراك الجنوبي، برنامج الحدث، قناة العربية، الحلقة 153، 2 نوفمبر 2014.
[6] مراد الغارتي، تقرير ندوة الدور السياسي للقبيلة في اليمن، مركز المرصد، 30 يناير 2008، صنعاء.
[7] مطلق المطيري، قبائل اليمن هي الحل، يمن سكاي 18/2/2015.
https://yemensky.com/art131.html
[8] سيدي أحمد ولد أحمد سالم، تقرير حول ندوة: الثورة اليمنية بعد ثلاثة أعوام: التحديات وآفاق المستقبل، مركز الجزيرة للدراسات 25 فبراير 2014.