انطلقت إذًا الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين باليمن، “عاصفة الحزم” التي أطلقتها الرياض تجمع الأشتات، من قطر وتركيا وباكستان إلى مصر والإمارات والمغرب.
ورغم أهمية التدخل العربي في الصراع اليمني اليمني، إلا أن هذا التدخل يطرح من التساؤلات أكثر مما يجيب، فالمشاركة الإماراتية على سبيل المثال تبدو غير مفهومة في الوقت الذي تستضيف فيه أبوظبي نجل الديكتاتور اليمني المخلوع علي عبدالله صالح سفيرا لليمن، في الوقت الذي تحدثت العديد من التقارير الواردة من اليمن عن ضلوعه بشكل مباشر في الصعود الحوثي الأخير.
من ناحية أخرى، فإن التدخل المصري في الحرب في اليمن لا يمكن تفسيره بموقف مصر المبدئي من الحوثيين، أو حتى بالقلق المصري من هيمنة إيران على جنوب البحر الأحمر، لكنه يأتي كمحاولة لإثبات وجود أمام الرياض وأبوظبي، وإثبات جدارة الرئيس العسكري المصري عبدالفتاح السيسي فنهر المساعدات الذي تغدقه عليه العواصم الخليجية.
التحرك السعودي في اليمن على أهميته هو في الواقع شديد التأخر، فالدعم الخليجي للمخلوع صالح هو السبب الرئيس في صعود الحوثيين الذين تحالف معهم، والهيستيريا الإماراتية من ازدياد نفوذ الأحزاب السياسية القريبة من الإخوان المسلمين (التجمع اليمني للإصلاح)، لعبت دورا بارزا بجانب الطموح الإيراني والرغبة الجامحة لتوسيع نطاق المجال الفارسي في رسم ملامح المشهد الحالي في اليمن وحتى في دول مثل سوريا والعراق وليبيا ومصر.
وعلى تلك المقدمات، يمكن القول بأريحية إن تدخل العديد من الأطراف في الصراع الحالي لم ينبع من إحساس بالمسؤولية تجاه اختيارات الشعب اليمني، أو حقه في تقرير مصيره، ولكنه نزاع على النفوذ في جنوب الجزيرة تشارك فيه الدولة الخليجية الكبرى وحلفاءها الذين هم في أمس الحاجة للمساعدات الخليجية السخية. المشاركة المصرية والسودانية والباكستانية لا يمكن رؤيتها إلا من خلال هذا الإطار.
كان لهذا التحرك أن يكون أقل كلفة إذا تعاملت دول الخليج وحكوماته بمسؤولية مع الربيع العربي وتطلعات الشعوب، ومع تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة. ولكي تؤتي تلك “العاصفة” أُكلها، فإن على دول الخليج تحديد بوصلة الحركة. فلا يمكن فصل الموقف الخليجي من حوثيي اليمن عن الموقف من النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان والعراق، وتحرك في اليمن يقتضي تحركا، ليس بالضرورة عسكريا، على أصعدة مختلفة في دمشق وبغداد وبيروت.
لا ينبغي أيضا إغفال حقيقة شديدة الأهمية، وهي أن الصراع في اليمن بين يمنيين، ورغم الدعم الإيراني الصارخ الذي تقدمه طهران للحوثيين، إلا أن المعركة لن يمكن إنهائها بشكل عسكري وبلا حلول سياسية. السعودية قامت بقتال الحوثيين في 2009، وكانوا لا يزالون مجموعة دينية صغيرة في صعدة، وبعد قرابة ست سنوات تحول الموقف تماما ليتحالف علي عبدالله صالح الذي أرادت السعودية إنقاذه من الحوثيين أول الأمر معهم، وليصبح الحوثيون على رأس السلطة في اليمن، ولتقف السعودية في موقف قد يكون الأسوأ منذ عقود.
الحل العسكري في اليمن يعني القضاء على فصيل كبير من اليمنيين، وإذا ما تم -جدلا- سحق الحوثيين عبر معركة شوارع طويلة الأمد، فإن المظلومية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من النظرة الشيعية للعالم وللتاريخ وللوحي حتى، لن تسمح بأي قدر من التعايش أو الاستقرار على الحدود الجنوبية للمملكة، وفي جنوب البحر الأحمر حيث باب المندب، أحد أهم المضايق التي يمر منها النفط في العالم.
النفط ذاته قضية أخرى، فمع حرب اليمن تبدو أسعار النفط مؤهلة للارتفاع من جديد، لقد ارتفعت الأسعار بالفعل 6٪ في نيويورك ولندن، ويُعتقد أن ترتفع، وذلك يقدم خدمة بالغة للاقتصاد الإيراني مثلما لن يفعل أي شيء آخر.
أما المضيق فإن إغلاقه سيكون شديد الوقع على مصر كما هو على مصدري النفط، فقناة السويس تفقد جل فائدتها إذا أُغلق باب المندب، ولذلك فإن أول ما أُعلن من المشاركة المصرية كانت القطع البحرية التي تحركت من قناة السويس جنوبا، وهو ما عززته الشائعات التي تبادلها مؤيدو النظام المصري ومعارضوه من أن البحرية المصرية اشتبكت مع أسطول إيراني رابض بالقرب من باب المندب مساء الخميس.
بعض المحللين الغربيين بدأوا بالفعل في التحذير من خطورة الدعم غير المشروط للطرف الخليجي في معركة اليمن، مجلة فورين آفيرز نشرت تحليلا يقول إن على الغرب ألا يدير ظهره للحوثيين الذين هم من أهم المجموعات المسلحة المؤهلة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وتجاهلهم قد يحرم الغرب من الاستفادة منهم في وقت لاحق.
الدعم الموسع الذي حصل عليه التحالف في اليمن قد يفتح الباب أيضا أمام تحالفات من نوع جديد، فرغم أن الشراكة المصرية القطرية التركية السعودية تظهر كخيار تكتيكي محدود، إلا أنها قد تمتد لتحالف أكثر استمرارية بالتوازي مع تسويات داخلية في دول مثل مصر برعاية سعودية لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من التحالف الجديد.
ليس من المؤكد كيف سيرد الإيرانيون، ربما على جبهة أخرى بشكل أكثر مباشرة في سوريا أو لبنان، لكن المؤكد هو أن الحرب الباردة بين إيران والسعودية قد وصلت إلى أعلى قممها حتى الآن.