ما الذي شجع الحوثي على ابتلاع اليمن؟

بعد انطلاق الربيع العربي في اليمن في فبراير 2011 ظلت السلطة في اليمن موضع صراع بين أطراف عدة وحاول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية وضع صيغة معينة للتوافق من خلال المبادرة الخليجية التي اعتبرت الثورة الشعبية في اليمن أزمة سياسية بين حزب المؤتمر الشعبي وتكتل أحزاب اللقاء المشترك.
وقد تم التوقيع على المبادرة الخليجية في الرياض في 23 نوفمبر 2011، وساهمت المبادرة في رسم شكل أحداث اليمن بعد انتفاضة عام 2011 بشكل واضح، وحدّدت مراحل العملية الانتقالية بدءًا من استقالة علي عبدالله صالح، وتولي نائبه عبد ربه منصور هادي الرئاسة لفترةٍ انتقالية ثم تكليف المعارضة بتأليف حكومة “وفاق وطني”، وصولاً إلى صياغة الدستور الجديد ثم إجراء انتخابات تشريعية؛ مما مهد الطريق على الأقل نظريًا وكأساس قانوني أيضًا لتسير اليمن نحو الاستقرار النسبي.
وقد تم اعتماد المبادرة مرجعية دستورية للبلاد إلى حين صياغة الدستور، كما منحت المبادرة الحصانة للرئيس علي عبدالله صالح، وهو ما رفضته عدة قوى معارضة في البداية ويرجح أن هذا من أهم الأسباب التي سهلت على الرئيس السابق صالح العودة للعب في الساحة السياسية في اليمن. [1]
وحين انطلقت ثورة فبراير 2011 لإسقاط نظام الرئيس صالح، كانت تطلعات الحوثيين التوسعية أقل بكثير مما هي عليه الآن وقد أغرتها عدة عوامل من أهمها وجود رغبة إقليمية ودولية بإنهاء وجود الإخوان المسلمين، فشل الرئيس هادي في قيادة الانتقال السلمي، الفشل الاقتصادي في تقديم أدنى متطلبات الحياة للمواطنين، ضعف شخصية الرئيس في اتخاذ القرارات، مساندة قيادات من النظام السابق لجماعة الحوثي في سيطرتها على مدينة صعدة ضمن دوافع انتقامية بعد الثورة، وعدم قيام الرئيس بخطوات جدية في مواجهة الحوثيين ربما من أجل تفكيك تحالفهم مع صالح أو من أجل استغلال توجهات الخليج في إضعاف الإسلام السياسي للحصول على الدعم المالي. [2]
واستطاعت الجماعة بشكل تدريجي توسيع نفوذها من خلال السيطرة على مدن بعد أخرى وكل هذا وهي منخرطة في الحوار الوطني بعد رفضها للمبادرة الخليجية الذين رأوا أنها همشتهم [3]، وهذا يدل على أن دخولها للحوار كان تغطية على تقدمها العسكري الذي تم بتنسيق مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. [4]
قام الحوثيون بالتوقيع بعد ذلك على مخرجات الحوار الوطني التي أقرت أواخر يناير 2014، ونصت على نزع سلاح كل الجماعات المسلحة ومن بينها الحوثيين، ولكنهم اتهموا بالالتفاف على قرارات الحوار الوطني ولم يلتزموا بتسليم أسلحتهم وفق ما نص عليه الحوار الوطني، وإنما بدأوا قتالاً مع القوات الحكومية في فبراير للسيطرة على مدينة عمران، وانتهت المعارك بسيطرة الحوثيين على المدينة في 9 يوليو 2014.
وفي 18 أغسطس 2014 تظاهر الحوثيين في صنعاء احتجاجًا على زيادة أسعار الوقود، وطالبوا بإسقاط الحكومة وتطبيق قرارات الحوار الوطني، وتعهدوا بالرد بكل الوسائل على أي هجمات على المعتصمين، وفي 21 سبتمبر سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء، حيث استولوا على مقر الحكومة ومقار وزارة الدفاع والقيادة العامة للجيش والفرقتين السادسة والرابعة، ومقر البنك المركزي ووزارة الإعلام والتلفزيون الرسمي. [5]
وفي هذا السياق فإن الحوثيين بدلاً من أن ينسحبوا من المدن قاموا بالسيطرة على مدن جديدة[6]، وبدلاً من تسليم سلاحهم قاموا بالاستيلاء على أسلحة الجيش[7]، وهذا ما أدى إلى انهيار أي عناصر للثقة بالحوثيين من الأطراف اليمينة الأخرى.
قام الحوثيون في سبتمبر 2014 بتقييد السلطة اليمنية وإبقائها فقط بشكلها الرمزي ونجحوا تحت قوة السلاح في توقيع اتفاق (السلم والشراكة) الذي كان بمثابة إلغاء للمبادرة الخليجية، وبموجب اتفاق الشراكة تم تغيير حكومة سالم باسندوة بحكومة خالد بحاح وحصل الحوثيون على 6 حقائب وزارية وتم تعيين أحد وجوه الجماعة، صالح الصماد، مستشارًا للرئيس، وساهمت هذه الخطوات في إظهار حرص الحوثيين على تحويل تقدمهم العسكري إلى إنجاز سياسي.
حاول الحوثيون فرض شروط أخرى تقيد صلاحيات الرئيس هادي منها الضغط عليه لتعيين نائب له من جماعة الحوثيين وشغل عدد من المناصب العليا وعملت جماعة الحوثي على دمج حوالي 50 ألف من عناصرها داخل أجهزة الدولة وتحديدًا في قوات الجيش. [8]
كما كان الحوثيون يطالبون بتعديل مسودة الدستور وإعادة تشكيل الهيئة الوطنية لمراقبة تنفيذ مخرجات الحوار من خلال تعيين 17 عضوًا منهم ليحصلوا على نسبة الثلث المعطل.
[2] تقرير مركز أبعاد للدراسات، ص 2.
[3] جوي سليم، المبادرة الخليجية vs «الشراكة»: اليمن بين الوصاية والسيادة، صحيفة الأخبار، 2 فبراير 2015.
[4] تسريب صوتي يكشف تنسيق صالح مع الحوثيين، الجزيرة نت، 21 يناير 2014.
[6] يسيطر الحوثيون حاليًا على 8 محافظات يمنية من أصل 21 محافظة.
[7] وقد استطاع الحوثيين – حسب تقرير صادر عن مركز أبعاد اليمني للدراسات والبحوث – أن يسيطروا على نحو 70% من القدرات العسكرية للجيش اليمني، وأن يحاصروا معسكرات أخرى فيها أسلحة نوعية وإستراتيجية مثل الصواريخ البعيدة المدى، وأصبحوا يتحكمون في المطارات العسكرية بالطائرات الموجودة فيها.
[8] لايعتبر الجيش في اليمن نظام مؤسسي بسبب تعدد ولاءاته القبلية والحزبية وتشتت قواه في المعارك.