نعم، هذا ما يشير إليه بحث منشور مؤخرًا، أن النجم الساطع الواقع في القلب من مجموعتنا الشمسية قد يكون معقلًا لنوع من أنواع المادة المُظلِمة، التي يُعتَقد أنها تشكل حوالي 25% من الكون، أي خمسة أضعاف المادة العادية التي نعرفها، وأنه يلعب دورًا هامًا في كيفية نقل الحرارة داخله، ويحل لغزًا لطالما حيّر العلماء عن نموذج فهمنا للشمس.
ينبع النموذج الشمسي من القياسات التي قام بها العلماء على مدار عقود لدرجة سطوع الشمس والحرارة على سطحها وكثافة المادة داخلها وغيرها من متغيّرات، وهو نموذج يفسّر لنا الكثير والكثير فيما نراه، ولكنه بدأ يتعارض مؤخرًا مع ما رصده المختصون بالموجات الزلزالية الشمسية – نعم الشمس أيضًا تسري فيها موجات ضغط مشابهة، وإن لم تكن مطابقة، للموجات الزلزالية على الأرض -.
يأتي التعارض بالأساس من التغييرات التي قام بها العلماء مؤخرًا في تقديراتهم لمحتوى العناصر الكيميائية الأثقل من الهيدروجين والهيليوم داخل الشمس، إذ تعتمد التقديرات الجديدة على إعادة تفسير ودراسة البيانات المتاحة من دراسة الطيف الشمسي، وهي تقديرات خلقت مشكلة على ما يبدو إذا ما حاولنا التوفيق بينها وبين ما يقيسه العلماء من كميات لتلك العناصر عبر سرعة تحرّك الموجات الزلزالية الشمسية والحرارة، والتي تؤثر على حجم الشمس بشكل دوري.
هل يمكن أن تكون سرعة الموجات مؤشرًا غير دقيق؟ هذا ما يقوله آرون فِنسِنت بجامعة دورهام في بريطانيا، كاتب البحث مع زملائه بكلية لندن الملكية ومعهد العلوم الإسباني، والتي تشير لاحتمالية تحصيل الشمس لجُسيمات مادة مُظلمة أثناء رحلتها في المجرّة تتيح لها نقل الحرارة داخلها أسرع من المعتاد، إذ يُفتَرَض أن تسري بشكل أبطأ إذا ما اعتمدت على المادة العادية فقط نظرًا لاصطدام جزيئات العناصر ببعضها البعض والذي يعطّل سريان الحرارة والموجات الزلزالية، وهو ما دفع العلماء إلى خفض تقديراتهم للعناصر الأثقل في السابق لأخذ هذا النقل السريع في الاعتبار.
بدأ الباحثون بجمع خصائص عدة للشمس من مصادر مختلفة لحساب سرعة الموجات عبر الشمس بشكل دقيق، وكذلك سُمك منطقة الحمل الحراري Convective Zone، وكثافة جسيمات النيوترينو التي يتم إطلاقها من الشمس، ثم قارنوا تلك الحسابات بما يتوقعه النموذج الشمسي العادي تارة، وما يتوقعه النموذج الذي يتضمن تفاعل مادة مظلمة مع المادة العادية تارة أخرى، وهو تفاعل قد يحدث في ثلاثة أشكال مختلفة، أحدها فقط هو الذي اتفق مع الحسابات، في حين فشل في ذلك اثنان منهما، بالإضافة إلى النموذج الشمسي العادي.
يحتوي النموذج الجديد الذي يتفق مع الحسابات على جُسيمات مادة مظلمة تتمتع بمتوسط مسار حر كبير، ومتوسط المسار الحر لأي جسيم أو جزيء في الكون هو متوسط المسافة التي يسيرها قبل أن يصطدم بغيره، وكلما كان كبيرًا بالطبع كلما كان ذلك إشارة على حريته في الحركة، وبالتالي سرعته في نقل الحرارة والموجات.
تُعَد المادة المظلمة واحدة من ألغاز الفيزياء والفلك الجاري دراستها من قِبَل آلاف الباحثين حول العالم، إذ تنقسم الكتلة والطاقة في الكون إلى حوالي 68.3% طاقة مظلمة، و26.8% مادة مُظلمة، و4.9% مادة عادية كالتي نراها في الفضاء ونتعامل معها يوميًا، والفرق بين الطاقة المظلمة والمادة المظلمة هو أن الأولى تؤثر فقط على مستوى الكون، ولا يمكن أن نجد آثارها على مجرة بعينها أو داخل الشمس كالمادة المظلمة، أما المادة المظلمة فهي مكوّنة من جسيمات مثل المادة العادية ولكنها تتفاعل معها فقط عبر الجاذبية، ولا يمكن رؤيتها إلا برصد التغيّرات الجاذبية التي تُحدِثها، على عكس المادة العادية التي نراها بأعيننا.
من جانبهم، يأمل الباحثون أن يطوّروا من ذلك النموذج الجديد في دراساتهم القادمة، وهم يطمحون إلى معرفة نوعية جسيمات المادة المظلمة التي تلتقمها الشمس بالتحديد، وهو ما يمكن أن تشير له التجارب التي ستجري في مصادم الهادرونات الكبير LHC المعروف في سِرن CERN بمدينة جنيف في سويسرا، والذي اكتشف جسيم هيجز المسؤول عن ظاهرة الكتلة منذ عامين، ويتوقع العلماء أن يأتي بالمزيد من الإنجازات فيما يخص الأسئلة العالقة في الفيزياء والكون.
“هناك طيف واسع من الجسيمات التي قد تكون مسؤولة عن تفاعل كهذا، ولكنه ليس من الواضح الآن أيها سيتفق مع البيانات الموجودة بالتفصيل، نحن قريبون جدًا من معرفة ما إذا كانت تلك الظاهرة دليلًا قاطعًا بالفعل على وجود مادة مظلمة داخل الشمس، لتصبح تلك حقيقة علمية ثابتة، أم أننا ربما بصدد ظاهرة تشبه في تأثيراتها المادة المظلمة ولكنها في الحقيقة شيء آخر”.