عندما تنظر إلى الدول المشاركة فيما يعرف بعملية عاصفة الحزم العسكرية في اليمن تجد أن عشرة دول تحت قيادة عسكرية خليجية في مقدمتها المملكة العربية السعودية قد قرروا توجيه ضربة جوية لمعاقل الحوثيين في اليمن، لكل دولة مأرب خاص من مشاركتها في هذه العملية “الجوية” فقط حتى هذه اللحظة،خمس دول خليجية هم الإمارات وقطر والبحرين والكويت بقيادة السعودية يريدون أن يوقفوا زحف الحوثيين المدعومين إيرانيًا داخل اليمن مع امتناع سلطنة عُمان من المشاركة بأسبابها الخاصة أيضًا.
على المستوى الخارجي من المشاركات في عاصفة الحزم بعيدًا عن الدول الخليجية التي تعبر عن القوام الرئيسي للعملية، أتت أبرز الدول العربية الآخرى المشاركة مصر والأردن والسودان والمغرب وبمشاركة باكستانية وبدعم غربي أمريكي وإقليمي تركي، لكل دولة أسبابها الخاصة التي دفعتها لخوض غمار حرب ربما تتطور لتكون إقليمية إذا ما قرر الغريم الإيراني تصعيد الأمر للدفاع عن حلفائه في اليمن.
في هذا الصدد نناقش بالتحديد ما هي دوافع دولة كالسودان من المشاركة في مثل هذه العملية ؟ مع افتقاد كل المقومات الأساسية التي تؤهلها لخوض غمارعملية قد تتطور إلى حرب إقليمية فيما بعد ، وما هي التطورات التي اضطرتها للدخول في صراع مع حليف مهم للنظام السوداني وهم الإيرانيون؟، أحد أبرز الداعمين للنظام السوداني الحاكم منذ نشأته في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.
الجيش السوداني يعلن في بيان مصور “أن المشاركة في عمليات عاصفة الحزم تأتي من منطلق المسؤولية الإسلامية لحماية أرض الحرمين الشريفين، والدين والعقيدة، وأعلن أن مشاركة السودان بقوة ومنعة وعزة في هذه العمليات، لتبقى السعودية آمنة مستقرة، بلدًا حرامًا” وذلك حسب البيان الذي أصدرته قيادة الجيش السوداني.
هذه المشاركة يبدو وأنها بمثابة إعلان عن تحويل للقبلة السودانية من الاتجاه الإيراني إلى الاتجاه الخليجي بشكل أكثر وضوحًا من الفترات الماضية، والتي شهدت توترات في العلاقة بين الحليفين السوداني والإيراني، يعزى البعض هذا التحول إلى الضغط الخليجي الهائل الممارس على النظام السوداني لوقف التعاون مع إيران.
العلاقات السودانية الإيرانية في منحى متعرج وغير محسوب المسافات خاصة في الفترات الماضية، فبدون مقدمات تقرر الحكومة السودانية فجأة إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية بالبلاد وكافة فروعها بالولايات السودانية مع إمهال الموظفين والدبلوماسيين بها مدة 72 ساعة لمغادرة البلاد .
هذا ما يطرح تساؤل عن تبريرات النظام لهذه الخطوة ، حيث أرجعها محللون لعدم رضا السودان عن مجمل العلاقة مع إيران في الأوانة الأخيرة بمقياس الربح والخسارة من هذه العلاقة، بما في ذلك بالطبع العلاقات الاقتصادية التي تهم النظام السوداني المتأرجح اقتصاديًا، وذلك بالرغم من حراك الاستثمارات الإيرانية بالسودان، أبرزه مؤخرًا دخول شركات إيرانية وزارة المعادن العام الماضي بعد أن منحت الأخيرة شركة “ماين أن متلس” الإيرانية رخصة للتنقيب عن الذهب في ولاية نهر النيل كخطوة بررها المراقبون حينها بأنها تأتي لتوطيد العلاقات الاقتصادية مع إيران رغم التوترات القائمة.
علاقة إيران مع السودان أثرت سلبا في العلاقات الاقتصادية على المستويين الإقليمي والعالمي للسودان في ظل عدم مساندة إيران للسودان اقتصاديا بالشكل الكافي لتعويض ذلك، حيث ذهب الخليج إلى التلويح للنظام السوداني بعقوبات اقتصادية جراء الانفتاح الزائد في العلاقات بين الخرطوم وطهران وهو ما يعني خسارة السودان للدعم الخليجي الذي يساعده في الوقوف أمام نتائج الحصار الاقتصادي الكارثية التي تعاني منها السودان، وذلك من خلال خلق منافذ اقتصادية تجارية بين الخليج والسودان خاصة في العمليات المصرفية.
فالسعودية تقررفجأة إيقاف التعامل المصرفي مع السودان وهو ما يزيد الضغط على السودان اقتصاديًا ويحكم الحصارعليها بسبب تطوير السودان لعلاقتها مع إيران وعدم الانصياع للتعليمات الخليجية بتقليص هذا التعاون، وهو ما يفسر سلوك السلطات السودانية المتخذ خطوات تجاه مراكز الثقافة الإيرانية ،وهو تعرض الخرطوم لخسائر في علاقتها مع دول الخليج وضغوط حيث تعرضت الحكومة في الآونة الأخيرة إلى ضغوط كبيرة من السلطات السعودية والتيارات السلفية واتهامات بالتعاون مع إيران ضد مصالح السعودية والخليج .
على صعيد التعاون العسكري بين طهران والخرطوم،كان السودان قد تراجع عن خطة لإقامة منصات دفاع إيرانية على ساحل البحر الأحمر، بهدف مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للأجواء السودانية عدة مرات وتوجية ضربات جوية لأهداف سودانية آخرها مصنع «اليرموك» للأسلحة جنوب الخرطوم عام 2012، فقد جرى تصوير المنصات الإيرانية هذه باعتبارها تهديد ضد السعودية، ما دفع السودان لإلغاء التعاقد عليها ضمن خطوات تحسين العلاقات مع الخليج.
إيران التي تسعى للسيطرة على البحر الأحمر عن طريق نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري، فالتواجد العسكري الإيراني في إريتريا يتضح بقوة لدوره في دعم الميلشيات الحوثية في اليمن عن طريق باب المندب، حيث يؤكد خبراء عسكريون أن سعي إيران الحثيث لتمكين الحوثيين من اليمن هدفه الرئيسي إحكام السيطرة على مضيق باب المندب والبحر الأحمر للمساومة به كمنطقة نفوذ وهو ما فسرته السعودية أثناء إعلان السودان عن اتفاقها مع إيران لإنشاء قواعد عسكرية على البحر الأحمر في السودان، حيث سعت السعودية بكل ما أوتيت من قوة للضغط على النظام السوداني لإيقاف هذه الاتفاقية وهو ما جرى بالفعل، حيث أصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانا توضيحيا بشأن هذا الاتفاق قائلة: “أن الخرطوم استبعدت خيار إقامة المنصات الصاروخية حتى لا يساء فهم دوافعه من بعض دول الخليج” .، وهذا الأمر يؤكد تحويل البوصلة السودانية تجاه الخليج أكثر فأكثر.
الاندفاع الإيراني في نشر ثقافة المذهب الشيعي أيضًا في السودان كان بمثابة جرس الإنذار للقوى السنية هناك وللجماعات الإسلامية للتصدي لهذا المد الشيعي خصوصا بعدما بدأت تتواتر الأنباء عن انتشاره بشكل واضح في حسينيات وزوايا شيعية في الخرطوم وفي مدينة كردفان، فهذا يفسر في إطار دوافع شعبية للمشاركة في عملية عاصفة الحزم الخليجية.
النظام السوداني في الخرطوم يعول على الخليج الآن بدلًا من إيران التي يرتبط معها بعلاقات تاريخية لكن بقائه الآن أصبح محل تهديد، فالأزمات الاقتصادية أوشكت أن تعصف بنظام الإنقاذ بعد أن تراكمت المشكلات الاقتصادية والسياسية عليه في نفس الوقت، فهو يحتاج إلى ظهير اقتصادي قد لا تستطيع إيران توفيره له في الوقت الحالي، لذلك كانت الاتجاه نحو الخليج، من خلال تحسين العلاقات السودانية الخليجية في مقابل تقليص التعاون مع النظام الإيراني في مقبل الأيام، وذلك للتأكيد على أهمية العلاقات الخليجية خاصة في القطاع الاقتصادي حيث أن دول الخليج تمتلك أموالا متوفرة من أرصدتها النفطية بجانب وجود الصناديق العربية التي تمتلك من الأرصدة ما يمكنها من مساندة السودان، فالتجربة المصرية تداعب خيال السودانيين الآن من حيث مساندة الخليج لنظام الجنرال عبدالفتاح السيسي.
ما يؤكد ذلك زيارة البشير الأخيرة إلى الإمارات والتي هاجم فيها حلفائه السابقين “الإخوان المسلمين” كمحاولة للسير في ركاب الحملة الخليجية ضدهم من أجل أن يحظى بدعم في الأيام المقبلة، كذا كانت أطروحات تشكيل قوة إماراتية سودانية مشتركة لحماية الحدود مع ليبيا لمنع تدفق السلاح هناك كخطوة خليجية لتقليص دور السودان في القضية الليبية، فنستطيع أن نفسر أيضًا مشاركة السودان في عملية عاصفة الحزم في هذا الإطار أيضًا ولكن من اتجاه إيران، فالخرطوم تسعى جاهدة أن تثبت للخليج أنها بالفعل أقدمت على تقليص التعاون مع إيران بل إنها مستعدة للدخول في حرب أمام وكلاء إيران في اليمن، فأعلنت السودان مشاركتها بثلاث طائرات مقاتلة في عملية عاصفة الحزم مع الاستعداد للتدخل البري.
المحاولات الحثيثة لإنهاء عزلة الخرطوم إقليميًا ودوليًا دفعت الخرطوم للتخلص من علاقتها بإيران في هذه المرحلة على الأقل محاولة لتجاوز الأزمات الداخلية بدعم خليجي، فقبول السودان لدخول حرب في اليمن بالوكالة ضد إيران عن الخليج وعن السعودية تحديدًا يوضح مدى الضغط الشديد الذي يعاني منه النظام السوداني ، ومدى احتياجه لأموال الخليج لانقاذ ما يمكن انقاذه، فالبتأكيد النظر إلى العائدات الاقتصادية من عاصفة الخليج يغري النظام السوداني إلى حد كبير ويجعله يخاطر في حرب كهذه رغم ضعف قدرات الجيش السوداني التي لا تؤهله لخوض عملية كهذه، حيث أن تسليح الجيش السوداني ضمن أحد مصادره الرئيسية هي إيران فأصبح من العجيب أن السودان سيحارب وكلاء إيران في اليمن بسلاح إيراني تحت دعاوى دينية كالتي أطلقها في بيانه الأخير عن مشاركته في عاصفة الحزم وما هي الا محاولات لإخفاء كثير وراء هذه المشاركة من دولة فقيرة تعاني اقتصاديًا، فالذي دفع السودان لخوض هذه العملية وهو محض هروب من ظرف اقتصادي باللجوء إلى الخليج لمشاركته في سياسته الإقليمية مقابل وعود خليجية بدعم للنظام السوداني في أزماته الفترة المقبلة.