انطلقت، بمدينة شرم الشيخ المصرية، أعمال القمة العربية لهذا العام في وسط تحديات وأزمات تواجه المنطقة العربية بأثرها، ليس على الصعيد الإقليمي فحسب بل على صعيد الدول العربية وما بينها من علاقات بدت متوترة إزاء اختلاف وجهات النظر حول قضايا داخلية وخارجية.
القمة يترأسها عبدالفتاح السيسي الرئيس المصري الذي أتى إلى منصبه عبر انقلاب عسكري قاده في 2013 على الرئيس السابق محمد مرسي، ليلقي كلمته الأولى في القمة العربية، هذا الانقلاب الذي أتى بالسيسي شكل أزمة للمنطقة العربية بعد انقسام القوى العربية ما بين مؤيد ومعارض له خاصة القوى الخليجية.
تحمل هذه القمة العديد من التناقضات في داخلها منذ بدايتها فدولة قطر مشاركة بها، ممثلة في أميرها تميم بن حمد الذي تتهمه وسائل الإعلام في مصر بدعم جماعة الإخوان المسلمين بل وتتهم الدولة المصرية محمد مرسي الرئيس السابق بالتخابر لدى الدولة القطرية، ورغم كل هذا فإن أبرز المشاهد التي سُلط عليها الضوء كان استقبال السيسي لأمير الدولة التي تتخابر على مصر.
كما تأتي هذه القمة بعد توجيه ضربة جوية عبر 10 دول إلى جماعة أنصار الله “الحوثيين” في اليمن بعد تطور الأحداث بها، دون أن تنتظر 9 دول عربية، مشاركة في هذه الضربة التي سميت بـ “عاصفة الحزم”، هذا الاجتماع العربي لتناقش مبدأ التدخل العسكري من عدمه.
يناقش الرؤوساء العرب، في ظل تطورات الأحداث في اليمن وآخر ما وصلت إليه العملية العسكرية التي تقودها السعودية ومجموعة من الدول الخليجية والعربية، مشروع إنشاء قوة عربية مشتركة، وهل ستكون هذه القوة المشكلة الآن هي نواة هذه القوة العربية المشتركة.
شهدت القمة ظهورًا للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بعد أن نجح في الإفلات من القبضة الحوثية مرتين بعد فراره من صنعاء إلى عدن، وبعد خروجه من عدن على إثر محاصرة قوات الحوثيين لها، حيث دعا الرئيس هادي في كلمته بالقمة العربية إلى استمرار عاصفة الحزم في اليمن حتى تحقيق أهدافها واستسلام من أسماهم العصابة، في إشارة إلى مسلحي جماعة الحوثي الذين وصفهم بأنهم دمية في يد إيران، واتهمهم بالمراهقة السياسية والسعي للسيطرة على اليمن برمته.
كما دعا أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، بصفته رئيس القمة السابقة، إلى عقد مؤتمر خاص لتجنيب اليمن الانزلاق نحو حرب أهلية، في حين تسلم الرئيس المصري الجنرال عبدالفتاح السيسي رئاسة هذه القمة من الكويت، واستغل الرجل الفرصة للحديث عن فكرته الرئيسية التي هي من جدول أعمال القمة والتي تتحدث عن تشكيل قوة عربية مشتركة، حيث أكد في كلمته أن تأسيس قوة عربية مشتركة تمثل رادعًا لكل من يهدد الأمن العربي ضرورة المرحلة، كما أن التصدي والرد على ما أسماه التحديات التي تواجه المنطقة العربية حق أصيل لكل العرب، مشيرًا إلى أن بعض الأطراف الخارجية تستغل الظروف التي تمر بها بعض الدول العربية لاستقطاب أطراف داخلية.
وكان وزراء الخارجية العرب قد وافقوا على اقتراح مصر بتشكيل قوة عربية مشتركة في قرار يُرفع إلى القمة العربية اليوم، وهو القرار الذي يستند على معاهدة الدفاع العربي المشترك التي وقعت منذ عام 1950 والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، حسبما أوضح نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية.
لم يترك السيسي الفرصة ليتحدث عن نغمته المفضلة وهي الإرهاب، حيث تطرق في كلمته لخطر ما أسماه الإرهاب، وأكد أن هذا الإرهاب المزعوم يستغل التقنيات الجديدة بغرض التحريض والترهيب ونشر أفكاره.
وفيما يخص الشأن الليبي والسوري أتت الكلمات الرئاسية باهتة تتحدث عن الحلول السياسية لحل كلتا الأزمتين، الأمر الذي يحير المتابعين حيث لم تطرح أي وسائل لحسم الصراع السوري من قِبل السعودية، التي تسربت أنباء عن نيتها حسم القضية السورية عسكريًا بالتعاون مع الأتراك.
بينما ظل مقعد سوريا شاغرًا بهذه القمة، إذ لايزال قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا فيها ساريًا، في ظل رفض الجانب المصري استقبال وفد من الائتلاف الوطني السوري كممثل عن سوريا.
كما أقر وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التحضيري للقمة جدول الأعمال ومشاريع القرارات التي رفعوها للرؤوساء لإقرارها، وفي صدارتها ما يرتبط بالقضية الفلسطينية، حيث تضمنت القمة مشاريع قرارات تؤكد استمرار تكليف الوفد الوزاري العربي لإجراء مشاورات مع مجلس الأمن والإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وذلك للتأكيد مجددًا على تبني مشروع قرار يؤكد الالتزام العربي بما جاء في مبادرة السلام العربية من أسس ومبادئ ومرجعيات لوضع جدول زمني ينهي الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين، بالإضافة إلى آلية رقابة تضمن التنفيذ الدقيق وذلك لتحقيق السلام الدائم والعادل في المنطقة، بما في ذلك من قرارات روتينية لم تحرك من الأمر شيئًا في السابق وغير مأمول أن تحرك مستقبلاً في ظل القيادة الإسرائيلية الحالية، التي صرحت وبشكل واضح أن هذه الحلول باتت عبثية وغير ملزمة لها بينما يتمسك العرب بها في قممهم العربية منذ الاحتلال.
لم تخل هذه القمة أيضًا من مناقشة بعض القرارات الروتينية كإنشاء سوق عربية مشتركة، وتطوير جامعة الدول العربية وما يتعلق بتعديل ميثاق الجامعة، وكذلك النظام الأساسي المعدل لمجلس السلم والأمن العربي.
القمة في ظل هذا الواقع العربي المأزوم لا يُعتقد أنها ستغير من الواقع شيئًا، فثمة قرارات متخذة سلفًا من قبل القوى الإقليمية العربية، والقمة العربية تمثل شرعنة قانونية لتلك القرارات لا أكثر.