في خطوة غير متوقعة وسريعة تم إعلان عمليات “عاصفة الحزم” من قِبل التحالف العشري الذي تقوده السعودية لضرب معاقل الحوثي وحليفه صالح في اليمن؛ الأمر الذي دفع بالكثير من المحللين للعودة خطوة إلى الخلف لفهم حقيقة ما يجري وسبب هذا الإعلان في هذا التوقيت بالذات.
حالة الدهشة لم تغادر وجوه الكثيرين من الذين يتابعون انطلاق هذه العملية وبغرض إبعاد الغمض ونفي الدهشة الحاصلة والجواب على السؤال الأهم: لماذا هذا التوقيت بالذات؟ سنستعرض في هذا المقال الجواب عن طريق طرح أبرز الأسباب التي قرعت طبول التدخل العسكري في اليمن في هذا التوقيت:
أولاً: الضوء الأخضر الأمريكي
الكثير من المتابعين للوضع في الشرق الأوسط يدركون أن أي خطوة كبيرة لن تكون بدون ضوء أخضر من أمريكا، ولكن جميع المتابعين للمواقف الأمريكية في ظل حكومة الديمقراطيين يدركون أن خيارات الضوء الأخضر مستبعدة، فما الذي جعل إشارة الأمريكيين تتحول إلى الأخضر بعد وقوفها طويلاً على اللون البرتقالي ومحاولة إمساك العصا من المنتصف في المنطقة وعدم التصادم مع إيران ذات النفوذ الكبير في دول الشرق الأوسط
نجد أن نجاح الدبلوماسية العربية في هذه المعركة حسم الأمر تجاه موافقة خضراء لتدخل عربي في اليمن وكبح النفوذ الإيراني المتمثل بالحوثي على الأرض، وتجسد هذا العمل بإعلان قناة العربية أن الأمير محمد بن نايف كان الراعي الأول لملف إقناع الولايات المتحدة بعاصفة الحزم، وقد استخدم النايف عدة ملفات عالمية للضغط على واشنطن بغرض دعم هذه العملية والموافقة عليها ستذكر في النقاط تباعًا.
ثانيًا: خط التجارة العالمي
الجميع يعرف أهمية اليمن كموقع؛ كونها ممر التجارة البحرية بين الشرق والغرب، وسيطرة الحوثي على اليمن بالكامل يعني بالنتيجة سيطرة إيران على ممر التجارة العالمي وتغيير معادلة القوة في المنطقة؛ الأمر الذي دفع الأوربين والمصريين على نحو واحد إلى الترحيب بالأمر كون أي خلخلة في الوضع هناك يعني انهيار واردات قناة السويس، مما يعني ضربة للاقتصاد المصري المتعب جدًا، وكذلك يعني مرور السفن الأوربية من تحت بنادق إيرانية، الأمر الذي جعل الجميع يبارك التحرك العربي في اليمن واستفاد الدبلوماسي العربي من هذه النقطة كوسيلة للضغط على واشنطن بالموافقة.
ثالثًا: تكريت وعدن رسائل واضحة لإيران
المتابع لخطوات إيران في المنطقة يجد هناك جنديين يقاتلان على رقعة الشطرنج؛ الأول يريد عدن والآخر يطلب تكريت.
هذه الخطوات كانت بقرار منفرد من إيران؛ مما دفع المجتمع الدولي بإرسال رسائل مفادها أن تكريت لن تسقط بدون إذن وعدن كذلك؛ الأمر الذي جعل إيران تأمر جنودها في العراق بوقف العمليات ليأتي القرار من البنتاجون بأن الإذن قد حصل وأن تكريت سيتم اقتحامها بإذن من أمريكا فقط.
هذا المشهد تكرر في عدن؛ حيث أرسل المجتمع الدولي رسالة إلى إيران مفادها أن النفوذ الذي تطمحين له هو بموافقة نحن قبلنا بها وفي حالة تغير قواعد اللعبة وسيكون هذا النفوذ قد انتهى قبل أن يبدأ.
رابعًا: إنقاذ رجل الخليج في اليمن
يبدو أن تسارع خطوات الحوثي وقربه من عدن (مقر الرئيس هادي) جعل دول الخليج تدرك أن حليفها سيسقط، وفي حالة سقوطه سيكون من الصعب إيجاد البديل إذا ضرب الحوثيون وأبعدوا عن الواجهة، كون التعقيد الحاصل في اليمن مربك لجميع الأطراف؛ لذلك جعل الناقوس يدق بشكل أسرع حفاظًا على الحليف والبديل الشرعي أمام العالم واليمن.
خامسًا: خوف إقليمي غير عربي
قد يتعجب البعض من مباركة دولة مثل باكستان ودخولها لحلف ضرب الحوثيين في دولة عربية بعيدة عن باكستان وكذلك تركيا ومباركتها لهذا الحلف.
مما يدفع الكثيرين للتساؤل عن السبب، والأمر ليس دعم للحوثيين بقدر ما هو دعم لوقف نفوذ إيران المتنامي في المنطقة؛ مما ازعج باكستان خاصة مع دور إيران في أفغانستان؛ وهو ما دفع باكستان للخوف من هذا النفوذ ومباركة أي عمل يقوض النفوذ الإيراني في المنطقة.
والأمر مشابه إلى حد كبير مع تركيا التي كانت خجولة في التعامل مع الملفين العراقي والسوري، ولكن اختيارها هذا الصف كان لتقويض النفوذ الإيراني وخلق تحالفات جديدها أهمها الاقتراب السعودي التركي الذي يعني حلف جديد وقوي في منطقة الشرق الأوسط وهذا ما يطمح له البلدين على خجل ولكن هذه الخطوة ستفتح لهم أفق جديد للتعاون.
سادسًا: الملك سلمان
لعل أبرز الشخصيات التي غيرت المعادلة في المنطقة هو الملك سلمان بن عبد العزيز الذي يبدو أن هناك اختلافًا كبيرًا في السياسة الخارجية السعودية في عهده؛ الأمر الذي يعطي انطباع أن المنطقة ستشهد تغيرات حقيقة في كافة الصراعات والتحالفات في المستقبل.
حيث يبرز للمتابع أن عملية “عاصفة الحزم” جرت بمطبخ سعودي وبمشاركة عربية ودولية وبإشراف وإرادة الملك سلمان الذي كان نقطة الانطلاق للعملية.
شخصية الملك سلمان تبدو أكثر ثقة بقدرة السعودية والعرب على إنجاز ملفاتهم المتعلقة وقدرتهم على الحصول على حقوقهم بطريقة عسكرية أو دبلوماسية؛ مما عجل بقرع طبول التدخل العسكري في اليمن.
سابعًا: تفريغ شحنة الشعوب
لعل إيجاد عدو خارجي متمثل بإيران التي يمثلها الحوثي في اليمن جعل شحنات الشعوب العربية تتفرغ بهذا الاتجاه بعد أن كانت تلعن حكامها ليلاً ونهارًا؛ الأمر الذي جعل السيسي يجد نفسه في لحظة عبد الناصر ليقلد تجربة اليمن ودول الخليج تجد لها فرصة لرد الاعتبار الذي وجهته إيران بصفعتين على وجه العرب كانت الأولى في العراق والثانية في سوريا.
الأمر الذي بات واضحًا بعد انطلاق آلاف المغردين العرب بتغريدات داعمة ومؤيدة للعملية كانت أكثرها ردًا على حزن قديم تنفس الآن وأخيرًا بسعادة تنتظر حسم حقيقي وأمل أن يتكرر التحرك لينهي مأساتنا في سوريا والعراق.
هذه النقاط السبع الأبرز التي عجلت انطلاق عملية “عاصفة الحزم” في هذا التوقيت دون غيره، وسارعت في قرع طبول الحرب هناك، لعل اليمن يعود سعيدًا إن عاد اليمن!