ترجمة وتحرير نون بوست
بعد شهرين فقط من استلامه للمنصب، أصبح قرار السعودية بقيادة الائتلاف العسكري في اليمن المكوّن من 10 دول عربية هو اللحظة الحاسمة بالنسبة للملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود؛ فبالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي وبدعم من الدول الغربية، تضرب المملكة العربية السعودية بقوة ضد المتمردين الحوثيين الذين اجتاحوا اليمن بمساعدة من جمهورية إيران الإسلامية.
في خضم الصراع الدائر من أجل التفوق الإقليمي ما بين إيران من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية من جهة أخرى، تتكشف عدة معارك طائفية ما بين قطبي الإسلام السني والشيعي، حيث تُنتج هذه المعارك واقعًا موحدًا يتمثل بأن الفائز سيسيطر على كل شيء؛ فالصراعات في سوريا والعراق، والاضطرابات السياسية العميقة التي ضربت البحرين، والأزمات المحتدمة في لبنان، جميعها تُظهر طبقات الصراع الطائفي التي تُذكي العنف الذي اُبتليت به المجتمعات التي كانت تعيش بسلام جنبًا إلى جنب منذ أجيال مضت.
وبالنظر إلى أن الحوثيين هم أقلية دينية ضمن طائفة المسلمين الشيعة، ويعارضون بشكل مباشر حكومة الأغلبية السنية اليمنية المدعومة من قِبل المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، فإنه قد يبدو من الصحيح أن ننظر إلى ما يحدث في اليمن ضمن ذات منظور الصراعات الطائفية التي تحدث في الشمال.
الصراع على الموارد
إن وضوح الدعم الإيراني للجماعة الحوثية، ومعارضتها بشدة لأي عمل عسكري سعودي ضدهم، يقوض بشكل صارخ أي تحليل أعمق من النزاع الطائفي لما يجري اليوم في اليمن.
ولكن الصراع ما بين الحوثيين والسلطات المركزية لم يبدأ على شكل صراع طائفي بين المملكة العربية السعودية وإيران، وإن استيعاب المشاكل التي تعصف باليمن اليوم، ينطوي على الإقرار بأن اليمن هو بلد يطوف بالصراعات على الموارد والتحزبات الإقليمية التي تفوق وتتجاوز أي فكرة حول الانقسامات ما بين السنة والشيعة.
تاريخيًا، برزت مظالم الحوثيين منذ عقود طويلة بمواجهة الحكومة اليمنية، ويتمثل الظلم الذي كانوا يخضعون له، بالمعاملة السيئة نسبيًا التي كانوا يتلقونها في مناطقهم بمحافظة صعدة – أكبر تجمع للحوثيين -، وكانت قضايا سوء التوزيع الاجتماعي والاقتصادي للثروة هي المسؤولة بالمقام الأول عن تشكيل العداوة المتبادلة التي بُنيت ببطء ما بين الحوثيين والحكومة اليمنية، وإن ما أثار جولة العنف الحوثية الأخيرة – وهي أحد فصول العنف الحوثي المستمر منذ عام 2004 -، والتي أدت إلى الإطاحة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، كان سببها في الواقع استياء الحوثيين من خطط الحكومة لخفض الدعم عن الوقود في أغسطس من العام الماضي.
ومع ذلك فإن عدم الاستقرار في اليمن تزامن مع التوجس الخليجي من توسع الهيمنة الإيرانية على شؤون المنطقة بشكل أكبر من أي وقت مضى، وقد أدت المعارك التي اضطلعت بها إيران لاستعادة السيطرة على المدن والبلدات من داعش في العراق، إلى رد فعل عنيف ضمن الرأي العام الخليجي، الذي يظن بأن العراق قد تم تسليمها الى إيران والميليشيات التي تعمل بالوكالة عنها، خاصة مع تزامن هذه الأحداث مع قرب الوصول إلى اتفاق مع الولايات المتحدة حول برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم، مما عزز قناعة دول الخليج بسطوة القوة الإيرانية بشكل هائل.
آخر المعاقل الخليجية
إن اتجاه الجماعة الحوثية مؤخرًا نحو الجنوب بدعم من وحدات الجيش اليمني الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، آذن بالسيطرة على مدينة عدن؛ مما هدد آخر معقل لنفوذ دول مجلس التعاون الخليجي حيث كان يقيم الرئيس المفضل لدول الخليج عبد ربه منصور هادي حتى يوم أمس، وتبعًا لذلك اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة قرارها باستخدام القوة لمنع الحوثيين من بسط سيطرتهم الكاملة تقريبًا على جميع المراكز الحضرية الرئيسية في البلاد.
ولكن الجماعة الحوثية لا تمتلك شعبية كبيرة بمعزل عن جمهورها التقليديين، وهذا ما بدا واضحًا من خلال رد فعل اليمنيين في تعز وصنعاء، حيث مزّق وشوه السكان الغاضبين الدعايات المؤيدة للحوثي التي ملأت الشوارع، كما امتدت الاحتجاجات ضد حكم الحوثيين أيضًا إلى العديد من المدن جنوبي العاصمة، لذا من غير المرجح أن تستمر الهيمنة الحوثية على الدولة على المدى الطويل، وخصوصًا في الجنوب حيث يعارض الأغلبية العظمى من السكان توجهات ومفاهيم الجماعة الحوثية، وهذا يقودنا للقول إنه سواء مع الدعم الإيراني أو بدونه، فإن السيطرة الحوثية على اليمن من غير المرجح لها أن تستمر؛ مما سيؤدي إلى فتح الباب أمام الحل الدبلوماسي.
من جانبها، فإن السعودية متوجسة للغاية من احتمالية إرسال قوات برية إلى اليمن، خاصة في ظل أن محاولات ملوك السعودية خلال فترة الـ 70 سنة الماضية بالتدخل العسكري لفرض الإرادة السعودية على الجارة الجنوبية المضطربة، لم يكتب لها النجاح.
آفاق التدخل البري
المناطق الحدودية الجبلية في اليمن والتضاريس الوعرة تجعل الغزو البري يبدو مهمة شاقة، وهذه الطبيعة القاسية ستسفر بشكل مؤكد عن خسائر فادحة في حال تم التدخل البري؛ فعلى الرغم من أن جيوش ائتلاف الدول العربية العشرة قد تبدو صلدة وقوية، بيد أنها لا يمكنها الخوض في عملية عسكرية طويلة الأمد على الأراضي اليمنية.
وبشكل عام، فإن التدخل الخارجي الطويل الأمد لأي جيش هو عملية صعبة، ومما يزيد صعوبة هذه العملية هي القسوة التي تتميز بها الدولة اليمنية بشكل خاص، علمًا أن الوعود الغربية بتقديم الدعم اللوجستي تبدو وعودًا فارغة، كون مباشرة نزاع مفتوح الأمد ضمن الأراضي اليمنية يبدو مغامرة كبيرة بالنسبة لهذه الدول، خصوصًا في ظل أن داعش في العراق وسوريا لا تزال هي محور التركيز الرئيسي لها.
بناء على ما تقدم، فإنه من المرجح أن تقتصر حرب الائتلاف العربي على استخدام القوة الجوية، أو ربما قد تمتد هذه الحرب إلى معركة برية قصيرة جدًا، هدفها تحقيق بعض الخسائر بين صفوف الحوثيين وإجبارهم على الخروج من الجنوب والعودة إلى طاولة المفاوضات مع الرئيس عبد ربه منصور هادي، بموقف أضعف بكثير من الموقف الذي كانوا عليه في الأشهر الأخيرة، وعلى الرغم من أن موقف الحوثيين في الوقت الحاضر يتمثل بالتحدي ورفض المحادثات، لكن من غير المرجح أن يستمر هذا الموقف في حال تم الاعتراف ببعض مطالبهم ضمن التعديلات الدستورية.
إذن، بدون اتفاق سياسي يتجاوز اتفاقيات دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2011، لا يمكن تحقيق السلام في اليمن، ومهما كان استياء السعودية كبيرًا جرّاء اكتساب الجماعة الحوثية المدعومة إيرانًا الشرعية من خلال المفاوضات المتعددة، بيد أن السعوديين لا يمتلكون الكثير من الخيارات على المدى البعيد لمنع الاعتراف بشرعية الحوثيين؛ فالسعودية لا يمكنها ببساطة إنهاء هذه الجماعة من الوجود، وبقدر مماثل لا يمكن للحوثيين أن يأملوا أنهم قادرون على قسر الشعب اليمني على تقبّل سيطرتهم المكتسبة حديثًا.
ولكن المستقبل لا يبشر بالخير، على الأقل ضمن المدى القصير المنظور، ورغم أنه لايزال من غير المرجح مباشرة السعودية لغزو بري واسع النطاق، بيد أنه في حال حدوث هذا الهجوم، فإن نتائجه ستكون كارثية على جميع الأطراف.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية