ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
خلال الأيام الأخيرة زاد المتمردون الشيعة في اليمن من وتيرة تقدمهم نحو جنوب اليمن وأصبحوا على مشارف مدينة عدن الإستراتيجية التي لجأ إليها الرئيس عبدربه منصور هادي منذ منتصف فبراير الماضي بعد أن غادر القصر الرئاسي على إثر تعرضه للقصف، وقامت السعودية بحشد قواتها وتحريك أسلحتها الثقيلة نحو الحدود اليمنية والتدخل بالتعاون مع مجموعة من الدول العربية بسبب قلقها الكبير من التحالف بين الحوثيين وإيران.
وقد فسر السفير الفرنسي السابق في اليمن جيل غوتيي أثناء مقابلة لصحيفة لوبوان الفرنسية معه الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة.
يقول غوتيي أن إيران انتظرت منذ وقت طويل أن يتفكك اليمن ويدخل في الفوضى حتى تحرك بيادقها. وعندما أوحت إليها الانتصارات العسكرية التي حققتها الميليشيات الحوثية بأن هنالك فرصة لإقامة كيان شيعي يسيطر على الأغلبية السنية في البلاد وعلى التيارات الأخرى مثل السلفية والإخوان المسلمين، انتهزت طهران الفرصة ورمت بكل أوراقها في هذا الصراع.
ومنذ بداية الألفية الجديدة لم تتدخل إيران بشكل مباشر ولكنها حافظت دائما على علاقاتها مع الحوثيين، فقد كان بدر الدين الحوثي في المنفى في إيران كما أن ابنه عبد الملك الحوثي الزعيم الحالي لتنظيم “أنصار الله” أيضا له علاقات قوية بطهران ويدور حديث عن اعتناقه للمذهب الشيعي الإثني العشري للتقارب مع إيران على الرغم من أن الحوثيين يتبعون المذهب الزيدي.
الحوثيون نجحوا في التغلب على جيش ينتمي في معظمه للأغلبية السنية لأن الرئيس السابق علي عبد الله صالح مازال يتمتع بنفوذ داخل الجهاز العسكري ورغم أنه أجبر على مغادرة السلطة في إطار اتفاق الانتقال الديمقراطي فإنه بقي في اليمن وحافظ على ثروته الكبيرة التي حصل عليها من خلال الفساد كما حافظ على رجاله داخل الجيش رغم إقالة قائد الجيش وابن صالح ومقربيه، ويعرف سلاح الجو خاصة بأنه الأكثر ولاء له.
واليوم شاءت تطورات الأوضاع في اليمن أن يتحالف على عبد الله صالح مع الحوثيين ضد خليفته عبد ربه منصور هادي على أمل العودة للسلطة من جديد.
يمكن القول إن انتماء صالح للطائفة الزيدية قد ساهم في عقد هذا التحالف، ورغم أن التقسيم في اليمن كان يتم على أساس شيعة وسنة فإن هذه الفترة شهدت اكتساب الزيديين لهوية مستقلة، في السابق كان من المعلوم أن القبائل الشمالية تنتمي في معظمها للمذهب الزيدي ولم تكن الخلافات العقدية تهم الشعب اليمني كثيرا، ولكن اليوم أصبحت هناك كراهية بين الطرفين.
هذه الكراهية قد تؤدي لحرب أهلية شرسة، فالقطيعة تعمقت بين طرفي النزاع في اليمن. وفي الجنوب توجد الأغلبية السنية الشافعية في مدن كبيرة مثل تعز وإب التي يخرج منها أغلب الكوادر والمثقفون، أما الشمال الذي يضم القبائل الكبيرة فهو ذو أغلبية زيدية. ولكن تجدر الإشارة إلى أن الجنوب ليس متجانسا سياسيا حيث نجد فيه يمنيين منفتحين يطمحون إلى الديمقراطية كما نجد فيه مجموعات انفصالية ومسلحين متشددين مثل تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية الذي يواجه الحوثيين.
أما إيران فإنها تنتظر أن تنضج الثمرة ثم تقطفها، فمنذ بداية شهر مارس أصبحت هنالك رحلتان جويتان يوميا بين طهران وصنعاء بعد أن ظلت الرحلات بين البلدين متوقفة منذ سنة 1990 ولم يكن اليمنيون يذهبون لإيران أو يقيمون معها علاقات تجارية، كما أن الطلبة اليمنيين لا يدرسون في جامعات طهران بل في الجامعات الأوروبية والأمريكية ولذلك يعتبر تسيير أربعة عشرة رحلة اسبوعيا بين البلدين أمرا غير معهود، ويبدو أن إيران تريد أن تجعل من شمال اليمن منطقة مشابهة لمنطقة حزب الله في الجنوب اللبناني.
إنها بصدد بناء إمبراطوريتها الفارسية فالضباط الإيرانيون يقودون الحرب الجارية في سوريا كما أن حزب الله يسيطر على المشهد السياسي في لبنان.
ولذلك تسعى إيران للدفع بحلفائها في شمال اليمن كما تسعى لربط العلاقات مع الشيعة الموجودين في شمال شرق المملكة العربية السعودية. وتسيطر إيران اليوم على مضيق هرمز الممر الإستراتيجي لعبور نفط الخليج وإذا سيطر الحوثيون على محافظة البيضاء المطلة على البحر الأحمر فإن إيران ستتحكم في مضيق باب المندب الذي يمثل نقطة عبور استراتيجية يمر عبرها ثلث التجارة البحرية العالمية.
تريد إيران أن تصبح دولة ذات ثقل في المنطقة مثل تركيا التي حققت نجاحات كبيرة وأصبحت طرفا مهما في الشرق الأوسط. وهي تشعر بحالة الضعف التي يمر بها العالم العربي وتسعى للهيمنة على المنطقة وتكوين إمبراطورية فارسية بالعقلية التوسعية التي ظهرت في القرون الماضية.
من ناحية أخرى تركز الولايات المتحدة الأمريكية حاليا على التوصل لاتفاق نووي مع إيران وهي تتجنب القيام بأي تحرك قد يشوش على المفاوضات الجارية، وما يحدث الآن في اليمن من حرب أهلية هو أسوأ ما قد يحصل ولكن لا أعتقد أن الحوثيين سيسعون لتقسيم بلدهم الذي يعاني سكانه البالغ عددهم 26 مليون من الفقر رغم ما يحيط بهم من دول نفطية غنية، ولكن الخطر الأكبر الآن هو أن تصبح اليمن دولة منهارة ويحدث فيها ما حدث في الصومال.
صحيفة لوبوان الفرنسية