فى عالم آخر غير عالم الكتابة المنمق، عالم مغلف بالقهر والأوجاع والاستغلال البشع ستجد البنات فى أعمار الزهور يتسابقن للحصول على عمل عقب انتهاء دراستهن جامعية كانت أو أقل من ذلك، بالتأكيد تختلف احتياجاتهن حسب الظروف والأحوال المختلفة لكن قطاعا كبيرا منهن تكون حاجتها للعمل حاجة ملحة لكونها مسئولة عن نفسها تماماً وأحيانا تكون لها مسؤولية مضاعفة عن أسرتها.
أتساءل عن تلك الفتاة الآن.. عن اضطرارها للتعامل مع أصناف شتى من الناس، عن وسائل المواصلات التى تلقى بنفسها فيها، عن تجاهل أهلها للدعم النفسى والإنسانى الذى تحتاج إليه، عن رفيقها الذى لم يأت لترتاح إليه نفسها، عن أذى المجتمع وظلمه ووساوسه عنها…ثم (وأنا هنا أتحدث عن صاحبة الضمير والخلق) إذا كان هناك ظلما عاما تمارسه سلطة فرعون على كل من يرفع رأسا أو صوتا كما هو الحال فى أوطاننا المأسوف عليها.
هل يبقى منها بعد ذلك شىء؟! هل يمكن لروحها أن تظل كما كانت قبلا ترفرف حينما تلقى الأحبة وتسعد كلما رأت الجمال وتبسم حين تصافح وجوه العابرين فى الطرقات؟ هل يمكن أن ننتظر منها إبداعا وحبا وعونا لمن يحتاج؟
تلك الفتاة جزء من ثورة الأمل التى نحتاجها، تلك الفتاة هى النبض الذى نحتاجه، هى الميدان الذى يكبر ويتسع ويزرع لنا الرياحين والياسمين وألوان الزهور لكننا نسيناها فى خضم شكوانا من الجميع وتبادلنا للاتهامات حسب الموسم!
نريد أن ننظر إلى تلك الفتاة من جديد فإن كنا من أهلها فلنراعى ما تحتاج إليه من الكلمة الطيبة كما لمسات القلب التى تذيب الجراح التى تصيبها من الخارج ولنيسر لها أمر الزواج إن تهيأ دون أن نثقل كاهليها بأعراف ما أنزل الله بها من سلطان.
أما أولئك الذين شغلتهم مصارعة الأمواج أو منازعة الباطل أو غيرها من المسؤوليات فليكن دورهم توجيه بكلمة أو تذكر بدعوة ودفع للروح والهمة.
يتبقى الفارغون المهتمون بما فعلت هذه وتلك، من يودون أن يروا صورة مغايرة لما نحن فيه، ولا يجدون طريقا غير الشكوى والانتقاد فليكن جهدكم أن تمدوا أيديكم إلى فتاتنا، كى لا تدعوا قهر الفاسدين يسحق روحها ويمنعها من متابعة الجهد، أقيموا الدورات والندوات لها لتتعلم وتجد دعما وسندا من العلم والثقافة ما يعصمها من الانزواء الذبول. أحملوا عنها ما استطعتم من مسؤوليات وأكملوا الطريق الذى اضطرت إلى السير فيه لأنها عدمت الرجال وأصحاب المروءة، ابذلوا بعض الجهد لتقدموا لها الرفيق الذى يصلح لها وتصلح لها فيخفف كل منهما عن الآخر ما يلقاه من غربة وما ينتابه من وحشة فى طريق الحياة.
لنعلم أنه كما أن فساد السلطة يحتاج إلى مقاومة ومجابهة كذلك يحتاج فساد المجتمع، وإن مجتمعا يترك الأسى يعصر الفتيات عصرا ولا يراعى طبيعتهن واحتياجاتهن ليحتاج إلى مقاومة كاملة وثورة على ذلك الحال الأليم.